نحن نميل إلى التفكير أن التاريخ هو أحداث لا تطوى مع عوامل الزمن، من دون استيعاب كافي لهذه الأحداث في المكان الذي وقعت فيه، كما يُعد التاريخ سلسلة من الحلقات أو الطبقات أو المراحل، كل طبقة منها لها عمق نوعي مُعين خاص بها ويتبع عوامل الزمن الذي وجدت فيه، لذلك لا يمكن تمييز أو تعريف تاريخ الفن القوطي بالنبسة لعامل الزمن فقط، لكن يجب الأخذ في الاعتبار التغيير الموضعي للمساحة التي نشأت به ومقدار عمقها.
لذلك إذا عدنا إلى التاريخ، نجد أن المساحة التي نشأ بها كانت صغيرة جداً، وهي باريس وما حولها سنة 1150 ميلادي، وبعد مرور 100 عام أصبحت أوروبا كلها قوطية، من صقلية إلى أيسلندا، في عام 1450 ميلادي بدأت هذه المساحة الواسعة من العالم تنكمش وتتقلص وتكاد تقتصر على إيطاليا وحدها، وبعد عام 1550 اختفى هذا الطراز القوطي.
في الفترة 1150 ميلادي إلى 1250 ميلادي، هي الفترة التي وصفت بأنها فترة إنشاء الكاتدرائية العظيمة، حددت في هذا الفترة طريقها الواضح، أما فن النحت القوطي الذي بدا جامداً في روحه وتعبيره فقد هبطت أسهمه وأصبح يقل تدريجاً حتى سنة 1200 ميلادي، لكنه بلغ ذروته واستعاد مجده في الفترة ما بين 1220 ميلادي إلى 1420 ميلادي، كذلك فيما يتعلق بفن الرسم والزخرفة والتلوين والتصوير التعبيري فقد بلغ ذروته في الفترة ما بين 1300 ميلادي إلى 1350 ميلادي في وسط إيطاليا، بعد ذلك أصبح هذا الفن رائداً لجميع الفنون الأخرى.
ومن هذا العرض التاريخي السريع للعصر القوطي، بصفة عامة نجد أن هناك تحوّل منتظم تدريجياً من العمارة إلى الرسم، عكس فن النحت القوطي، بينما فن العمارة والنحت القوطي في العصر الأخير حاول أن يعكس التأثير التصويري بصرف النظر عن أي عوامل أخرى مثل صراحة الإنشاء والصمود.
في أواخر القرن الثاني عشر بدأ الفن القوطي يأخذ مكانه ويحدد مكانته، حيث بدأ العقد مثلاً يأخذ شكله المدبب بالتدريج، كذلك القبو تم تطويره وتعديله، ممّا أتاح الفرصة للمهندس المعماري أن يصمم حوائط مبنيّه بسمك قليل مناسب إلى الحد الذي تتحمل فيه ثقل تلك القبوات.
بعد ذلك تحرر الفنان بفنه، أخذ النحّات يحاكي الطبيعة في التصميم وفي الأداء، وخرج بفن النحت عن التقاليد القديمة والاصطلاحات الفنية العتيقة، وظهرت تماثيل القديسين تعبّر تعبيراً دقيقاً عن رسالتهم.