مظاهر الثبات التغير بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
مظاهر الثبات التغير بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

مظاهر الثبات التغير بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
يمكن الإشارة إلى أن نقطة التحول في نظام المباني والتحديث في طرق إنشائها وفرشها هي بدء مرحلة التنمية الشاملة في المملكة العربية السعودية بوجه عام، وذلك عندما شرعت في تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ابتداءً بالخطة الخمسية الأولى عام 1390هـ / 1970م. وبدأ نظام منح الأراضي والقروض العقارية للمواطنين، بالإضافة إلى التحسن في دخول المواطنين بشكل عام خلال العقود الماضية، مقارنة بما كانت عليه الحال فيما سبق تلك الفترة.
 
وقد كانت المدينة المنورة - وما يتبعها من مراكز حضرية وريفية - من المناطق التي استفادت من هذه التغيرات التنموية، علاوة على ما حصل من تخصيص وسط المدينة المنورة - حيث المسجد النبوي الشريف -  بمزيد من العناية والتطوير؛ وذلك لما اقتضته الحاجة من توسيع المسجد النبوي وتطوير المنطقة المحيطة به، وقد كان بسبب هذا التطوير والتوسعة فَقْدُ عدد من المنازل والأحواش والحارات ذات الطابع التقليدي التي كانت تحيط بالمسجد وتشكل وسط المدينة المنورة الذي ألفه أهلها وزائروها. وتبعًا لما سبق فقد توسع نطاق المدينة المنورة بما أضيف إليها من المخططات العمرانية الحديثة التي شملت المساكن العادية التي أقامها أصحابها على نمط الفلل الحديثة، كما شملت العمارات الكبيرة التي أقامها المستثمرون لتأجير وحداتها السكنية المتمثلة في الشقق.
 
وقد كان للمراكز الحضرية الأخرى (مثل ينبع  وبدر وخيبر والعيص ومهد الذهب وغيرها) نصيبها من هذا التطوير والتحديث، وكذلك القرى التابعة لكل منها، بل تعدى الأمر إلى نشأة تجمعات سكنية جديدة سميت الهجر (جمع هجرة) أصبحت مقرًا لمن طلب الاستقرار من أبناء البادية الذين حلت كل عشيرة أو عائلة منهم في منطقة مُنحت لهم، ووفرت لهم الدولة بها بعض المرافق الضرورية المهمة مثل المدارس والمراكز الصحية.
 
أهم ما يتعلق بالتغير في أنماط المساكن في تلك المنطقة هو ما حصل من استقلال كل أسرة بسكن خاص، فلم يعد البيت المدني الكبير يضم العائلة الكبيرة وأبناءها المتزوجين وأولادهم، التي يسمِّيها علماء الاجتماع الأسرة الممتدة (Extended Family)، بل إن القدرة الاقتصادية للأبناء دفعتهم إلى الاستقلال عن أسرهم بعد زواجهم، ثم أصبح هذا تقليدًا شائعًا مقبولاً بعد أن كان يواجه بالرفض في أول الأمر.
 
أما ما يتعلق بطريقة التشييد والمواد المستخدمة في البناء فقد تغيرت بشكل جذري، وأصبح طاقم العمل في الغالب من العمالة الوافدة، وأصبحت المؤسسات والشركات هي التي تنفذ المباني بعقود مكتوبة توقع مع أصحابها، وأصبح البناء يتم وفق مخططات رسمية معتمدة ورخص للبناء من قِبل البلدية أو أمانة المدينة، وقد اختفى البناء بالطين والحجر الجبلي، ولم تعد الأخشاب وسعف النخيل أسقفًا للمباني، بل استبدل ذلك كله، وصارت المواد المستخدمة للسقف هي الأسمنت والحديد (الخرسانة المسلحة) والطوب المصنوع بطرق آلية حديثة سواء أكان من الفخار أم من الأسمنت، وحلت أبواب الحديد محل الأبواب الخشبية، وشبابيك الألمنيوم محل الشيش والرواشين.
 
أما ما يخصُّ الشكل الخارجي للمسكن، فقد أصبحت أغلب العمارات الكبيرة تأخذ النمط الأوروبي الحديث، وكذا كثير من الفلل الخاصة، واختفت الرواشين ونوافذ الشيش التي كانت تزين المباني، وحل محلها الزجاج والألمنيوم المستورد. وغلب على الفلل الخاصة طابع البناء من دورين، ليتكون الدور الأول من المجالس وصالات الجلوس العائلي وصالات تقديم الطعام، والدور الثاني من مجموعة من الغرف التي أصبحت تسمَّى (غرف النوم) وتفرش وتؤثث بطرق عصرية تحتوي على الأسرّة والخزانات والأدراج (الكمدينات)، ويغلب أن يكون لكل فرد غرفته الخاصة به إلا في حالة الأطفال الصغار.
 
أما أصحاب الدخول المنخفضة فإنهم - في الغالب - يجعلون مساكنهم (الفلل) من دورين، على أن يكون كل دور وحدة سكنية مستقلة، إذ يسكن صاحب الدار - غالبًا - في الدور الأرضي، ويؤجر الدور العلوي. أما من حيث الفرش والأثاث فلم يسلم المسكن من رياح التغير والتحول، وقد أدى التحسن في بناء المساكن وطبيعة المواد المستخدمة في بنائها ودخول الكهرباء إلى اختفاء عدد من الأواني وأدوات الطبخ القديمة، ووسائل التبريد والتدفئة التقليدية.
 
أما ما يمكن أن يعد ثابتًا وباقيًا في ثقافة المواطن والأسرة بالمنطقة - فيما يخص المساكن - فهو تلك الأمور المتعلقة بالقيم، وذلك من ناحية فصل مجالس الرجال عن مجالس النساء، ووجود مداخل خاصة بالعائلة، ومداخل خاصة بالضيوف، فقد لوحظ في المباني الحديثة العناية بهذا الأمر، وساعد في ذلك اتساع الشوارع مساحات المنازل. كما أن العناية بجانب الضيافة وتجميل مكان استقبال الضيوف لم يزل باقيًا على الرغم من التغيرات الشكلية في تصميم المباني.
 
شارك المقالة:
45 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook