معلومات عن عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
معلومات عن عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في المملكة العربية السعودية

معلومات عن عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في المملكة العربية السعودية.

 
 
هو عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، والده الإمام عبدالرحمن آخر حكام الدولة السعودية الثانية، وجدُّه الإمام فيصل أحد أبرز حكام الدولة السعودية الثانية، وجدُّه الثاني الإمام تركي بن عبدالله مؤسس الدولة السعودية الثانية، وهو حفيد الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى.وكان لهذا التسلسل في النسب لهؤلاء النخبة من أئمة آل سعود أثره البالغ في نفس الملك عبدالعزيز؛ ما بعث همته لإعادة تأسيس الدولة على نحو ما يأتي تفصيله.
 

مولده ونشأته

 
اتفق المؤرخون على أن الملك عبدالعزيز   وُلد في قصر والده في الرياض، في حين اختلف بعضهم في تحديد تاريخ مولده؛ لكن الراجح عند معظم المؤرخين أن عام 1293هـ / 1876م هو تاريخ مولده؛ استنادًا إلى عدد من الشواهد والأدلة التاريخية؛ منها رواية الأمير عبدالله بن عبدالرحمن أخي الملك عبدالعزيز الذي كان مُلمًَّا بتاريخ أسرته، واستدلالاً بأن أول مشاركة سياسية للملك عبدالعزيز كانت عام 1308هـ / 1891م  ،  وهذا يعني - حسب هذا الرأي - أن عمره كان 15 عامًا، وهي سن مقبولة لمثل هذه المشاركات، في حين يكون عمره صغيرًا على المشاركات السياسية حسب الرأي الأول.نشأ الملك عبدالعزيز في الرياض نشأة أمثاله من أبناء الأسرة السعودية الحاكمة آنذاك، فقد تعلم القراءة والكتابة والقرآن وعلوم الدين الأخرى منذ صغره في الكتَّاب بالرياض على أيدي بعض العلماء والمعلمين البارزين في ذلك الوقت، كما أضاف إلى ذلك مجالسةَ العلماء، وحضور ما يُلقى أو يُقرأ في المجالس العامة والخاصة من دروس أو كتب في العلوم الأخرى من تاريخ أو أدب أو غير ذلك؛ مما زاد حصيلته العلمية والثقافية، ووسَّع مداركه، وميَّزه عن أقرانه من أبناء جيله  ؛  ولذا عد المؤرخون تلك المرحلة المدرسة التربوية الأولى المؤثرة في حياة الملك عبدالعزيز.ولم يقتصر أثر تلك المرحلة على ما تلقَّاه الملك عبدالعزيز من العلوم والآداب، فقد أفاد من معايشته وتأثره المباشر وغير المباشر بما كانت تمر به بلاده من ظروف سياسية؛ نتيجة الخلافات والصراعات السياسية والحربية التي كانت تمر بها الأسرة السعودية، وكان من أبرز نتائجها بروز قوى سياسية محلية ووصولها إلى سدة الحكم على حساب الحكم السعودي والأسرة السعودية، بعد أن اضطر الإمام عبدالرحمن الفيصل - والد الملك عبدالعزيز وآخر حكام الدولة السعودية الثانية - إلى أن يغادر الرياض؛ بحثًا عن مقر له ولأسرته التي كان من بينها ابنه عبدالعزيز.وخلال هذه المرحلة اضطر الإمام عبدالرحمن إلى الترحال والتنقل بين البادية والحاضرة في أكثر من مكان في شرقي الجزيرة العربية، إلى أن استقر به المقام في الكويت، حيث دخلت حياة الملك عبدالعزيز في مرحلة جديدة لا يقل دورها في بناء شخصيته عن المرحلة الأولى.وكان الملك عبدالعزيز قد استفاد من مرحلة النشأة والتنقل عددًا من الدروس لعل من أبرزها: استشعاره قيمة الوطن في حياة الإنسان؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن نرى منه التصميم والعمل والتخطيط لإعادة تأسيس الدولة السعودية والعمل على عودة الحكم لهذه الأسرة على خطى أسلافه من آل سعود. تَعلُّمه أن الصراع والنـزاع الأسري مآله الضياع والشتات، وأنه السبب الرئيس في سقوط الدول، ولذلك حرص في مسيرة البناء والتأسيس على أن يجنِّب بلاده هذا المنـزلق الخطير، وأصبحت المملكة فيما بعد دولة متماسكة مترابطة، تقاوم عواصف التيارات السياسية، بفضل الله، ثم بفضل التماسك الملحوظ بين قادتها.وقد استفاد الملك عبدالعزيز من الجو السياسي في الكويت خلال فترة إقامته فيها ومن خلال معايشته واطِّلاعه عليه عن قرب، بل ربما حضر بعض اللقاءات مما كان يجري في الساحة الكويتية من مباحثات ومناورات بين رجال السياسة لهذه القوى الكبرى، وعرَّفته تلك الأجواء بالطرق الدبلوماسية التي زادت من حصيلته وخبراته السياسية؛ فسخَّر تلك الخبرات في مراحل تأسيس المملكة وبنائها. - صفاته الشخصية:عُرف عن الملك عبدالعزيز عدد من المناقب والصفات الشخصية التي تميز بها في مراحل حياته كلها، وقد تضافرت مع عدد من العوامل الأخرى، فكان لها أثر كبير في تشكيل شخصيته؛ ومن ثَمَّ بروزها على مختلف المستويات الرسمية والشعبية في الداخل والخارج. ومن أبرز ما يُذكر في هذا المقام من صفاته ما يأتي:
 
صحة المعتقد
عُرف عن الملك عبدالعزيز صحة المعتقد وفق أصول الدين الإسلامي، يدل على ذلك عدد من الشواهد التاريخية والأفعال التي قام بها خلال مراحل حياته المختلفة، فكثيرًا ما كان يذكِّر العامة والخاصة بأهمية العقيدة في حياة الأمة، ويحث الجميع على الالتزام بذلك، فقد قال في إحدى رسائله العامة التي يبين فيها المعتقد الإسلامي الصحيح الذي ينبغي التمسك به:"... تعرفون أن أصل المعتقد كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ثم السلف الصالح من بعدهم، ثم من بعدهم أئمة المسلمين الأربعة: الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام أبو حنيفة، وهؤلاء اعتقادهم واحد في الأصل، وهو أنواع التوحيد الثلاث: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتقرير ذلك في كتب العلماء الذين تراجعونهم بحمد الله كل ساعة، فهم في هذا الأصل واحد، وقد يكون بينهم اختلاف في الفروع، كلهم حق إن شاء الله ومن حذا حذوهم إلى يوم القيامة..."  . وقد سار الملك عبدالعزيز على نهج أسلافه من حكام الدولتين السعوديتين الأولى والثانية في مناصرته مبادئ الدعوة الإصلاحية، ملتزمًا بتطبيق ماتدعو إليه من أهداف سامية بشكل عملي في المجتمع خلال مراحل توحيد المملكة  . هكذا أثَّرت تلك السمة الحسنة من التزام العقيدة الإسلامية على أصولها الصحيحة في مسار الملك عبدالعزيز، وانعكست آثارها على دينه ودنياه، وظهر أثرها واضحًا في مسيرته في تأسيس دولته المملكة العربية السعودية التي أصبحت مضرب المثل بين بلدان العالم الإسلامي في هذا المقام. وليس أفضل مثلاً على ذلك مما قام به الملك عبدالعزيز حين طلبت منه الأمم المتحدة إرسال الدستور الذي تسير عليه البلاد، فأرسل إليهم بنسخة من القرآن الكريم، موضحًا لهم أن ذلك الكتاب بما فيه من مبادئ ربانية هو دستور البلاد ومنهجها الذي تسير عليه  . 
 
طاعته وعبادته:
 
عُرف عن الملك عبدالعزيز التزامه الديني منذ صباه، واستمر على تلك السمة حتى وفاته، إذ يذكر كثير من المصادر التاريخية أن الملك عبدالعزيز كان ملازمًا لطاعة ربه في كل أموره، فهو "لم يُعرَف عنه أنه تخلَّفَ عن الجماعة في وقت من الأوقات، وأقام أركان الإسلام كما أمر الله، وكان له مع ذلك خلوات مع ربه في دجى الليل وقت السَّحَر... "  . وكان لتمسك الملك عبدالعزيز بالطاعات في أوقاتها أثر في مسار حياته اليومية في الحضر وفي السفر، فكان كثيرًا ما ينظم برنامجه اليومي ومواعيده الشخصية والرسمية وفق تلك المواقيت، وخصوصًا أوقات الصلاة  . وكان مما امتاز به في جوانب الطاعة والعبادة حرصه على تلاوة القرآن الكريم، و"عَظُمت فيه هذه الخصال في أيام مُلكه حتى جعل نفسه تحب القرآن وتلاوته، واعتاد أن يتلو القرآن في الصباح والمساء مما يملأ قلبه إيمانًا "  . وقد جمع إلى قراءة القرآن الكريم ما كان يقرؤه أو يستمع إليه من قراءة في كتب التفسير والحديث والفقه والوعظ وآداب القرآن الكريم، حتى أصبحت تلك المجالس سمة من سماته وجزءًا من حياته اليومية ألزم بها نفسه في الحِل والترحال  .ومما يُذكَر للملك عبدالعزيز حرصه التام على أداء الحج وقيادة الحجيج كل عام، منذ أن تم ضم الحجاز إلى المملكة حتى وفاته، فلم يتخلف عن ذلك إلا في سنوات محدودة جدًا، مثل عام 1360هـ / 1941م إذ لم يحج توفيرًا للنفقات التي سينفقها في الحج ليتمكن من توزيعها على الفقراء والمساكين  ،  وكذلك في أواخر عمره اضطرارًا إذ كانت تحول دون حجه ظروفه الصحية  . 
 
 العفو والتسامح
 
اتسم الملك عبدالعزيز بسمة عظيمة من سمات القادة المسلمين وهي سمة العفو عند المقدرة، وكان قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن النماذج المبكرة لذلك ما فعله الملك عبدالعزيز عند استرداد الرياض عام 1319هـ / 1902م، فقد أعطى أنصار خصمه ابن رشيد في الرياض بعد استردادها "الأمان على دمائهم فخرجوا وتوجهوا إلى حائل"  .  وعلى المبدأ نفسه أعطى الملك عبدالعزيز الأمان لعبدالرحمن بن ضبعان أحد رجال ابن رشيد وأمير بريدة من قِبَله، وأَذِن له بمغادرة بريدة مع رجال سريته بعد انضمام بريدة إلى الملك عبدالعزيز عام 1322هـ / 1904م  .  ومن ذلك أيضًا عفوه عن أهل المناطق القريبة من حائل أكثر من مرة قبل ضمها  ،  ثم عفوه عن زعماء حائل من آل رشيد وغيرهم بعد أن تمكَّن من الانتصار عليهم  . وسار الملك عبدالعزيز على المبدأ نفسه مع أهل الحجاز بعد أن مَنَّ الله عليه وعليهم بضم هذا الجزء الغالي إلى الحكم السعودي، إذ أعلن العفو العام عن جميع الجرائم السياسية في البلاد، وفق بلاغ عام أعلنه في الثامن من شهر جمادى الآخرة من عام 1344هـ الموافق 1926م  . ونتيجةً لتلك السيرة الحسنة والتعامل النبيل مع أولئك الخصوم تحول غالبية أولئك الرجال في مختلف مناطق المملكة إلى رجال مخلصين في صف الملك عبدالعزيز، وكان لهم دور مهم في مرحلة البناء الحضاري والإداري للمملكة خلال مسيرة الوحدة الوطنية.
 
 حبه للسلام
 
اشتُهر الملك عبدالعزيز بحرصه على تجنب القتال، والعمل على حقن الدماء، والجنوح للسلم والصلح مع خصومه، وإعطائهم الفرصة للدخول في الوحدة قبل أن يلجأ للقتال.وتحتفظ المصادر التاريخية المختلفة بعدد كبير من المراسلات التي دارت بين الملك عبدالعزيز أو كبار العلماء من جهة، والإخوان   وزعامتهم أثناء خروجهم عليه من جهة أخرى، وتدل في مجملها على حرص الملك عبدالعزيز على ردهم إلى الحق في وقت الأزمات والخلافات التي كانت تطرأ بين حين وآخر  . كما تشير المصادر التاريخية كذلك إلى أنه لم يكتفِ بالمراسلات، بل وجَّه إليهم في الوقت نفسه عددًا من كبار العلماء ليوضحوا لهم الأمر مشافهةً، ويبينوا لهم الرأي الشرعي في مواضع الجدل التي أثاروها؛ لعلهم يعودون إلى رشدهم قبل أن يلجأ إلى الشدة في حسم الأمور معهم  . وحين أكمل الملك عبدالعزيز توحيد البلاد وأعلن قيام المملكة دعا بعض الخصوم إلى العودة آمنين مطمئنين إلى بلادهم، وأعلن عفوًا عامًا عن الجميع في اليوم السابع من شهر شوال من عام 1353هـ الموافق 1934م  ،  وبذلك استطاع الملك عبدالعزيز أن يقضي على ما كان سائدًا في المجتمع من مشكلات سياسية واجتماعية كبيرة، كان يمكن أن تقف عائقًا في طريق الوحدة الوطنية.ولعل سمة تجنب القتال وتجنب سفك الدماء من أبرز الصفات في شخصية الملك عبدالعزيز، وقد هيأت السبل لتحقيق تلك الوحدة والحفاظ عليها.
 
 حُسن اختيار المسؤولين ومحاسبتهم
 
كانت سمة حُسن اختيار المسؤولين من جهة ومحاسبتهم من جهة أخرى من سمات الملك عبدالعزيز الشخصية التي امتاز بها. ولعل مما يُشار إليه في هذا الشأن حرصه على حُسن اختيار الرجال في المهمات الخاصة والعامة، فقد كان يحرص كل الحرص على اختيار الرجل الكفء المناسب القادر على التعامل مع الناس ومراعاة الحقوق العامة والخاصة، وتتبع ذلك ظاهرة علاقته بمن يوليهم أمور الرعية ونصحهم وتيسير أمورهم الخاصة، وتمكينهم من ممارسة صلاحياتهم، ما يضمن تيسير الأمور العامة على الرعية، وفي الوقت نفسه محاسبتهم محاسبة تامة، بما يضمن حقوق الراعي وحقوق الرعية، فكان يتابع بنفسه تنفيذ تلك التعليمات، ولم يكن ليتهاون في محاسبة الأمراء على أعمالهم فيما لو بَدَر من أي واحد منهم ما يخالف مصالح الرعية  . وبذلك استطاع أن يقضي على الفوضى السياسية والإدارية والاجتماعية والاقتصادية التي انتشرت آنذاك في أرجاء البلاد قبل توحيدها، وأن يرسي بدلاً من ذلك قواعد البلاد على علاقة متينة من الود والاحترام المتبادل بين المسؤول والمواطن، ذلك الود والاحترام المتبادل الذي أصبح في الحقيقة مضربًا للأمثال وسمة تميز المملكة وقادتها على مختلف مستوياتهم منذ ذلك الحين إلى يومنا الحاضر.واستمر الملك عبدالعزيز على تلك الخصال الحميدة من عفو ونبل ومكارم أخلاق وسلامة في المعتقد، وحرص على الذب عن العقيدة والتمسك بأصول الدين والطاعات وأدائها على أفضل وجه طيلة أيام حياته، إلى أن توفي بمدينة الطائف في صباح يوم الاثنين الثاني من شهر ربيع الأول سنة 1373هـ الموافق التاسع من نوفمبر عام 1953م  . 3 - جهوده في توحيد المملكة:
 

استعادة الرياض

 
لم يكن غريبًا على الملك عبدالعزيز - وقد تربى تلك التربية المتميزة، وعاش في تلك الظروف المتباينة وكسب التجارب الكثيرة، وتعلم الدروس المفيدة - أن يمزج ذلك بما كان يعرفه من تاريخ حافل للدولة السعودية، وأن يكون دائم التطلع لاستعادة مُلك الآباء والأجداد، وأن يعمل على إعادة التأسيس والبناء من جديد، وإقامة دولة عربية إسلامية عصرية تتشكل من معظم أجزاء الجزيرة العربية على أساس الوحدة الوطنية المبنية على أسس الشريعة الإسلامية.وكانت الكويت - مقر إقامته آنذاك - هي المنطلق الذي بدأ منه مرحلة الإعداد الطويلة للاسترداد، ثم الانطلاق لمرحلة التأسيس.واقتضت مرحلة الإعداد من الملك عبدالعزيز أن يحقق النجاح في إقناع والده بمباركة خطوته قبل البدء فيها، مع ضرورة كسب تأييد الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت في تحركاته المنتظرة، مستثمرًا أجواء الصراع السياسي المحتدم بين الكويت وحائل، وذلك بإقناع والده بفجر جديد في الرياض، وإقناع الشيخ مبارك الصباح بأنه سيفتح جبهة جديدة على ابن رشيد في الجنوب؛ ما يسهل طموحات الكويت في تحقيق النصر على حائل.وحين حقق هذين الهدفين انطلق ليضع خططه وأهدافه العليا موضع التنفيذ، وقد وضع الرياض نصب عينيه، وجعل استرداد الحكم السعودي فيها الهدف الأول له في خططه وتحركاته، ولم يهاجم ابن رشيد في حائل مقر حكمه بسبب عدد من الأمور، لعل من أهمها: أن الملك عبدالعزيز أراد أن يسترد مقر الحكم السابق للدولة السعودية، ومعلوم أن استرداد مقر الحكم يُعد الخطوة المنطقية الأولى والمهمة في إعادة التأسيس، ثم الانطلاق نحو الوحدة والبناء. أن الملك عبدالعزيز كان على علم جيد بالرياض وبأحوالها، وعلى معرفة بمواقف أهلها الإيجابية من الحكم السعودي، وبمواقفهم من حكم ابن رشيد، وأنهم من المؤيدين لآل سعود، ومن المؤيدين لعودتهم للحكم من جديد، فقد كان ضامنًا لوجود التأييد والمؤيدين في الرياض، على عكس الوضع الذي كان سائدًا في حائل التي كانت هي الركيزة الأساسية التي يستند إليها ابن رشيد في حكمه. كانت الرياض مهيأة من الناحية العسكرية لتكون قاعدة لحركة توحيد البلاد المنتظرة، بما تمتاز به من موقع إستراتيجي جيد بتوسطها الجزيرة العربية، فهو يستطيع من خلال هذا الموقع أن ينطلق في أي اتجاه لتأسيس الدولة، ويستطيع من خلال الرياض أن يشرف على تحركاته العسكرية في مراحل حروب التوحيد المنتظرة كانت الانطلاقة الأولى للملك عبدالعزيز وقوته التي يعتمد عليها قليلة عُدَّةً وعددًا؛ ولذلك كان من الطبيعي أن تكون الرياض وحاميتها الهدف الأول له؛ لأنها أقل قوةً وعتادًا، وحديثة عهد بحكم ابن رشيد، وهي معقل آل سعود وأنصارهم، على عكس حائل التي تكفَّل بالهجوم عليها شيخ الكويت، بمساندة من الإمام عبدالرحمن وبعض أعيان القصيم المعارضين لحكم ابن رشيد.لقد كان الملك عبدالعزيز في توجهه هذا نحو الرياض يسعى لتحقيق التأييد المعنوي من جهة، ولتحقيق التفوق العسكري على ابن رشيد من جهة أخرى، وهو ما تحقق له حينما تمكن من استردادها.كانت المحاولة الأولى للملك عبدالعزيز لاسترداد الرياض عام 1318هـ / 1901م، وعلى الرغم من أنه نجح في محاولته هذه في دخول الرياض إلا أنه قرر الانسحاب منها، بعد أن وصلته تحذيرات من والده الإمام عبدالرحمن من خطر ابن رشيد الذي خرج منتصرًا في موقعة الصريف في ذي القعدة عام 1318هـ / 1901م، وأخبره والده عن نية ابن رشيد التوجه إلى الرياض لمفاجأة الملك عبدالعزيز فيها  . بادر الملك عبدالعزيز بالاستجابة لنصيحة والده وترك الرياض سريعًا، وعاد مرة أخرى إلى الكويت، لا ليستكين، وإنما ليعد العدة من جديد، وليكرر المحاولة بشكل أفضل؛ ولذلك فإن تلك المحاولة تُعد الخطوة الأولى للخطوات اللاحقة التي كُلِّلت في النهاية باسترداد الرياض في العام التالي، ويمكن تلخيص النتائج الإيجابية التي حققها الملك عبدالعزيز من هذه المحاولة في الآتي: برهنت له هذه المحاولة على صدق توقعاته بوجود التأييد والمؤيدين في الرياض، فقد بادر أهلها بتأييده في محاولته الأولى. أطلعت هذه المحاولة الملك عبدالعزيز على أوضاع الرياض وأهلها خلال الفترة التي قضاها خارجها، كما جددت معلومات أهالي الرياض عن الملك عبدالعزيز؛ ما عزز الثقة المتبادلة بين الطرفين. أثبتت هذه المحاولة صدق النظرة العسكرية والإستراتيجية للملك عبدالعزيز بأن الرياض المكان الملائم لينطلق منه لتأسيس الدولة، وأن استردادها أفضل من التوجه إلى ابن رشيد في قاعدته حائل. زادت هذه المحاولة من حماسة الملك عبدالعزيز وضاعفت من إصراره على المضي قدمًا في تحقيق هدفه الأسمى؛ ولذلك بادر في أقل من عام بتكرار هذه التجربة، وبدأ يعد العدة لإعادة استرداد الرياض، ثم الانطلاق مجددًا لتأسيس الدولة.استعد الملك عبدالعزيز للعمل من جديد للعودة إلى الرياض مرة أخرى، وكانت الخطوة الأولى لتحركاته الجديدة تقتضي أن يجدد محاولات الإقناع لوالده الذي كان متخوفًا من فشل التجربة وعدم جدوى تكرار المحاولة ثانيةً، وألحَّ على والده أن يأذن له في ذلك، ثم كان عليه أيضًا أن يحصل على تأييد مماثل من الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت  . وحين بارك الاثنان هذه التطلعات من الملك عبدالعزيز وأمدَّاه بشيء من الدعم المعنوي والمادي اللازمَين انطلق لوضع الخطط موضع التنفيذ. ولضمان تحقيق السرية في تحركاته، ولكي يفاجئ عدوه، وليضمن السهولة في تحركاته؛ حرص على اصطفاء مجموعة قليلة قُدِّر عددهم بأربعين رجلاً تقريبًا، ممن يثق بقدراتهم ويطمئن إلى ولائهم التام له، واستعدادهم للتضحية في سبيل تحقيق الهدف الذي سار من أجله.
وسار الملك عبدالعزيز في تحركات مدروسة متنقلاً بين عدد من القبائل وفي أكثر من موقع في البوادي والبلدان، إلى أن قرر التوجه إلى الرياض بمجموعة من رجاله قدَّرتهم أدق الدراسات التاريخية الحديثة بثلاثة وستين رجلاً، هم الأربعون الذين خرجوا معه من الكويت، مع ثلاثة وعشرين رجلاً انضموا إليه خلال تجواله، حتى كان الجميع على مقربة من الرياض في مطلع شوال من عام 1319هـ / يناير من عام 1902م  . وفي ليلة الخامس من شهر شوال من العام نفسه وضع الملك عبدالعزيز اللمسات الأخيرة لخطة اقتحام الرياض؛ فقسَّم رجاله إلى ثلاث مجموعات، لكل مجموعة قائد محدد ومهمة محددة، وتولى بنفسه قيادة المجموعة الأولى التي حددت هدفها بالتوجه إلى الرياض ثم محاولة الوصول إلى حاكمها عجلان بأقصر الطرق وأقل الخسائر، ووُضعت المجموعة الثانية تحت قيادة أخيه محمد، وكان هدف هذه المجموعة الوقوف على أهبة الاستعداد انتظارًا للأوامر الطارئة بحسب تطورات الأحداث، أما المجموعة الثالثة فحُدِّد هدفها بالبقاء في مكانها لحراسة الإبل والمتاع.قاد الملك عبدالعزيز مجموعته الصغيرة، يحدوه الأمل في التوفيق من عند الله، وسخَّر معرفته وخبرته بالرياض وأحوالها في تنفيذ خطته، فاتجه إلى بيت مجاور لبيت عجلان حاكم الرياض؛ لجعله جسرًا للوصول إلى بيت الحاكم، وحين وصلوا إلى بيت عجلان علموا من أهل بيته أنه نائم في قصر المصمك، وعلموا من أهل البيت كذلك مواعيد تحركاته، فقرروا أن ينصبوا له كمينًا عند خروجه في الصباح لتفقد الخيل.وحين خرج عجلان صباحًا على عادته لتفقد الخيل أمام المصمك؛ كان الملك عبدالعزيز بفرقته بانتظاره وفاجؤوه بالهجوم، وحاول عجلان الفرار بنفسه من هذا الهجوم المباغت والعودة مرة أخرى إلى القصر للاختباء فيه، لكن الملك عبدالعزيز ورجاله لم يتيحوا له فرصة الهرب، فتبعوه إلى داخل القصر، وتمكنوا من قتله، ونُودي في القصر بعد ذلك بأن المُلك لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل آل سعود  ،  لتنطلق بعد ذلك مسيرة التأسيس والبناء من الرياض عاصمة الدولة القديمة الجديدة.
 

مرحلة التوحيد والبناء

 
بعد أن نجح الملك عبدالعزيز في خطوته المهمة باسترداد الرياض بدأ مرحلة التوحيد والبناء للدولة الجديدة، وفي سبيل ذلك سار في خطين يكمل أحدهما الآخر، ويلتقيان عند هدف واحد هو السعي لإقامة الدولة على أسس متينة، وعلى هدى من الكتاب والسُّنَّة المطهرة.كان المسار الأول هو طريق التوحيد وضم الأجزاء مترامية الأطراف من الدولة، والمسار الثاني هو مسار البناء الحضاري لهذه الدولة الفتية.ويمكن استقراء الأمور الآتية في مسار خطوات التوحيد والبناء: أن الملك عبدالعزيز وجَّه جهوده في المرحلة الأولى من عهده إلى مسار توحيد البلاد؛ ولذلك فقد فاقت خطوات هذا المسار نظيرتها في البدايات بمراحل كثيرة إلى أن اكتملت هذه المرحلة، فنراه بعد ذلك يوجِّه جهدًا لا يقل عن سابقه نحو المسار الآخر؛ ولذلك فإن مرحلة البناء الحضاري الحقيقي لم تظهر ظهورًا بارزًا إلا بعد أن اكتملت مراحل التوحيد في منتصف الأربعينيات من القرن الرابع عشر الهجري / العشرينيات من القرن العشرين الميلادي؛ وبالتحديد بعد ضم الحجاز، إذ سخَّر الملك عبدالعزيز ما تراكم في الحجاز من إمكانات مادية وبشرية، وما فيه من مقومات حضارية سابقة؛ في خدمة البناء الحضاري للدولة الفتية. أن تحركات الملك عبدالعزيز في مرحلة التوحيد والبناء لم تكن عشوائية، أو وليدة يومها، بل كان يدرس تحركاته ويخطط لها، مع الحرص على تنويع ميادينها بحسب الظروف، وعدم الاستعجال في جني النتائج. أن الملك عبدالعزيز حرص على مسار البناء الحضاري منذ بدايات تأسيس الدولة، على الرغم من قلة الإمكانات، وانشغاله بالجانب الآخر (توحيد البلاد).عمل الملك عبدالعزيز قبل أن ينطلق في مسيرة توحيد البلاد على تحصين قاعدة بلاده (الرياض)؛ فأعاد النظر في أسوارها، ورمم ما تهدم منها، وتفقد بواباتها، وضبط حراساتها، وكلَّف عيونًا تأتيه بأخبار تحركات خصمه ابن رشيد الذي كان من المتوقع ألا يقبل بهذه التغيرات ويتحرك للقضاء على هذه الحركة السعودية في مهدها.وكما كان متوقعًا جاءت الأخبار إلى الملك عبدالعزيز أن عبدالعزيز بن متعب بن رشيد في طريقه إلى الرياض لمهاجمته. وهنا برزت عبقرية الملك عبدالعزيز وبراعته في القيادة والتخطيط العسكري، ففضَّل أن يغيِّر مسار خصمه إلى خارج الرياض، وبالتحديد إلى منطقة الخرج جنوبي الرياض، وبهذه الخطوة حقق الملك عبدالعزيز عددًا من الفوائد منها: تجنيب الرياض مخاطر الاقتحام من ابن رشيد والانتقام من أهلها لو حقق ابن رشيد النصر في معركة الرياض المفترضة. إنهاك قوات ابن رشيد التي كانت في الأصل منهكة برحلتها الطويلة من حائل في الشمال إلى الرياض وسط المملكة. معرفة الملك عبدالعزيز ولاء جنوبي الرياض لآل سعود. أنه في حالة خسارته المواجهة في الرياض فإن هذا لا يعني خسارة حربية فقط، وإنما يعني خسارة عسكرية وسياسية، وفقدانًا لقاعدة الدولة، وربما زوالها في مهدها، أما خسارة المعركة خارج الرياض فلا تعني أكثر من خسارة ضمن جولات حربية طويلة بين الطرفين.وبعد أن اطمأن الملك عبدالعزيز على الرياض ترك فيها والده لإدارة الأمور فيها، ثم توجه إلالخرج، يحدوه الأمل في تحقيق النصر في أول مواجهة بينه وبين خصمه عبدالعزيز بن متعب بن رشيد.وفي الخرج ظهرت براعة الملك عبدالعزيز العسكرية مرة أخرى، فقد فضَّل ألا تجري المواجهة الحربية بينه وبين خصمه في أرض مكشوفة في ظل عدم التوازن بين القوتين؛ قوة الملك عبدالعزيز القليلة الناشئة، وقوة ابن رشيد القوية الكثيرة.وبعد حركة تمويه وتنقل سريعين بين أكثر من موقع في منطقة الخرج كانت المواجهة بين الطرفين في السلمية بالدلم (وهي أراضٍ زراعية) في شعبان عام 1320هـ / نوفمبر 1902م  ،  وفي هذه المواجهة الأولى تمكن الملك عبدالعزيز من تحقيق النصر وإلحاق أول هزيمة عسكرية بخصمه ابن رشيد.وكان لهذا النصر عدد من النتائج السياسية والعسكرية، من أبرزها: إظهار قدرة الملك عبدالعزيز على مجابهة خصمه وإنـزال الضرر به. أن هزيمة ابن رشيد في أول مواجهة حقيقية بين الطرفين قللت من مركزه وكسرت حاجز التردد لدى مَن كان يفكر في الخروج من تبعيته والانضواء تحت راية الملك عبدالعزيز. في ظل خسارته في أول مواجهة حقيقية مع الملك عبدالعزيز توجه ابن رشيد إلى حفر الباطن؛ ليعيد ترتيب حساباته في انتظار مواجهات أخرى مرتقبة مع الملك عبدالعزيز الذي عاد إلى الرياض بهذا النصر المهم في أول مواجهة مع خصمه ابن رشيد.وقد توجه الملك عبدالعزيز إلى الكويت في ذي القعدة من عام 1320هـ / يناير1903م؛ للوقوف إلى جانب الشيخ مبارك الصباح ضد ابن رشيد في هجومه المرتقب، وكان لتحرك الملك عبدالعزيز أثر في تغير الإستراتيجيات والأهداف عند ابن رشيد الذي حاول استغلال غياب الملك عبدالعزيز عن الرياض فقرر مهاجمتها، إلا أن تحصينات الرياض القوية حالت دون ذلك، فاتجه إلى مناطق الوشم، وبالتحديد إلى ثرمداء ثم شقراء، ومنها توجه إلى سدير حيث حاصر التويم، ثم عاد إلى حائل، وفي تلك الأثناء خرج الملك عبدالعزيز إلى مناطق الوشم وسدير، إلى أن وصل إلى الزلفي، في محاولة لفك الضغوط على أهالي تلك البلدان من تحركات ابن رشيد، ولمحاولة بسط نفوذه على تلك البلدان التي كانت تتأرجح في تبعيتها بين الملك عبدالعزيز وابن رشيد  . وعلى الرغم من أن الطرفين لم يدخلا في مواجهة مباشرة إلا أن تلك التحركات آتت ثمارها، فقد استطاع الملك عبدالعزيز خلال نحو ثلاث سنوات من بعد دخوله الرياض أن يضم بلدان سدير والوشم إلى مُلكه، وأن يقف بنفسه على أعتاب منطقة القصيم؛ المنطقة المهمة التي كانت تمثل رجحان الكفة في ميزان الصراع بين الرياض وحائل  . 
 
ضم الوشم وسدير والمحمل والشعيب
 
كان للنجاحات التي حققها الملك عبدالعزيز في الرياض وجنوبي نجد أثر على تشجيع المؤيدين له في البلدان الواقعة إلى الشمال من الرياض، وكان في طليعتهم أهل شقراء الذين ثاروا على أمير ابن رشيد لديهم، وأعلنوا ولاءهم للملك عبدالعزيز باحثين عمّن يقف معهم، وقد أرسل الملك سرية استطاعت ضم ثرمداء، وقد حاول ابن رشيد استعادة شقراء ففشل وعاد إلى بريدة، وأقام الملك عبدالعزيز في شقراء واستطاع ضم سدير عدا المجمعة، ولما اطمأن الملك إلى استقرار الأوضاع في الوشم وسدير عاد إلى الرياض، وكان إقليما الشعيب والمحمل قد دخلا في طاعته دون مقاومة  . واصل الملك عبدالعزيز مسيرة التوحيد التي وضع أولى خطواتها البطولية باسترداد الرياض واتخاذها قاعدة لحكمه، ثم ما حدث بعد ذلك من خطوات مهمة في بسط نفوذه على الوشم وسدير التي عزَّزت من موقفه وأمَّنت وضعه في الرياض والمناطق المحيطة بها.
 
 ضم القصيم
 
وكان ضم القصيم هو الخطوة المرحلية المنتظرة من الملك عبدالعزيز بعد ذلك، ولم تمضِ خمس سنوات على دخوله الرياض إلا وقد استطاع أن يضم أجزاء القصيم كلها إليه، وينهي نفوذ ابن رشيد والعثمانيين فيها.كانت الانطلاقة الحقيقية في ضم القصيم في المحرم من عام 1322هـ / مارس 1904م، حين تمكن الملك عبدالعزيز من دخول عنيزة، ثم توجه منها إلى بريدة التي حاصرها نحو شهرين ونصف، إلى أن تمكن من ضمها حين استسلمت له حاميتها في الخامس عشر من ربيع الأول من العام نفسه  .  وبضم عنيزة ثم بريدة قطع الملك عبدالعزيز شوطًا مهمًا في ضم القصيم إلى دولته الناشئة. وكان عليه أن يخوض معارك أخرى ضارية في سبيل تحقيق ذلك، وكان أبرز المعارك والمواجهات بين الملك عبدالعزيز وقوات ابن رشيد مدعومًا بالقوات العثمانية قد جرت حسب ما يأتي:كانت المواجهة الفعلية الأولى قد جرت بين الطرفين في البكيرية في أواخر ربيع الأول من عام 1322هـ / مايو 1904م، في معركة أخذت اسمها من موقعها. وقد كانت الخسائر فيها كبيرة للطرفين  ،  وعلى الرغم من هزيمة ابن رشيد في هذه المعركة إلا أنه لاتزال في هذه المرحلة الكفتان متعادلتين من حيث القوة والنفوذ والعدد والعتاد العسكري.ولمحاولة حسم الأمور دخل الفريقان من جديد في معركة أخرى هي معركة الشنانة، بعد أقل من ثلاثة أشهر من معركة البكيرية، وبالتحديد في 18 رجب من العام نفسه  ،  وحقق الملك عبدالعزيز فيها انتصارًا أجبر من خلاله ابن رشيد على الفرار إلى الكهفة، ومن ثَمَّ عمل ابن رشيد على إعادة حساباته وحاول التقاط أنفاسه بالتعاون مع قوات الدولة العثمانية؛ استعدادًا لمواجهات أخرى مرتقبة.ولعل نجاح الملك عبدالعزيز في هذه المعارك في فرض قوته ونفوذه على القصيم مكَّنه من أن يُحيِّد العثمانيين في مسألة الصراع بينه وبين ابن رشيد، حينما دخل الملك عبدالعزيز في مفاوضات مباشرة مع العثمانيين انتهت بقناعتهم بالانسحاب من المنطقة بعد خسارة ابن رشيد في معركة روضة مهنا  التي وقعت في 17صفر من عام 1324هـ الموافق 13 إبريل 1906م بعد معارك ومناوشات جانبية كثيرة بين بعض فلول الطرفين.وكانت هذه المعركة من المعارك الحاسمة في مسألة الصراع على القصيم؛ فبالإضافة إلى أنها أوصلت الدولة العثمانية إلى القناعة بمغادرة القصيم والتخلي عن حليفها ابن رشيد؛ فقد كان من أبرز نتائجها مقتل عبدالعزيز بن متعب بن رشيد أبرز خصوم الملك عبدالعزيز، والاتفاق بين الملك عبدالعزيز والحاكم الجديد متعب بن عبدالعزيز آل رشيد على أن يكون القصيم وما في جنوبيه من مناطق تحت حكم الملك عبدالعزيز، وبمعنى آخر أن يكون حكم ابن رشيد محصورًا في ما هو شمالي القصيم  . لم يدم هذا الاتفاق وقتًا طويلاً، فبعد الأحداث الدامية بين أسرة آل رشيد قُتل متعب آل رشيد على يد سلطان بن حمود آل رشيد الذي تولى الحكم ونقض الاتفاق، وأغرى أمير بريدة آنذاك محمد أبا الخيل، ومعه زعيم مطير فيصل الدويش، بالانضمام إليه في جبهة واحدة ضد الملك عبدالعزيز.وكان على الملك عبدالعزيز أن يعمل على أكثر من جبهة في هذه الحالة، وهي: أبا الخيل، والدويش زعيم مطير، بالإضافة إلى الخصم الرئيس ابن رشيد  .  وقد تمكن الملك عبدالعزيز من تحقيق التفوق على ابن رشيد حين التقى الطرفان في معركة الطرفية في 18 شعبان من عام 1325هـ الموافق 26 سبتمبر 1907م  ،  وانتهت تلك المعركة بانتصار الملك عبدالعزيز. وكان من آثارها انحسار نفوذ ابن رشيد في حائل، وقبوله صلحًا جديدًا مع الملك عبدالعزيز، فقد تم الاتفاق بين الطرفين على أن تكون حائل وتوابعها فقط تحت إمارة ابن رشيد، في حين يكون باقي إقليم نجد تحت حكم الملك عبدالعزيز.ونتيجةً لذلك الانتصار ركز الملك عبدالعزيز جهده لحصار خصمه الآخر أبا الخيل أمير بريدة الذي بدا أن موقفه يزداد ضعفًا، خصوصًا بعد أن استطاع الملك عبدالعزيز استمالة غالبية الأهالي إليه، فاتفقوا معه على فتح بوابة بريدة ليلة الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر من سنة 1326هـ الموافق الرابع والعشرين من شهر مايو 1908م.واستطاع الملك عبدالعزيز بعد دخول بريدة أن يحاصر أميرها في قصره، وحين رأى أميرها أبا الخيل ضعف موقفه أعلن استعداده للاستسلام، بعد أن طلب الأمان من الملك عبدالعزيز الذي أمَّنه وأذن له بمغادرة المنطقة إلى العراق.وبذلك يكون الملك عبدالعزيز قد خطا خطوات جيدة في توحيد نجد، فقد خضعت له القصيم تمامًا، وبقي ابن رشيد محصورًا في حائل  . 
 
 ضم الأحساء
 
كانت الأحساء إحدى أبرز المناطق المهمة التي تشكلت منها الدولتان السعوديتان الأولى والثانية. ومن المعروف أن الدولة السعودية الثانية فقدت الأحساء عندما تمكن العثمانيون من بسط نفوذهم عليها بعد حملة مدحت باشا عام 1288هـ / 1871م، مستغلين ظروف النـزاع بين أبناء الإمام فيصل بن تركي في تلك الفترة  . ومنذ ذلك التاريخ ظلت الأحساء تحت الحكم العثماني، إلى أن تمكن الملك عبدالعزيز من إعادة بسط النفوذ السعودي عليها، فعلاوةً على أنها تمثل أهمية سياسية وإستراتيجية واقتصادية عالية بالنسبة إلى نجد؛ فقد كانت الأحساء تمثل توجهًا طبيعيًا لحركة توحيد المملكة التي قام بها الملك عبدالعزيز لإعادة أركان الدولة السعودية إلى سابق عهدها، جريًا على المنهج الذي سار عليه أسلافه من حكام الدولتين السعوديتين الأولى والثانية.ولذلك كان نظر الملك عبدالعزيز يتوجه صوب الأحساء شرقي البلاد، وكان يتحين الفرصة المناسبة لذلك، جريًا على سياسته بتوحيد الجهد وتركيز الجبهات قدر الإمكان كيلا تتشتت الجهود.وبعد أن اطمأن الملك عبدالعزيز على موقعه الآمن نسبيًا في نجد في أعقاب تسوية الأمور في القصيم، وحصر ابن رشيد في حائل؛ وجد الفرصة مواتية للتوجه شرقًا لضم الأحساء وما حولها، وبخاصة أن العثمانيين خسروا في البلقان... وغير ذلك من الأسباب التي أدت إلى تدهور الدولة العثمانية، وخصوصًا أن هناك مفاوضات منذ عام 1330هـ / 1912م بين بريطانيا والدولة العثمانية لعقد اتفاقية تنهي نفوذ العثمانيين في الخليج العربي ومن ضمنه الأحساء ولكن هذا الاتفاق لم يتم لاندلاع الحرب العالمية الأولى  . وتعزز موقف الملك عبدالعزيز بما كان يصله من أهل الأحساء من نداءات متكررة يلحون فيها عليه بسرعة المسير إليها، ويَعِدُونه بالوقوف إلى جانبه، على إثر اختلال الأمن وتعديات أبناء البادية في ظل ضعف الحامية العثمانية.وفي الثامن والعشرين من شهر جمادى الأولى من عام 1331هـ الموافق الخامس من شهر مايو من عام 1913م كان الملك عبدالعزيز على رأس قواته بالقرب من أسوار مدينة الهفوف في الأحساء، حيث استطاع أن يفاجئ القوات العثمانية، فقد تمكن نفر من رجاله من تسلق الأسوار وفتح أبواب البلد على مصارعها للملك عبدالعزيز ورجاله. ورحب أهالي الأحساء بالملك عبدالعزيز وبادروا بمبايعته على السمع والطاعة. وتوجه الملك عبدالعزيز لحصار المتصرف العثماني، وأمام هول المفاجأة لم يستطع رجال الحامية العثمانية المقاومة وبادروا بالاستسلام  .وعلى عادة الملك عبدالعزيز في معاملة الخصوم بالحسنى وتجنُّب سفك الدماء ما أمكن ذلك؛ بادر بتأمين العثمانيين، وعمل على ترحيلهم إلى البحرين (عن طريق العقير) فالعراق.وكان لضم الأحساء وبقية بلدان المنطقة الشرقية نتائج سياسية وعسكرية واقتصادية صبت جميعها في تقوية جانب الملك عبدالعزيز في مختلف الجوانب، كان من أبرزها ما يأتي: إنهاء الحكم العثماني في الأحساء وبقية بلدان المنطقة الشرقية الذي استمر نحو أربعة عقود. تحقيق نقلة مهمة للملك عبدالعزيز من إطار المحلية والإقليمية إلى الإطار الدولي، فقد بدأ التماسّ مع قوى محلية ودول ذات علاقات بالمنطقة، مثل بريطانيا التي كانت تراقب الأوضاع عن كثب، وكان يهمها الوضع في الأحساء، بوصفه حدًا غربيًا للخليج الذي كانت السياسة البريطانية تعمل على صد أي محاولات دولية للوصول إليه. سيطرة الملك عبدالعزيز على الأحساء وفرت له منفذًا بحريًا تَمَثَّل في ميناء العقير وغيره من موانئ المنطقة الشرقية على الخليج العربي؛ ما غيَّر وضع دولته من دولة داخلية إلى دولة ذات منافذ بحرية، ما يعني الشيء الكثير من النواحي الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية.
 كان ضم الأحساء يعني تضاعفًا في موارد الدولة الاقتصادية؛ نظرًا إلى ما كانت الأحساء تكتنـزه من خيرات اقتصادية زراعية وفيرة  . 
 
 ضم عسير
 
كانت الشكوى التي وصلت إلى الملك عبدالعزيز عام 1338هـ / 1920م من بعض زعماء عسير ضد حاكمها الأمير حسن بن عائض هي البداية الفعلية لِلَفْت نظر الملك عبدالعزيز إلى تلك المنطقة، فقد أرسل جيشًا  بقيادة الأمير عبدالعزيز بن مساعد لإخضاع المنطقة بعد أن فشلت محاولة الإقناع بالحسنى، وبعد مداولات ومفاوضات ومناوشات مع ابن عائض دخل ابن مساعد في معركة حاسمة استطاع من خلالها دخول أبها، وأرسل ابنُ مساعد حسنَ بن عائض مع أفراد آخرين من أسرته إلى الرياض، واستقبلهم الملك عبدالعزيز بالشهامة والكرم اللذَين يعامل بهما مَن انتصر عليهم، بل عرض على ابن عائض أن يكون أميرًا له في عسير  . وحين رفض ابن عائض ذلك العرض عيَّن الملك عبدالعزيز لعسير أميرًا آخر هو فهد بن عبدالكريم العقيلي، وأعاد في الوقت نفسه ابن عائض مكرمًا ليقيم هو وأسرته في قلعته الجبلية المسماة (الحرملة)، وقد تجدد الخلاف مرة أخرى بين الطرفين، حين استجاب ابن عائض لتحركات بعض الأهالي ضد الأمير السعودي العقيلي  ،  وتزعم حركة عصيان وحوصر الأمير العقيلي في القصر في محاولة من ابن عائض للتربع على سدة الحكم مرة أخرى  . وعلى الرغم من بُعد المنطقة النسبي عن قاعدة الحكم إلا أن رد فعل الملك عبدالعزيز كان سريعًا، فقد بادر بإرسال حملة جديدة إلى المنطقة بقيادة ابنه فيصل بن عبدالعزيز واستطاعت الحملة أن تعيد الأمور إلى نصابها  . وهنا تبرز سمة العفو وحب الخير ومعاملة الخصوم السياسيين بالحسنى عند الملك عبدالعزيز، من خلال معاملته الكريمة لحسن بن عائض الذي أُخذ هو وأسرته مرة أخرى إلى الرياض، حيث" استقبله ابن سعود بحلمه وكرمه العظيمَين استقبالاً حارًا، وعفا عما قام به"، واكتفى بفرض الإقامة عليه في الرياض، شأنه في ذلك شأن ابن رشيد حاكم حائل  . وقد كان هذا التعامل الحسن من الملك عبدالعزيز من العوامل المهمة التي مكنته من بناء بلد واحد يسوده الوئام والترابط، فقد نسي الناس ما دار بينهم من حروب وتناحر في ظل هذا الوضع الجديد، وفي ظل الرعاية الكريمة من الملك عبدالعزيز.
 
 ضم حائل
 
بعد أن أتم الملك عبدالعزيز ضم بلدان المنطقة الشرقية وتعزيز مركزه وقوته عاد بنظره مرة أخرى إلى حائل، وكان ذلك بعد مضي نحو عشر سنوات من ضم الأحساء؛ ويعود السبب في ذلك إلى عوامل كثيرة من أبرزها: سياسة النَّفَس الطويل التي تميز بها الملك عبدالعزيز في حروب التوحيد، وحرصه على عدم تشتت جبهة القتال.فطيلة تلك السنوات استمر الملك عبدالعزيز في سياسة الاستنـزاف لخصومه، فكان وضعه يزداد قوةً وتماسكًا، ووضع خصومه مثل آل رشيد يزداد ضعفًا.دخل الملك عبدالعزيز مع خصومه في عدد من المعارك العنيفة في كثير من الميادين؛ مثل معركتي جراب وتربة  ،  وغيرهما من المعارك التي كانت نتائجها إيجابية بالنسبة إلى الملك عبدالعزيز وسلبية بالنسبة إلى خصومه  ،  إلا أنها لم تكن حاسمة.ويبدو أن تلك السياسة (سياسة النَّفَس الطويل) آتت ثمارها، فأخذت الأوضاع في حائل تزداد سوءًا، ووصلت إلى غاية السوء في عهد عبدالله بن متعب بن رشيد الذي تولى مقاليد السلطة بعد صراع دموي داخل أسرة آل رشيد أنفسهم.وكان لتلك الخلافات المستمرة فيها بين آل رشيد أثر واضح في ضعف موقفهم في حائل، وازداد الموقف ضعفًا حين فقد آل رشيد دعم الدولة العثمانية على إثر خسائرها الكبيرة في الحرب العالمية الأولى.وحرصًا من الملك عبدالعزيز على حقن الدماء، وقبل أن يلجأ إلى القوة في حسم الأمور مع ابن رشيد؛ حاول استمالة عبدالله بن متعب وحثه على انضمام إمارة حائل إلى الحكم السعودي وتجنُّب الصدام.وأمام فشل المحاولات السلمية جهز الملك عبدالعزيز قواته، ووجهها صوب حائل بقيادة أخيه محمد بن عبدالرحمن وسعود وفيصل ابنَي الملك عبدالعزيز، ثم آلت القيادة في النهاية إلى سعود بن عبدالعزيز بعد أن عاد محمد بن عبدالرحمن إلى الرياض.وبدأت القوات السعودية مهمتها بضرب حصار حول حائل من جهات مختلفة. وقد سارت الظروف إلى جانب القوات السعودية؛ فقد بدأ الخلاف يدب من جديد بين آل رشيد، فأثناء الحصار قَدِم محمد بن طلال آل رشيد إلى حائل، فخاف منه عبدالله بن متعب، ولجأ إلى مخيم الأمير سعود بن عبدالعزيز، فأمَّنه وبادر بإرساله إلى والده في الرياض، وبخلو حائل من أميرها عبدالله بن متعب تولى محمد بن طلال مقاليد السلطة فيها.ومع تطور الأحداث وأهمية حسم الموقف بإخضاع حائل للحكم السعودي عزز الملك عبدالعزيز من موقف قواته، فقد أمر فيصل الدويش وأتباعه من مطير بالانضمام إلى القوات السعودية، ثم وصلت القوة السعودية مداها حين توجه الملك عبدالعزيز نفسه إلى المنطقة لقيادة القوات السعودية المحاصرة لحائل.وفي شهر صفر من عام 1340هـ / 1921م وحين اكتمل وصول القوات السعودية شدد الملك عبدالعزيز الحصار على حائل، وأمام تراجع موقف محمد بن طلال بن رشيد اقتنع كثير من أهل حائل أن استمرار مقاومتهم لا فائدة منه ورأى كبار وجهاء حائل بقيادة إبراهيم السبهان أن يتصلوا بالملك ويتفقوا معه على تسليم المدينة مقابل الأمان لأهلها، وتم ذلك واعتصم ابن طلاب بقصر الإمارة ثم لم يجد بدًا من أن يستسلم للملك عبدالعزيز، وتم ذلك على يد إبراهيم السبهان الذي طلب الأمان لنفسه ولأهل حائل وأميرها، فأجابه الملك عبدالعزيز إلى طلبه، وبذلك الاتفاق فتحت حائل أبوابها لموحِّد البلاد في التاسع والعشرين من شهر صفر من عام 1340هـ الموافق للثلاثين من أكتوبر عام 1921م  . وبتلك المواقف النبيلة من الملك عبدالعزيز فإن المواجهات العسكرية المرتقبة بين الطرفين انتهت سلمًا، وحُقنت بذلك دماء المسلمين، إذ لم يكن هناك "لا قاتل ولا مقتول"  . وجريًا على سياسته في معاملة الخصوم فإن الملك عبدالعزيز أمَّن ابن رشيد وأهل حائل على أنفسهم، وعيَّن إبراهيم السبهان أميرًا على حائل، وعاد في آخر الربيع من العام نفسه إلى الرياض، مصحوبًا بكبار آل رشيد للإقامة فيها معزَّزين مكرَّمين، وتحول أولئك الخصوم بفضل المعاملة الحسنة إلى مؤيدين ومناصرين للدولة  . 
 
 
شارك المقالة:
210 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook