معلومات عن العلاج الشعبي في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
معلومات عن العلاج الشعبي في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية

معلومات عن العلاج الشعبي في منطقة الباحة في المملكة العربية السعودية.

 
كان سكان الباحة إلى أواسط الثمانينيات الهجرية/الستينيات الميلادية يمارسون ألوانًا كثيرة من العلاج الشعبي الذي يعتمد على الأعشاب والنباتات والعسل والرقية، ويتوارثون أسراره كابرًا عن كابر، وكان الناس يعرفون عددًا محدودًا من الأمراض.
 

بعض الأمراض ووصفاتها الشعبية

 
أ - السَّابع:
 
سُمِّي بذلك لأن المصاب به يموت غالبًا خلال سبعة أيام، ويبدو أن السابع هو الكوليرا، فلم تكن توجد أي مضادات أو علاجات لها في ذلك الزمن، فكانت تودي بحياة من يُصاب بها في وقت قصير، وكان ضحاياها - كما يقول كبار السن - كثيرين، ولم يكونوا يعرفون لها علاجًا معينًا.
 
ب - الجدري:
 
وهو من الأمراض التي كانت معروفة وشائعة، ومن أعراضه بثور عميقة تصيب الجسم، وقد توصل بعض المعالجين المحليين إلى استخدام التطعيم من الإنسان المصاب ووضعه في الإنسان السليم بعد جرحه في عضده بخنجر أو سكين حاد، وقبل شيوع التطعيم المذكور كان ضحايا الجدري كثيرين، ولا يزال بعض كبار السن يحملون بعض آثاره في وجوههم وأجزاء أخرى من أجسامهم، وكانوا يعدون الحصبة و (العنقز) من أنواع الجدري، ولكنهم يدركون أنهما لم يكونا في خطورته، وكان (العنقز) معروفًا عندهم بهذا الاسم، ويشكل بثورًا صغيرة وسطحية تصيب الجلد. ويصاحب الإصابة بالجدري والحصبة والعنقز ارتفاع شديد في درجة الحرارة.
 
ج - المُسَيْكَة:
 
ومن الأمراض المعروفة في منطقة الباحة ما كان يُسمى بمرض (المُسَيْكَة)، وهو انتفاخ البطن، وغالبًا ما يودي بحياة من يُصاب به، وبعد أن عرف الناس الأمراض المعاصرة قالوا بأن المسيكة هي نتيجة لانفجار الزائدة الدودية داخل البطن بعد التهابها. ويُذكر أن أحد سكان القرى قد اشتكى ألمًا في بطنه لعدة أيام، بعدها بدأ بطنه في الانتفاخ، وقال الناس بأنه مصاب بالمسيكة، وتم نقله إلى مستشفى حديث، وشُخصت الحالة بأنها انفجار للزائدة الدودية، وقد قضى المريض نحبه في المستشفى بعد أيام.
 
د - تجبير الكسور: 
 
وكان في منطقة الباحة أناس مشهورون بتجبير الكسور يُحضرهم من كُسر أحد عظامه إلى منـزله إذا استطاع، أو يذهب إليهم، وقد كونوا خبراتهم بالوراثة وبتكرار التجربة، وقد اشتُهر في المنطقة رجل من قرية (الربيان) اسمه (صالح بن علي) كان الناس يأتونه من داخل المنطقة ومن خارجها. ويتم تجبير الكسر بعد شد العضو المكسور بقوة ليعود العظم إلى وضعه السابق، وتُدهن المنطقة المكسورة بالسمن، وتُوضع عليها أجزاء من (العُكَّة) وهي جلد صغار الغنم (البهم) المدبوغ والذي يُستخدم لحفظ السمن، ويُغطى داخله بطبقة من دبس التمر الذي كان يُسمى محليًّا بـ (الرُّب)، وتُوضع حول العُكَّة جبائر من لحاء شجر العرعر، أو ألواح رقيقة. ويتم فتح الجبيرة عددًا من المرات، ودلك المكان المكسور لتنشيط الدورة الدموية، والتأكد من سلامة التجبير. وبعد فك الجبائر يُكوى بعض أجزاء المنطقة المكسورة لمنع ما كان يُسمى بـ (الصبة) وهي توقف جريان الدم في العضو المكسور. وفي بعض الأحيان لا يكون التجبير سليمًا، فيقوم المجبر بكسر العضو مرة أخرى وإعادة التجبير، وفي هذا من القسوة والآلام والمعاناة ما لا يوصف، وقد تنجح تجربة إعادة التجبير وقد لا تنجح.
 
هـ - علاج أمراض العين والأذن:
 
كان بعض الناس يُصاب برمد في عينه، وكان يوجد مرض شائع في المنطقة يسمونه (العُمَاش؛ بضم العين وفتح الميم)، ويعني أنه يجعل المريض (أعمش) أي قليل البصر، والعُمَاش يجعل إفرازات العين كثيرة، وقد يغطي الإفراز الذي كان يُسمى محليًّا بـ (الغُطَاش؛ بضم الغين وفتح الطاء) معظم أجزاء العين، وكانوا يعالجونه بتنظيف العين، ويضعون فيها بعض الصباغ الذي يُباع في الأسواق لصبغ الصوف، ويبدو أن التجربة قادت إلى هذا العلاج، وربما المصادفة، وربما نقلوه من مناطق أخرى، ويعتقد بعضهم أن ذلك العلاج كان هو الأفضل في وقته. وكانت توجد مجموعة أفراد من (بلجرشي) تخصصوا في استخراج الماء الأبيض من العين بوساطة عملية بدائية فيها جراحة وتنظيف للعين من ذلك الماء بوساطة ورق التين (الحماط)، وربط العين وتنظيفها عددًا من المرات، ويذكر بعض كبار السن أن بعض عملياتهم قد تكللت بالنجاح.
 
و - الشُّجَار:
 
الشُّجَار (بتشديد الشين وضمها وفتح الجيم) مرض كان معروفًا ومنتشرًا في منطقة الباحة، وينتج عنه بعض البثور والقروح ذات البقع الكبيرة التي تظهر في الجسم، وبخاصة في منطقة المثانة وفي وسط الجسم، وهو يشبه إلى حد كبير مرض (الهربس)، وكانوا يعالجونه بتنظيف المنطقة المصابة بالماء والملح، ويبخرونها بخلطة يشترونها من الأسواق لهذا الغرض.
 
ز - الجذام:
 
الجذام من الأمراض التي تم القضاء عليها بالعلاجات الحديثة، وهو مرض يؤدي إلى تآكل أطراف الجسم واختفائها، عُرِف في منطقة الباحة، ولم يُعرفْ له علاج معين، وكان يصيب أسرًا محددة، والسبب في ذلك أنه ينتقل من بعضهم إلى بعض. وكان المصاب بالجذام عندما يتنقل من مكان إلى آخر لزيارة أقاربه وأصدقائه يصطحب معه جميع الأدوات التي يستخدمها بما في ذلك الفراش الذي يجلس عليه، وغالبًا ما يكون (جاعدًا)، ومن الأشياء التي يصطحبها معه فنجان القهوة، وإناء الوضوء وما شابه ذلك، والسبب هو الاحتراز لمنع انتقال العدوى إلى الآخرين.
 
ح - حصى الكلى:
 
نجح بعض المعالجين في إجراء عملية جراحية لاستئصال الحصى من الكلى، وكانت تلك العمليات تتم من دون تخدير، وقد نجح بعضها كما يقول بعض المعمرين.
 
ط - الإصابة بالعين:
 
الإصابة بالعين أمر معروف، فقد ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي كل قرية من قرى المنطقة تقريبًا يعرف الناس أشخاصًا بأعيانهم عُرف عنهم أنهم (عيَّانون) أي يصيبون بالعين، وكان الناس يتفادون إخراج أطفالهم وحيواناتهم ولبس زينتهم أمام العيَّانين تفاديًا للإصابة بالعين. وكانت الأسر تختار أسماء قبيحة لأبنائها وبناتها وتتفادى تزيينهم وإلباسهم الملابس الجديدة في الأمكنة العامة لتجنيبهم الإصابة بالعين.
 
ولعلاج العين يلجأ الناس إلى الرقية الشرعية، وكان الناس يعتقدون أن تأثير العين لا ينقطع إلا بموت الشخص العيَّان، ويتناقل الناس قصصًا وحكايات كثيرة عن العين والإصابة بها.
 
ي - مس الجن:
 
يؤمن سكان الباحة - كما يؤمن غيرهم من المسلمين - بوجود الجن، وكانوا يعزون كثيرًا من الأمراض إلى مس الجن، ويسمونه (مَرزا) أي أن الشخص رُزي في صحته بمس الشيطان.
 
ولمعالجة مس الجن يوجد أناس متخصصون، بعضهم يقرأ ويكتب ويعالج بالقرآن، وبعضهم الآخر أمِّيّ، ويعالج بطرق خاصة.
 
وإذا كان الشخص المعالج ممن يعالج بالرقية وبالقرآن الكريم فهو يبدأ بتلاوة بعض الآيات القرآنية، مثل الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذات، وغيرها من الآيات والأدعية التي يحفظها.
 
أما ما يصفه المعالج للمريض من حمية ومن أدوية فيختلف من معالج إلى آخر، وقد تختلف طريقة المعالج بين مريض وآخر حسب حالة المريض والظروف المحيطة به. ومن الأمور الشائعة في معالجة مثل تلك الحالات فرض (الحجبة) على المريض، وتعني أن يحتجب المريض في مكان خاص مدة من الزمن، ولا يُسمح له بالاختلاط بالآخرين، ما عدا أقرب الأقربين إليه مثل الزوج أو الزوجة أو نحو ذلك، وتُحدَّد له كذلك نوعية الطعام الذي يتناوله، فقد يمنعه المعالج من تناول اللحوم، وخصوصًا لحم المعز ولحم الجمال والأبقار، وإذا سمح بتناول نوع من اللحم فهو غالبًا لحم الضأن ولحم الطيور. وقد ينصحه بتناول بعض الأطعمة الخاصة مثل العسل، والحبة السوداء، وبأن يضع على طعامه شيئًا من ورق بعض النباتات مثل (السذاب) وهو نبات له ورق صغير يميل إلى الزرقة وله رائحة زكية وقوية، وينصح بعضهم باستخدام الحلبة و (الحلتيتة) وهي نبات له رائحة نفاذة وقوية، وذلك بوضعهما في ملابس المريض أو في جيوبه.
 
ورغم انتشار الطب الحديث فإن سكان منطقة الباحة - مثل غيرهم من سكان المملكة - لا يزالون يلجؤون إلى الطب الشعبي فيما يعتقدون أنه مس من الجن، أو إصابة عين، أو سحر، ويعتقدون أن الطب الشعبي أجدى وأنفع في علاج تلك الحالات. ومن المعروف أن بعض تلك الأمراض مصدره الوهم والوسوسة والحالات النفسية المضطربة، ولكن المريض يحاول أن يجرب كل العلاجات عسى أن يكون في بعضها الشفاء، وللأسف كثيرًا ما تم علاج الأوهام بأوهام مثلها. كما أن بعض الفئات الاجتماعية لا تزال تفضل الطريقة الشعبية على الطرق الحديثة في تجبير الكسور، ولكن هذه الفئات في تناقص مستمر.
 
 
شارك المقالة:
308 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook