مراعاة أحوال المدعوين النفسية (جوانب نفسية في الدعوة)

الكاتب: المدير -
مراعاة أحوال المدعوين النفسية (جوانب نفسية في الدعوة)
"مراعاة أحوال المدعوين النفسية
(جوانب نفسية في الدعوة)




تتميز الدعوة الإسلامية بمراعاتها أحوال المدعوين بشكل شامل، فتراعى فيهم النواحي النفسية والعقلية والاجتماعية والوجدانية، إضافة إلى رعاية ما ميزهم الله به من مواهب وقدرات، وهذه الجوانب وغيرها تلقى العناية والرعاية المثمرة، والتي تستنبط تفصيلاتها من أحداث فتح مكة كالآتي:

ما يتعلق بمراعاة الأحوال النفسية عند المدعوين:

1-الاعتراف لأهل الفضل بفضلهم، وخصهم بمزيد من الرعاية والإكرام، شكراً وتقديراً لما سلف منهم من البر والأعمال الصالحة، وإرضاء لنفوسهم التي قدمت وبذلت، فلم يجحد حقها من التقدير والتكريم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:((لا يشكرُ اللهَ من لا يشكر الناسَ))[1].

 

وذلك كاعترافه بفضل أهل بدر السابقين للإسلام ولنصرة الدين، وقوله عن حاطب رضي الله عنه:((أليس من أهل بدر، فقال: لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم))[2].

 

وكذلك موقف التقدير ورعاية حق الصحبة، لصديقه أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بتقديره لوالده، حين جاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -وقد كف بصره ووهن عظمه- جاء به لينقذه من الكفر، وليدخل ببركة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام، فيكون أعظم بر يقوم به الصديق إزاء والده، فأكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقام أبي قحافة، وقال كلمته المأثورة، التي ضرب بها المثل في التواضع وحلو الشمائل ورعاية الصحبة: (( هلا تركت الشيخ في بيته، حتى أكون أنا آتيه فيه))، ثم أجلسه بين يديه، ومسح صدره، وقال: أسلم. فأسلم[3]، فكان يوم يمن على آل أبي بكر، يوم أسلم والده، ويوم فخار للصديق حيث توج الرسول صلى الله عليه وسلم هامته بالتقدير والرعاية في شخص والده[4].

 

ومثله اعترافه بفضل الأنصار ودورهم العظيم في نصرة الدين، حين ضنوا به أن يفارقهم ويرجع إلى مكة، فقال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم))[5].

 

وكذلك موقفه منهم حين قسم غنائم حنين واختص بها المؤلفة قلوبهم ومسلمة الفتح، ولم يعط الأنصار منها شيئا، فآلم ذلك نفوسهم، ولم تتضح لهم الحكمة من ذلك، فأرضاهم النبي صلى الله عليه وسلم وأزال كدرهم، حين وضح لهم حقيقة الأمر أنه يتألفهم بها، ثم قال لهم: (( لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار والناس دثار ))[6].

 

2-العمل على إكساب المدعوين الهدوء النفسي قبل أمرهم بالإسلام، وتهيئة نفوسهم لقبول الدين عن طواعية وطمأنينة، فالإسلام دين أمن وأمان، والقرآن الكريم نزل مؤكداً على هذا في قوله تعالى: ? وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ ?[7]، في هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أحد من المشركين، لا عهد بينه وبين المسلمين ولا ميثاق، ليسمع ما يدعو إليه من التوحيد والقرآن، ويتبين ما بُعث له، أن يؤمنه ? حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ? [التوبة: 6]، ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر، ثم يبلغه بعد ذلك داره التي يأمن فيها، وإن لم يسلم، ثم يقاتله إن شاء من غير غدر ولا خيانة، وهذا الحكم ثابت في كل وقت، وعن الحسن رضي الله عنه قال: هي محكمة إلى يوم القيامة.[8]




وقد يطلق على ذلك (التفريغ النفسي)، وذلك بأن تفرغ نفوس المخاطبين مما يثقلها فيما يتعلق بالموقف، وذلك بموافقة المدعوين في أهم ما يثير نفوسهم، فالداعية إذا اعتمد على تخطئة المدعوين أو تسفيه تصرفاتهم، لما وجد طريقا واحدا إلى قلوبهم، وإنما الحكمة أن يكسب عواطفهم، ثم يقودهم إلى الفكرة والاتجاه الذي يريد[9]، وذلك بإكسابهم الهدوء والطمأنينة النفسية، لأن شعور المدعو بالأمن يكسبه الطمأنينة والأمان، ويدفعه إلى النظر بعين القبول للدعوة الإسلامية.

 

ومن ذلك إعلان النبي صلى الله عليه وسلم الأمان لأهل مكة، رغم ما حصل منهم طوال سنوات الدعوة، إلى تلك الساعة، كما دعا المسلمين جميعا إلى نشر هذا الأمان، فيكفي أن ينادي به أحد أفراد المسلمين ليؤمن خائفا من أعداء الله، فيكف المسلمون عن قتله وإيذائه[10]، فقال صلى الله عليه وسلم: (( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن))[11]، وقال في خطبته: (( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم))[12]، ثم قبل جوار أم هانئ رضي الله عنها لاثنين من المشركين، وقال: (( قد أجرنا من أجرت، وآمنَّا من آمنت))[13].

 

ولم يرفض أمانا طلبه أحد من الخائفين، بل بذله دون استثناء، كأمانه لعكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن أبي السرح، وسهيل بن عمرو رضي الله عنهم، كما أعطى عمامته التي دخل بها مكة لعمير بن وهب رضي الله عنه علامة على أمانه لصفوان بن أمية حين هرب من مكة[14].

 

ولا شك أن محاولة إحداث التوازن النفسي لدى المدعو، بمحاولة جعل نفسيته هادئة مطمئنة، والابتعاد به عما يمكن أن يثير قلقه أو خوفه، هو من عوامل الجذب والاستمالة، التي تدعوه إلى تكييف أفكاره ومنهجه مع ما يعرض عليه[15]، والنظر والتأمل بعين الإنصاف لما يلقى عليه بعيدا عن الخوف والقلق، فتكون نفسه كالأرض المهيأة لما يلقى فيها من خير.

 

3- تغيير المسار النفسي: وذلك بتحويل المزاج الحالي للمدعو، إذا كان هذا المزاج يسير في اتجاه لا يخدم الدعوة، وينحرف بها عن الخط الذي رسمه الداعية، خاصة إذا كان هذا المزاج سيثير مشاكل معينة بين عدد من المدعوين، وخاف الداعي أن يحدث ذلك أثرا سيئا في نفسياتهم، فعليه حينها أن يعمل على تغيير هذا المسار الذي عليه المدعو إلى مسار آخر، سواء أكان ذلك التغيير باستحداث موضوع فكري يحتاج إلى تفكير وتأمل، أم إشغاله بعمل يصرفه عن التفكير بالموضوع المراد صرفهم عنه[16]، ومن أمثلة ذلك:

? احتواء مشاعر الغضب والرفض، التي قد تثير صاحبها وتمنعه من قبول الإسلام، وامتصاصها وإزالتها، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع صفوان بن أمية رضي الله عنه، حين قدم ( وناداه على رؤوس الناس، فقال: يا محمد، إن هذا عمير بن وهب، جاءني بردائك، وزعم أنك دعوتني إلى القدوم، فإن رضيت أمرا قبلته، وإلا سيرتني شهرين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( انزل أبا وهب)). فقال: لا والله لا أنزل حتى تبين لي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( بل لك تسير أربعة أشهر))[17]. فقطع بذلك عنه الحمية التي وقف عليه بها، ولم يدع له عذرا يحتج به لرفض الإسلام.

 

? إبدال شعور الغضب عند عمر رضي الله عنه، والرغبة في إيقاع العقوبة حمية لله ولرسوله، وتوجيهه إلى تقدير حاطب بقوله صلى الله عليه وسلم:(( وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر..)) فما كان منه إلا الرضا والتسليم وتبدل موقفه إلى أن تدمع عيناه فرحا بهذه البشارة وقال: الله ورسوله أعلم.

 

? السماح لهم بالتنفيس عن مشاعر الغضب المكبوت في صدورهم، والتشفي مما آذاهم، كما سمح لخزاعة أن ينالوا من قريش وبني بكر إلى العصر من يوم الفتح.

 

وقد قال تعالى: ? قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ? [18]، ففي هذه الآية الكريمة يأمر الله تعالى المؤمنين بقتال المشركين الذين نكثوا أيمانهم ونقضوا عهودهم، وأخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهرهم، ليعذبهم الله ويقتلهم بأيدي المؤمنين، ويذلهم بالقهر والأسر، ويظفر المؤمنين عليهم ? وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ? [التوبة: 14]، فيبرئ صدورهم بقتل هؤلاء المشركين بأيديكم، وإذلالهم وقهرهم لهم، وذلك الداء الذي يبرئهم منه، هو ما كان في قلوبهم عليهم من الموجدة بما كانوا ينالونهم به من الأذى والمكروه.

 

وقيل: عنى بذلك صدور بني خزاعة[19]، قال الإمام أبي القاسم السهيلي[20] رحمه الله:( قال أهل التأويل هم خزاعة، شفوا صدورهم من بني بكر يوم الفتح)[21].

 

وتعظيما لحرمة مكة، وتهذيبا للرغبة في الانتقام يأمر النبي صلى الله عليه وسلم خزاعة بالكف عن سفك الدماء، ويقول: ((يا معشر خزاعة، ارفعوا أيديكم عن القتل، فلقد كثر القتل أن يقع))[22]




? استلال الحقد والضغينة من نفوس المدعوين، بالتسامح والتعاطف معهم، فخصومة المدعوين وصدودهم عن الحق ينشأ أحيانا عن المبالغة في الاعتداد بالكرامة الشخصية، مع ضيق التصور والخطأ في الفهم.

 

لهذا كان من أساليب الدعوة في القضاء على أسباب هذه الخصومة، اعتماد التسامح وسعة الصدر، والتغاضي عن الأمور المزعجة السيئة التي تنشأ في الطريق أثناء المسيرة، فالداعية لا يضحي بالهدف السامي لأن بعض المدعوين انحرف عن الجادة، بل يلزم الصفح عن زلاتهم العارضة، رجاء هدايتهم للحق، ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يعفو عن فضالة وشيبة وغيرهم ممن حاول قتله أو الإساءة إليه في الفتح وبعده في غزوة حنين.

 

4-السمو بالروح المعنوية لدى المدعوين، ورفعهم من هوة الماضي، كي لا يقيدهم بأغلاله، بل يطلق نفوسهم من عقال الشرك والضلال، وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة:

? فهو ينهى عن التعيير بالماضي السيء لمن حارب الإسلام وضاده، فيقول للمسلمين: (( لا تسبوا عكرمة..))[23]، لأنه قدم تائبا راغبا في الإسلام.

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وجمهور قريش لم يكن منهم أحد إلا وله أقارب كفار قتلوا أو ماتوا كفارا، فهل كان في إسلامهم فضيحة؟ وقد أسلم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية رضي الله عنهما وكانا من خيار المسلمين، وأبواهما قتلا ببدر، وكذلك الحارث بن هشام قتل أخوه يوم بدر.

 

وفي الجملة الطعن بهذا طعن في عامة أهل الإيمان، وهل يحل لأحد أن يطعن على علي رضي الله عنه أن عمه أبا لهب كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، أو يعيره بكفر أبي طالب، أو يعير بذلك العباس؟ وهل مثل ذلك إلا كلام من ليس من المسلمين؟[24]




? الدعاء لهم بالثبات على الدين كدعائه للنضير بن الحرث العبدري: (( اللهم زده ثباتا))[25]، ودعائه لشيبة في غزوة حنين.

 

? جبر كسرهم، وذلك بإعطائهم من غنائم حنين.

 

? التلطف بصغارهم والمسح على رؤوسهم تطييباً لخاطرهم، فقد روى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، (جعل أهل مكة يأتون بصبيانهم فيمسح على رؤوسهم ويدعو لهم)[26].

 

5-ملاحظة غرائز المدعوين ودوافعهم، فالجبلة البشرية تنطوي على مجموعة من الصفات، التي لا يمكن إزالتها بالكلية، وقد لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجبلة في الناس فلم يحاول هدمها، وإنما ترقى بها[27]، ولم يقف عاجزا مكتوف اليدين أمامها، لكنه بدلها أو وجهها للخير.

 

فيعرف غريزة الفخر عند أبي سفيان رضي الله عنه، فيقول: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن)[28].

 

ويلاحظ غريزة حب المال، فيشبعها بالعطاء الجزيل، ثم يعمل على توجيهها فيقول لحكيم بن حزام رضي الله عنه لما أكثر سؤاله، وأعطاه مرة بعد المرة:(( يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى))[29].

 

ويرى من عبد الرحمن بن سَمُرة رضي الله عنه - وهو من مسلمة الفتح- رغبة في تولي الإمارة، لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فبين له تكاليفها، وبين له السر في التوفيق والنجاح فيها فقال:(( يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة، وُكلت إليها، وإن أعطيت من غير مسألة أعنت عليها))[30].

 

كما يقدر النبي صلى الله عليه وسلم أن أصحابه بشر تعتريهم أحوال ضعف، وتطوف بعقولهم أهواء، وتحوم حول نفوسهم شهوات، فيأخذهم بالرفق[31]، ويتفهم دوافعهم، التي أوقعتهم في المزالق والأخطاء، كموقفه من حاطب رضي الله عنه، وتجاوزه عن خالد بن الوليد رضي الله عنه مع التبرؤ من خطأه ودفع الدية.

 

والنبي صلى الله عليه وسلم في هذا التعامل يلاحظ الغرائز كلها، فلا يهمشها أو يهملها بل يرعاها، فلا يوصم من تلبس بشيء منها بالعيب والنقص والتجريح، بل يهذبها ويوجهها للخير، لأن نفوس الناس مفطورة على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها، وهذا باب واسع من الأبواب التي يلج منها الدعاة إلى قلوب المدعوين.

 

6-رعاية المشاعر والأحاسيس الإنسانية والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى جرحها أو إثارتها، خاصة عند أصحاب النفوس الموتورة، فالداعية قد يترك أمرا لا ضرر في تركه ولا إثم، محافظة على سلامة مشاعر المدعوين، واتقاءً للفتنة، وذلك حين يجد قوما استقر مجتمعهم وعاداتهم على أمور لا تخالف الإسلام، ولكن فعل غير هذه الأمور أفضل، فيترك فعل الأفضل إذا علم أن ذلك قد يؤدي إلى فتنة.

 

وخير شاهد على ذلك إبقاء الكعبة على بنائها الذي كانت عليه، مع رغبته صلى الله عليه وسلم في إكمال ما نقص من بنائها، وذلك اجتنابا لفتنة قوم كانوا حديثي عهد بجاهلية[32]، فقد روي في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:(( لولا حداثة قومك بالكفر، لنقضت البيت ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإن قريشا استقصرت بناءه، وجعلت له خَلْفاً[33]))[34]، وفي رواية(( ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم، لنظرت أن أدخل الجدر في البيت، وأن ألزق بابه بالأرض)). وبزيادة عند الإمام مسلم(( ولجعلت لها بابين موضوعين في الأرض، شرقياً وغربياً، وهل تدرين لم كان قومك رفعوا بابها؟)) قالت: لا. قال: (( تعززا أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا هو أراد أن يدخلها، يدعونه يرتقي، حتى إذا كان أن يدخل دفعوه فسقط)).

 

فمراعاته صلى الله عليه وسلم هذا الجانب المهم في نفوس القوم، كان حقيقاً أن يؤدي إلى مصلحة عظيمة، لا تقارن بالمفسدة المرتقبة حال قيامه بتعديل بناء الكعبة[35].

 

ويظهر كذلك حرصه على مشاعر أهل مكة، بالإبقاء على كنز الكعبة مكانه رغم حاجته إلى إنفاقه[36]، فقد روى الإمام مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:(( لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية- أو قال بكفر- لأنفقت كنز الكعبة[37] في سبيل الله، ولجعلت بابها بالأرض))[38].

 

وهذا ما نصح به شيبة العبدري عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فقد روى شيبة محدثاً أحد الصحابة قال: جلس إلي عمر مجلسك هذا، فقال: هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء[39] إلا قسمتها بين المسلمين. قلت: ما أنت بفاعل. قال: لم؟ قلت: لم يفعله صاحباك. قال: هما المرآن يقتدى بهما)[40].




[1] سنن أبي داود كتاب الأدب باب في شكر المعروف 4/ 255 ح 4811، وسنن الترمذي كتاب البر والصلة باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك 4/ 339 ح 1954، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والأدب المفرد: الإمام البخاري باب من لم يشكر الناس رقم 218.

[2]سبق تخريجه ص 109، والرواية في صحيح البخاري كتاب المغازي باب فضل من شهد بدرا 5/ 10.

[3] سبق تخريجه ص 139.

[4] بتصرف، حكم وأحكام من السيرة النبوية ص 168. وانظر القيم الخلقية في غزوات لنبي صلى الله عليه وسلم ص 179.

[5] سبق تخريجه 125.

[6]صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة الطائف في شوال سنة ثمان 5/ 104.

[7] سورة التوبة آية 6.

[8] بتصرف، تفسير الكشاف 2/ 175.

[9] بتصرف، د. حسن جاد: (البلاغة النبوية وأثرها في النفوس)، ص 158 بحث ضم بحوث مجلة البحوث الإسلامية رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد العدد الأول 1400هـ.

[10] بتصرف، الآثار التشريعية في فتح مكة 2/ 547.

[11] انظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: ابن هشام 4/ 22.

[12] سبق تخريجه ص 143.

[13] سبق تخريجه ص 139.

[14] انظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم: ابن هشام 4/ 38.

[15] بتصرف، علم نفس الدعوة: د. محمد زين هادي ص 275.

[16] بتصرف من المرجع السابق ص 280.

[17] سبق تخريجه ص 138.

[18] سورة التوبة الآيتان 14-15.

[19] بتصرف، جامع البيان عن تأويل آي القرآن 10/ 90، وروى الحافظ ابن أبي شيبة في مصنفه أن نزول هذه الآية كان يوم الفتح 14/ 485 ح 18748.

[20] هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي، حافظ عالم باللغة والسير، ولد في مالقة سنة 508هـ، وعمي وعمره 17 سنة، ونبغ فاتصل به صاحب مراكش فطلبه وأكرمه، فأقام يصنف بها كتبه إلى أن توفي بها رحمه الله سنة 581هـ، وهو صاحب الروض الأنف في السيرة. بتصرف، تذكرة الحفاظ 4/ 1348، و الأعلام 3/ 313.

[21] التعريف والإعلام فيما أبهم من الأسماء والعلام في القرآن الكريم: الإمام أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله السهيلي ص 69، تحقيق: عبد. أ. مهنا، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، ط:1، 1407هـ 1987م.

[22] سبق تخريجه ص 146.

[23] سبق تخريجه ص 211، و ص 547.

[24] بتصرف، منهاج السنة النبوية 2/ 280.

[25] الإصابة 3/ 558.

[26] سبق تخريجه ص 312.

[27] بتصرف، الدعوة الإسلامية، أصولها ووسائلها ص 428.

[28] سبق تخريجه ص 117.

[29] سبق تخريجه ص 306، واللفظ عند الإمام مسلم كتاب الزكاة باب بيان أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأن اليد العليا هي المنفقة وأن السفلى هي الآخذة 2/ 717.

[30] سبق تخريجه ص 386.

[31] بتصرف، الدعوة إلى الله تعالى على ضوء الكتاب والسنة: حسن مسعود طوير، ص 145، دار قتيبة للطباعة والنشر، بيروت - دمشق، ط:1، 1413هـ 1992م.

[32] بتصرف، مقومات الداعية الناجح ص 78-79.

[33] يعني: (باباً آخر من خلف يقابل الباب المقدم). فتح الباري 3/ 444 ح 1585.

[34] صحيح البخاري كتاب الحج باب فضل الكعبة وبنيانها 2/ 156 واللفظ له، وصحيح مسلم كتاب الحج باب نقض الكعبة وبناءها 2/ 972- 973 ح 1333، وموطأ الإمام مالك باب ما جاء في بناء الكعبة- تنوير الحوالك- 1/ 332.

[35] وقد ذكر الحافظ ابن حجر عددا من الفوائد في شرحه للحديث منها: ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر عنه فهم بعض الناس-وهذا من تراجم الإمام البخاري في كتاب العلم-، وفيه اجتناب ولي الأمر ما يسرع الناس إلى إنكاره وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب، وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع مفسدة وجلب مصلحة، وأنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة، وأن المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة، وغير ذلك. بتصرف، فتح الباري 3/ 448 ح 1583.

[36] ويدل على ذلك الحديث الذي رواه أبو داود في سننه: أن شيبة قال لعمر رضي الله عنهما: ( لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى مكانه وأبو بكر، وهما أحوج منك إلى المال، فلم يحركاه) كتاب المناسك باب في مال الكعبة 2/ 215 ح 2031، قال ابن بطال: أراد عمر لكثرته إنفاقه في منافع المسلمين، ثم لما ذكر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له أمسك، وإنما تركا ذلك -والله أعلم- لأن ما جعل في الكعبة وسُبِّل لها يجري مجرى الأوقاف، فلا يجوز تغييره عن وجهه، وفي ذلك تعظيم الإسلام وترهيب العدو. وعقب على قول ابن بطال العلامة محمد العظيم آبادي: بأن هذا التعليل ليس بظاهر من الحديث، بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وسلم لذلك رعاية لقلوب قريش، كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم، ويؤيده ما وقع عند مسلم. انظر الحديث التالي. بتصرف، عون المعبود 6/ 10.

[37] أراد الكنز الذي بها وليس حليتها، وكنزها هو ما كان يهدى إليها، فيدخر ما يزيد عن الحاجة. انظر فتح الباري 3/ 456 ح 1594.

[38] سبق تخريجه ص 285، واللفظ عند الإمام مسلم.

[39] أي الذهب والفضة، فتح الباري 3/ 456 ح 1594.

[40] صحيح البخاري كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم 8/ 139.


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook