مساكن المدن بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
مساكن المدن بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

مساكن المدن بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تتميز المدن الكبرى في غرب المملكة عمومًا - ومنها المدينة المنورة - بنمط عمراني تقليدي يختلف تمامًا عن بقية المناطق في المملكة، وذلك فيما يتعلق بالمواد المستخدمة وطرق الإنشاء والشكل الخارجي للمبنى من ناحية الواجهات وعدد الأدوار في المبنى، وتتميز المدينة المنورة أيضًا بأنها تختلف - حتى عن مدن الحجاز الأخرى - من ناحية التخطيط الداخلي للأحياء وتجاور المساكن. وهذا عرض موجز لأهم المظاهر التي يتميز بها المسكن في المنطقة:
 

التخطيط ونمط الجوار

 
لقد اتسم النمط العمراني التقليدي بسمتين من حيث التركيب: إحداهما نظام (الحارة)  ، والأخرى نظام (الأحواش) الذي يميز عمرانها عن غيرها من المناطق، ويتمثل الفرق بين النظامين في أن نظام الحارة يتكون من شارع رئيس يطلق عليه اسم (الحارة) وتتفرع منه طرقات ثانوية تصطف على جنباتها المساكن. ونظام الأحواش يتكون من شارع رئيس مماثل للحارة تتفرع منه فتحات، وهي بوابات تفضي إلى فراغ مفتوح تحيط به المساكن من جميع الجهات. وبما أن نمط الأحواش هو الذي ساد التركيب العمراني للمدينة المنورة - إذ تكاد تنفرد به من بين مناطق المملكة - فسوف يقتصر الحديث هنا على ذلك النمط التخطيطي دون النمط الآخر الذي هو نمط الحارات.
 
(الحوش) هو فراغ مفتوح مخصص لاستخدام أهالي المنازل المطلة عليه، وهي تشكل محيطه. ويتصل الحوش ببقية أجزاء المدينة من طريق بوابة تغلق ليلاً وفي أوقات اختلال الأمن، وهناك عدد محدود من الأحواش التي لها أكثر من مدخل، وتتكون البوابة من سقيفة معقودة يستخدم أعلاها لأحد المساكن المجاورة.
 
وتختلف مساحات الأحواش وعدد البيوت التي بداخلها، إذ يصل أكبر حوش من حيث المساحة إلى 8700م  ومن حيث عدد البيوت إلى 74 بيتًا، وبالمقابل تصل مساحة أصغر حوش إلى 50م  ، بينما يصل عدد البيوت إلى ثمانية، وتختلف مساحات الأحواش حسب قربها من الحرم النبوي الشريف، إذ تصغر المساحة كلما قرب الحوش من الحرم، لذلك تبدو الأحواش التي تقع داخل السور القديم للمدينة المنورة صغيرة المساحة، قليلة البيوت)  
 
وفيما يتعلق بالوظيفة الاجتماعية والأمنية للأحواش فإن التشكيل الفراغي للحوش قد أسهم في إيجاد روابط اجتماعية قوية بين السكان؛ لاشتراكهم وتقابلهم فيه أثناء خروجهم منه ودخولهم إليه، وقد هيأ الحوش للسكان إمكانية استخدام المساحة التي أمام المنـزل في الجلوس مساء ودعوة الجيران والأصدقاء؛ ما يزيد الروابط بينهم، وعادة ما تختار النساء ركنًا منعزلاً داخل الحوش لجلوسهن، وكذلك يلتقي الأولاد في بقعة معينة من الحوش للتحدث والتسامر. وتستخدم الأحواش عادة للمناسبات مثل حفلات الزواج والأعياد، فتفرش منطقة منه لجلوس الرجال، وتخصص إحدى الزوايا للطبخ وإعداد الطعام، ويبقى الوسط للرقصات الشعبية. وبما أن الجميع يشتركون في استخدام هذه المساحة المحدودة من الحوش الذي تفتح وتطل عليه مساكنهم، فإن ذلك دفعهم إلى الاهتمام بساحة الحوش من حيث النظافة وكفاءة الاستخدام الذي لا يؤثر على الآخرين.
 
وتكمن فائدة هذا التركيب العمراني للحوش في توافر الطمأنينة لدى سكانه، نتيجة التحكم في مدخل الحوش وإغلاقه في ساعات الليل لحمايته من دخول الأشرار، وتجنب الأغراب دخول الحوش إلا في حالة زيارة أحد السكان. وقد لوحظ أن الصبيان كانوا (وسائل إنذار مبكر)، وكانوا ينبهون الأغراب بأنهم أخطؤوا الاتجاه عند دخولهم الحوش، كما يساعد الحوش على الألفة والتعارف بين الجيران، ويجعل الرجال أكثر اطمئنانًا على عائلاتهم عندما يكونون في أعمالهم  
 
وقد أزيل عدد من تلك الأحواش في خضم النهضة العمرانية والمشروعات التطويرية الشاملة للمنطقة عمومًا ووسطها خصوصًا، وبعضها أزيلت أجزاء منه أو تهدمت، وتجدر الإشارة إلى بعض تلك الأحواش بالاسم كما وردت في المصادر وعلى ألسنة أهل المدينة، ومنها على سبيل المثال: حوش خميس، وحوش القشاش، وحوش كرباش، وحوش مبرمة، وحوش المغاربة، وحوش أبوذراع، وحوش الراعي، وحوش أبوجنب، وحوش عميرة، وحوش مناع، وحوش منصور، وحوش التاجورية، وحوش الخازندار، وحوش الأشراف.. وغيرها كثير، مع الإشارة إلى أن هذه الأحواش تتفاوت في المساحة وطبيعة التشييد وعدد الأدوار، وذلك حسب الحالة الاقتصادية والاجتماعية للعائلات التي تسكنها.
 

الشكل الخارجي للمبنى

 
تختلف المباني فيما بينها من حيث الشكل الخارجي في بعض التفصيلات، ولكن النمط العمراني السائد في المنطقة هو النمط الحجازي، وتنقسم واجهات المباني في المنطقة - بشكل عام - إلى نوعين:
 
 واجهات تغطيها الرواشين و (البلكونات)  تمامًا.
 
 واجهات ذات فتحات متعددة ومتساوية في الأبعاد.
 
ويلاحظ تأثر المنطقة - أساسًا - بالنمط العثماني الذي كان سائدًا آنذاك، ويتمثل في شكل الأقواس والقباب والمآذن والفتحات. وتنحصر صفات النمط المعماري التقليدي في المنطقة في الآتي:
 
 تتصف المنطقة بالمباني متعددة الأدوار التي تصل إلى خمسة أدوار.
 
 استخدام الحجر والطوب الفخاري أحدهما مع الآخر في بناء المساكن.
 
 شيوع الرواشين التي تغطي معظم أجزاء الواجهات.
 
 استخدام الطوب الملون الذي يرص بشكل زخرفي جميل في ستر الأسطح.
 
 ظهور المداخن البارزة فوق نهاية سترة السطح.
 
 تخصيص فتحات للقلال؛ وهي أوانٍ فخارية في الرواشين لتبريدها بمرور الهواء عليها.
وتتميز العمارة التقليدية في هذه المنطقة بأن لكل واجهةِ مبنىً نمطها المستقل عن غيره، مع الانسجام بين الواجهات المختلفة في الأحياء السكنية، وفي المدينة بشكل عام، ويرجع السبب في ذلك إلى الآتي:
 
 يبنى - عادة - كل بيت على حدة، ويظهر التنافس في الإبداع وإبراز المهارات بين البنائين.
 
 رغبة المالك في التميز عن غيره في تشكيل واجهة المبنى.
 
 الاختلاف في مستويات دخل المالكين.
 
 تغير الأنماط العمرانية مع مرور الزمن  
 
ويلاحظ أنه قد ساد في المنطقة نوعان من الرواشين: التركية، والمصرية (وتعرف بالمشربية). وكان النمط التركي بسيطًا في البداية، وهو إطارات نافذة مثل القفص (قفص خشبي له ثلاثة جوانب) وليس بها أي أجزاء متحركة، وبعض الرواشين من هذا النمط تصنع أعلاه مظلة لتوفر الظل وتخفف الحرارة داخل الروشان. ويمتاز النمط المصري بأنه مكون من قطع الخشب الصغيرة المقطوعة بمهارة وشكلها منسق، وتحتوي على عدد كبير من الضوابط والشيشان التي تدخل في تركيب الرواشين. وكانت الرواشين تتكون من صفين أو أربعة صفوف من الشيشان التي كانت تطوى في اتجاهات مختلفة، وعن طريق طي الشيشان يمكن التحكم في الضوء والهواء الذي يدخل إلى المنـزل، أما الأجزاء غير المتحركة من الروشان فكانت تصنع من قطع صغيرة من الخشب.
 
وكان الناس يولون اهتمامًا خاصًا بمداخل البيوت والبوابات الرئيسة،  وذلك فيما يتعلق بالحجم والزخرفة، فكان للأبواب الأمامية - عادة - ضعف الارتفاع بالأحجار المنسقة والزخارف الحجرية، وكانت تركب بها الأبواب الخشبية الكبيرة التي كان لها مصراعان: الأيمن منهما به باب صغير أو مدخل يعرف بـ (الخوخة)، وكانت الأبواب ذات المصراعين ثقيلة نوعًا ما، ما جعلها تحتاج إطارًا قويًا لتثبيتها، وكانت هذه الأبواب لا تفتح إلا لمرور الأحمال الثقيلة، بينما كانت الخوخة هي المدخل الرئيس إلى المنـزل 
 

الدّكة أو المصطبة

 
قد اعتاد الناس في المدينة المنورة - كما في سائر مدن الحجاز - على أن يكون أمام البيت مكان يعد لجلوس الرجال في أوقات اعتدال الطقس وهو ما يسمى الدّكة أو المصطبة، وتكون عن يمين باب الزقاق أو يساره، وهي مرتفعة عن سطح الأرض نحو نصف المتر أو يزيد قليلاً، يجلسون عليها في أوقات العصر وأوائل الليالي، وفي أوقات الضحى قبل أن يشتد حرّ الشمس.
 

النقوش والزخارف

 
كانت تُستخدَم في زخرفة المباني أنواع مختلفة من الزخارف، تتألف من الأشكال الهندسية والكتابات والنقوش التي يستخدم فيها الجبس والخشب والطين أحيانًا، وكذا الألوان والدهانات المتعددة. وقد بالغ البناؤون في زخرفة بعض المباني وخصوصًا التيجان والأعمدة، والحفر في الحوائط لإظهار بعض الأشكال البارزة منها والغائرة إمعانًا في تزيين المباني. وفي بيوت التجار الكبيرة نجد أن هناك نقوشًا وزخارف ترجع إلى ما قبل الإسلام من مناطق متعددة من العالم مثل الهند وتركيا وحتى الصين، ونجد أيضًا نقوشًا وزخارف اعتمدت على نمط الخط العربي الجميل المستخدم لكتابة الآيات القرآنية والأحاديث. وقد شملت أعمال الخشب إطارات النوافذ والأبواب، وأسوار الخارجات والعقود، وعوارض النوافذ والشرفات وغيرها  . 
 
شارك المقالة:
84 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook