مراكز العمران الحضرية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
مراكز العمران الحضرية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

مراكز العمران الحضرية بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
إن معظم المحافظات أحادية المدينة، بمعنى وجود مدينة واحدة في كل محافظة كما سبق ذكره، وهي دائمًا عاصمة المحافظة، ومن تعريف المدينة الذي سبقت الإشارة إليه، سيرتفع عدد المدن بإضافة كل من العيص والمهد إلى مرتبة المدن على الرغم من عدم وجود بلدية فيهما، (جدول 46) .
 
وترتبط هذه المراكز العمرانية بشبكة مواصلات داخلية جيدة وأخرى تربطها بالمحافظات الأخرى في الاتجاهات كلها، فهي ترتبط مثلاً عبر الحناكية في الشرق بالطريق السريع الذي يربط المدينة المنورة بالقصيم ثم الرياض، وفي الشمال تتصل المدينة المنورة عبر خيبر بالطريق الذي يمتد شمالاً إلى تبوك ثم الحدود الأردنية، وفي الغرب يمتد المحور العرضي (الرياض - المدينة) إلى ينبع وإلى جدة، وفي الجنوب يمتد الطريق السريع الذي يربط المدينة المنورة بمكة المكرمة.
 
ويشير (جدول 46) إلى أن منطقة المدينة المنورة تضم فقط ثماني مدن، وتحتل المدينة المنورة المرتبة الأولى بينها من حيث الحجم في سنة 1419هـ / 1998م، إذ تضم نحو ثلاثة أرباع سكان المدن. وبعد ضم عدد السكان في مدينة ينبع الصناعية إلى ينبع البحر تصبح مدينة ينبع صاحبة المركز الثاني بين مدن المنطقة. وتعد العِيص أصغر المراكز الحضرية في محافظة ينبع بمنطقة المدينة المنورة، إذ تضم 6127 نسمة فقط، (خريطة 11) .
 
وتبعًا لقاعدة الحجم - الرتبة (Rank - Size Rule) نلاحظ أن التوزيع الحجمي لمدن المنطقة بعيد كل البعد عن النمط النموذجي لتوزيع المدن تبعًا لأحجامها، (جدول 47) ، إذ يبدو التركز الكبير واضحًا جدًا في البنية العمرانية الحضرية. أما البنية العمرانية الريفية فأقل تركزًا، ولكنها تتصف بالتبعثر وصغر الحجم، ما يجعل من المهم جدًا لإستراتيجية التنمية في المنطقة الاهتمام بالمراكز الحضرية والريفية في التوزيع والحجم.
 
ويمكن تناول ذلك على النحو التالي:
 
أ - المدينة المنورة:
 
تتمتع منطقة المدينة المنورة بخصائص طبيعية ومظاهر حضرية مميزة قوامها التنوع والخصوصية المتمثلة في الجبال، والأودية، والآثار، والمباني والخدمات، الأمر الذي يجعل إعطاء نبذة مختصرة عن هذه الخصائص والمظاهر أمرًا ضروريًا جدًا.
 
بعد بزوغ فجر الإسلام وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة في السنة الأولى للهجرة 622م، أخذ شكل المدينة في التغير، فأصبح مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مركزًا للمدينة، وبدأت تنمو حوله المساكن والأسواق. لقد كانت المدينة المنورة في الفترة السابقة للإسلام تتألف من عدة أحياء منفصلة، وربما يعود هذا إلى عامل توزيع مصادر المياه، فقد سكنت كل عشيرة أو قبيلة حول بئر أو ينبوع ماء متخذة من الحصون والآطام وسيلة لحماية أفرادها، واتجه النمو في هذه المرحلة نحو الجنوب الشرقي حيث المياه الوفيرة والأرض الخصبة. وقد شجع الإسلام على اندماج الأحياء المنفصلة لتتشكل أول مدينة إسلامية في العالم. وأخذت المدينة المنورة تنمو مساحيًا مع مرور الزمن حتى أحيطت بسور طوله 3000م، (خريطة 12) ، في العهد العثماني. وانطلقت المدينة المنورة خارج أسوارها متأثرة بالتوسعات المتكررة للمسجد النبوي الشريف حتى بلغت مساحتها المعمورة 293كم  مقارنة بنحو 1.4كم  داخل الأسوار  
 
وتشكل المدينة المنورة عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في منطقة المدينة المنورة، فتضم نحو ثلثي السكان سكان حضر يصل إلى نحو 91%. وتستقطب المدينة أنواع التجارة كافة، ويكاد ينحصر النشاط الصناعي في المدينة المنورة، وفي محافظة ينبع، مع بعض المؤسسات الصناعية المحدودة جدًا في محافظة بدر (التي تعمل في صناعة الزجاج والفخار). أما بقية المحافظات فيقل فيها النشاط الصناعي بشكل واضح. كما تحصل المدينة المنورة غالبًا على نصيب الأسد من الخدمات والمرافق.
 
وتتنوع ملامح العمران في المدينة المنورة بين المظاهر الطبيعية والمظاهر الحضرية؛ فمن الطبيعة نجد الجبال، ومنها: أحد، وثور، وعير، وسلع، وجبال البيضاء، وكذلك الحرات والأودية، وأبرزها وادي العقيق.
 
أما المظاهر الحضرية فمنها المسجد النبوي الشريف  والتوسعات التي مر بها منذ عهد النبوة حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وكذلك مسجد قباء، وبقيع الغرقد، ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف  ، ومحطة خط الحديد الحجازي، وجامعة طيبة، وسد العاقول  
 
ب - ينبع: 
 
تقع محافظة ينبع بين تلال جبال الحجاز والبحر الأحمر. وتقسم ينبع إلى: ينبع البحر وينبع الصناعية. كانت توجد في وادي ينبع ويقع على الوادي عدد من القرى العامرة مثل: سويقة، والبثنة، والبركة، والجابرية وغيرها. وقد توقف كثير من عيون الوادي عن الجريان منذ أواخر القرن 14هـ / 20م، كما هُجرت عدد من قراه، ومعظم سكان الوادي من جهينة وحرب. وقد شجعت برامج التنمية في العقود الأخيرة نمو بعض القرى ونمو الخدمات فيها. وينحدر الوادي غربًا حتى يصب في البحر قرب مدينة ينبع البحر. ومن أبرز المظاهر الطبيعية والحضرية في المدينة جبل رضوى، والمدينة الصناعية، وكذلك محطة تحلية المياه.
 
ج - العلا:
 
مدينة العلا تشتهر بمزارعها، فأصبحت في الوقت الحاضر مدينة تتكامل فيها الخدمات الأساسية كافة، ويمر بها الطريق الموصل بين المدينة المنورة وتبوك في منتصف المسافة تقريبًا. وكان واديها يعرف قديمًا بوادي القرى، وهو أحد الروافد الكبيرة لوادي الحمض (إضم)، يأتيه من الشمال بعد أن يجتمع بوادي الجزل.
 
وتقع بطرف العلا الشمالي الشرقي آثار بلدة الخريبة عاصمة مملكة لحيان التي كانت تسيطر على شمال الحجاز. وفي العلا مسجد يقال إنه مسجد رسول الله بقرح الذي صلى فيه أثناء مروره بها في غزوة تبوك. وفي كتب السيرة أنه نـزل وادي القرى، فصالحه أهلها وبنى بها مسجدًا في قرح. وكانت قرح سوقًا من أسواق العرب.
 
ولا يعرف متى أطلق اسم العلا على المكان، ويذكر أنه من عادة أهل الحجاز تسمية أعالي الأودية بالعوالي والمعالي والعالية، فربما أتاها الاسم من هذا القبيل لأنها أعلى وادي القرى. وكانت العلا (قرح) حتى القرن الخامس الهجري من أكبر المدن وأشهرها في شمال الحجاز بعد مكة المكرمة. ومع تدهور الأوضاع السياسية في نهاية القرن الخامس الهجري اندثرت قرح واختفى اسمها. ومع القرن السادس الهجري بدأ اسم العلا يظهر وينمو في المنطقة. ومن أهم المواقع في المحافظة مدائن صالح، وآثار المابيات والخشيبة  . 
 
د - بدر:
 
بدر - بفتح الباء، وسكون الدال المهملة، بلفظ البدر من القمر - بلدة عامرة تقع أسفل وادي الصفراء على بعد نحو 150كم جنوب غربي المدينة المنورة. كانت بدر قبل الإسلام موردًا لقوافل العرب في حركتها بين الشمال (بلاد الشام) والجنوب (مكة المكرمة واليمن)، فنمت لتصبح سوقًا من أسواق العرب المشهورة. وفي العهد السعودي أصبح يمر بها الطريق العام المعبد القديم إلى جدة ومكة المكرمة. وهي قاعدة محافظة بدر.
 
وقيل إن المكان ينسب إلى بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة، وقيل بل هو رجل من بني ضمرة سكن هذا الموضع فنسب إليه، ثم غلب اسمه عليه. وهناك أقوال أخرى تنسب تسمية المكان إلى أناس آخرين، ولكن أكثرها انتشارًا هو القول الأول.
 
وفي بدر كانت الوقعة الشهيرة التي أظهر الله بها الإسلام، وفرق بين الحق والباطل في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة. وقد نسب إلى بدر جميع من شهدها من الصحابة رضوان الله عليهم  . وإلى الغرب من بدر وعلى بعد نحو 20كم تقع الجار ميناء المدينة القديم.
 
هـ - المهد:
 
يطلق على المهد غالبًا اسم (مَهْدُ الذَّهَب) في الوقت الحاضر وهي بلدة صغيرة جنوب شرقي المدينة المنورة على بعد نحو 275كم، فيها مجمع قروي. وأفضل الطرق إليها هو الطريق الغربي المتفرع من طريق المدينة المنورة - مكة المكرمة السريع إلى السويرقية فالمهد.
 
وأصل المهد يدعى (ذا الموقعة) فيه معدن لبني سليم، ثم آل إلى غيرهم بعد انكماش بني سليم إلى الحرة. وفي العهد السعودي تم التعاقد مع شركة أجنبية لاستخراج الذهب من مناجمه؛ ولهذا سميت باسم (مهد الذهب)  . ويوجد في المهد معظم الخدمات الأساسية من إمارة، ومركز للشرطة، والمحكمة العامة، ومستوصف، ومدارس ابتدائية ومتوسطة وثانوية لتعليم البنين والبنات.
 
ويُذكر أن منجم الذهب أنتج 26114 طنًا من التبر بين عامي 1364 و 1370هـ / 1945 و 1951م نتج منه 345835 أوقية من الذهب، و 321956 أوقية من الفضة  ،  ثم توقف إنتاج المعدن بعد ذلك لارتفاع تكلفته الاقتصادية؛ ليعود بعد ذلك في التسعينيات من القرن العشرين الميلادي باستخدام تقنيات حديثة مكنت من رفع المردود الاقتصادي من التنقيب عن الذهب واستخراجه. ويتوافر المعدن الثمين بالإضافة إلى معادن أخرى في عدد من المراكز التابعة لمحافظة المهد مثل: ثرب والعمق والسويرقية.
 
و - خيبر:
 
خيبر مدينة قديمة تقع في وسط حرة واسعة يعرف الجزء الذي تقع فيه المدينة بحرة خيبر، في حين يطلق على أجزائها الجنوبية اسم حرة الكورة، وتعرف الأجزاء الشمالية باسم القبيلة التي تسكنها وهي قبيلة بني رشيد (الرشايدة). ويبلغ متوسط ارتفاع حرة خيبر نحو 850م فوق سطح البحر، وتنتشر في هذه الحرة أشكال طبيعية متعددة تجذب رواد الرحلات البرية مثل الأعمدة الصخرية والدحول التي ساعدت الرياح والمياه في تشكيلها.
 
وتشتهر خيبر بتوافر المياه؛ فقد كان فيها نحو 180 عينًا جارية  ، وشجر النخيل، وقد احتلت خيبر مع القرى التابعة لها المرتبة الرابعة في عدد النخيل المثمر بعد المدينة المنورة، وينبع، والعلا  ،  ويوضح آخر حصر زراعي شامل عام 1418هـ / 1997م ارتفاع عدد نخيلها  .  ولهذا ظهر المثل الشعبي: "يا مهدي التمر على أهل خيبر".
 
ويمر حول خيبر عدد من الأودية الغزيرة الجريان ما جعل عيونها وآبارها دائمة الجريان والغزارة. ومن هذه الوديان وادي الغرس (السرير) الذي يمر جنوب المدينة، ووادي السلمة الذي يمر بين مدينة خيبر ودبل عطوة في جنوبها، ووادي الصوير (وادي الشريف)، ووادي أبي وشيع شمالي وادي الصوير، ووادي المضاويح شمالي وادي أبي وشيع، ووادي الزهيراء آخرها نحو الشمال. وعلى كل وادٍ من هذه الأودية تنتشر القرى الزراعية. وتجتمع هذه الأودية في مكان يسمى المجمعة يكون رأس وادي الطبق الذي يتجه إلى وادي الحمض ثم البحر الأحمر.
 
وتشتهر خيبر كذلك بعدد من الحصون، منها: ناعم، وعنده قتل مسعود بن سلمة الذي ألقيت عليه رحى فمات، وحصن القموص حصن أبي الحقيق (زوج صفية التي اصطفاها النبي - صلى الله عليه وسلم - لنفسه وتزوجها - رضي الله عنها - بعد غزوة خيبر)، وحصن الشق، وحصن النطاة، وحصن الكتيبة، وحصن الوطيح، وحصن السلالم، وحصن البازة وهو في المنطقة المعروفة حاليًا بالروان.
 
وتعني لفظة خيبر - بلغة الأقوام السابقة التي سكنت خيبر قديمًا - الحصن، ولكون الموضع يشتمل على هذه الحصون سمي خيابر، ثم ساد اسم المفرد خيبر على الجميع. وقيل إنها سميت على اسم خيبر بن قانية بن مهلائيل بن إرم بن عبيل وهو أول من نـزل هذا الموضع  .  ومن أشهر معالم خيبر: مسجد النبي، وسدود: القصيبة  والحصيد والمشقوق  والزايدية.
 
ز - الحناكية:
 
الحناكية - بكسر الحاء المهملة وفتح النون، بعدها ألف فكاف مكسورة فياء مثناة مشددة فهاء - محافظة تقع على بعد 105كم نحو الشرق من المدينة المنورة. وكانت في السابق مورد ماء، وفيها بئر لسقي المواشي. ومن أهم معالم محافظة الحناكية صخرة الحناكية وقريتا النخيل والربذة  .
 
 
شارك المقالة:
81 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook