مفهوم الخطاب الإسلامي

الكاتب: المدير -
مفهوم الخطاب الإسلامي
"مفهوم الخطاب الإسلامي




مقدمة:

لم تشهد الدنيا منذ أن أنشأها الخالق - جل في علاه - خطابًا أرقى ولا أسمى من الخطاب الإسلامي؛ ذلك أنه خطاب الخالق للمخلوق، وخطاب المعبود للعابد، خطابًا تجلت فيه كل معاني الكمال والجلال والدقة والتأثير.

 

أما الكمال فكمال المخاطب على مخاطبيه، وأما الجلال فجلال المخاطب عند باريه، وأما الدقة فدقة الخطاب في معانيه، وأما التأثير فتأثير الطرائق والوسائل والأساليب في مقاصده ومباغيه.

 

فالخطاب الإسلامي لا تتوقف مقاصده عند التبليغ، بل تتعداه إلى التأثير والتغيير في مخاطبيه، متخذًا في ذلك كل الأساليب المؤثرة، وموظفًا من أجل غايته جل الوسائل المعاصرة، تلك الوسائل التي حدد معاييرها بدقة في كتابه ومرجعه الأوثق، القرآن الكريم، فقال تعالى: ? ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ? [النحل: 125]، فبالنظر إلى كريم مراد الآية نرى جملة معانٍ فريدة في فهم كُنْه الخطاب الإسلامي ووسائله، بداية من الأمر: ? ادْعُ ? [النحل: 125] الذي يلزم الأمة الإسلامية بأمر الدعوة الغراء، ومرورًا بالتحديد الدقيق لهدف الدعوة ومرادها، فلا تكون الدعوة إلا ? إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ ? [النحل: 125] أيها الداعية المختار، وعروجًا على أساليب الدعوة المختارة المنتقاة، فلا يكون الخطاب الإسلامي إلا بطرائق مخصوصة ? بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? [النحل: 125]، والحكمة المقصودة هنا هي تحقيق المراد، في الوقت الذي يراد، على الوجه الذي يراد، وفي معاني الحكمة تفسيرات وأدبيات يُعْيِينا حصرها، والموعظة الحسنة معيار راقٍ من معايير جودة الخطاب الإسلامي، يحض على حسن الموعظة، فتكون بالطريقة التي يفهمها المخاطب، والوسيلة التي يفضلها، وبالأسلوب الأكثر تأثيرًا فيه، وفي الآية معيار عظيم يصلح أن يكون خطة كاملة لإدارة أزمة الحوار في الخطاب الإسلامي، فكأن سائلًا يسأل: ماذا لو حدث الأسوأ ولم يحدث الإقناع؟ فجاء الرد متبوعًا بواو العطف التي تدل على التبعية والتراخي ? وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? [النحل: 125]، ولتنظر معي - عزيزي القارئ - إلى عبقرية السياق وإبداع المعنى في المفارقة اللغوية العجيبة بين (حسنة) و(أحسن) في قوله تعالى: ? الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ? [النحل: 125]، وقوله: ? وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ? [النحل: 125]، معيار رائع يضعه المولى تبارك وتعالى، يحدد فيه مراحل الخطاب، فيبين للمشتغلين بالخطاب الإسلامي أن البداية تكون بالموعظة الحسنة، مسبوقة بحكمة اختيار المدخل، فإن حدث حوار وجدال بينك وبين المخاطبين - وهذا أمر طبيعي بحسب السياق - فزد الحسن إحسانًا، يا للروعة في المعنى، والحكمة في الحوار، ولم لا؟ وهو خطاب يضع أمامه نواتجه، ويحرص على تحقيقها، فالخطاب الإسلامي يهدف إلى إحداث التغيير كما هو مخطط له، وليس أي شيء آخر.

 

مفهوم الخطاب الإسلامي:

للخطاب مفهومان:

المفهوم الأول: أصيل، ثابت، بسيط غير مركب، عرفته العرب، وورد في القرآن الكريم، وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي المعاجم اللغوية الأولى.

 

أما المفهوم الثاني، فإنه معاصر، وذو طبيعة تركيبية يتعدى بها الدلالة اللغوية إلى المدارك الفلسفية، والأبعاد السياسية، والمرامي الإعلامية.

 

أولًا: على مستوى المفهوم اللغوي:

جاء في لسان العرب: الخطاب والمخاطبة: مراجعة الكلام، وقد خاطبه بالكلام مخاطبةً وخطابًا، وهما يتخاطبان، وفصل الخطاب: أن يفصل بين الحق والباطل، ويميز بين الحكم وضده.

 

والخطاب كما قيل: هو الكلام الذي يُقصد به الإفهام، إفهام من هو أهل للفهم، والكلام الذي لا يقصد به إفهام المستمع، فإنه لا يسمى خطابًا (8: 5).

 

ثانيًا: على مستوى المفهوم القرآني:

وردت في القرآن الكريم مشتقات خطب تسع مرات، وورد لفظ خطاب ثلاث مرات، والذي يعنينا منها الآن مما يناسب المقام هو قوله تعالى: ? وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ? [ص: 20].

 

ونلاحظ في سياق ورود لفظ خطاب في هذه الآية الكريمة: أن الخطاب مقرون بالحكمة، وهنا مجال فسيح للتأمل والاستبصار والتدقيق في اكتناه المعنى العميق للفظ خطاب، مما يخرج به عن المفهوم اللغوي بحسبانه مراجعةً للكلام، أو الكلام الذي يقصد به الإفهام، ويرتقي به إلى مستوى أرفع شديد اللصوق بمعنى الحكمة التي هي وضع الأمور في حاقِّ موضعها، وتدبيرها على ما ينبغي لها.

 

ويتلاقى المفهومان اللغوي والقرآني في التأكيد على الدلالة السامية للخطاب، على اعتبار أن فصل الخطاب لا يتم على الوجه الأفضل، إلا إذا اقترن بالحكمة، وكان القصد منه تبيان وجه الحق على أكمل الوجوه وأتمها.

 

ثالثًا: على مستوى المفاهيم الحديثة:

الخطاب: اصطلاح فلسفي، يقارب في الدلالة المقولة الفلسفية؛ فالخطاب الفلسفي لفلان هو منهاجه في التفكير والتصور وفي التعبير عن أفكاره وتصوراته، وهذا الخطاب يتعارضُ أو يتوافقُ مع الخطاب الفلسفي لعلان.

 

ودخل هذا المفهوم في الفكر السياسي المعاصر، فصار الخطاب السياسي منطويًا على المنظومة الفكرية والمضمون الإيديولوجي، مما يجعل الخطاب السياسي لهذه الجماعة معبرًا عن عقيدتها السياسية واختياراتها المذهبية؛ فالخطاب في هذا المقام ليس مجرد أسلوب للتبليغ، وطريقة للتعبير عن الرأي والموقف.. لكنه، أيضًا، الوعاء المعبر عن العقيدة والروح والفلسفة والمذهب.

 

وينطبق هذا المفهوم أيضًا على الخطاب الثقافي، والخطاب الأدبي، والخطاب الفني، والخطاب الإعلامي، وإن كان الخطاب الإعلامي أكثر استيعابًا للمضامين الواسعة، بحيث يمكن أن يستوعب المستويات الخطابية جميعًا، فيكون الخطاب الإعلامي الديني، والخطاب الإعلامي الفلسفي، والخطاب الإعلامي السياسي … إلخ.

 

وإلى هذا المعنى تنصرف الأذهان عند الحديث عن الخطاب الإسلامي، باعتبار أن المقصود هو الوسيلة التي يخاطب بها المسلمون العالم، والمنهاج الذي يصوغون من خلاله أفكارهم وآراءهم ومواقفهم التي يريدون إيصالها إلى القطاع الأوسع من الرأي العام العالمي، وذلك عبر وسائط الإعلام والتواصل المختلفة، من مقروءة ومرئية ومسموعة.

 

وبناءً على ذلك، فإننا نستطيع أن نقول: إن الخطاب الإسلامي هو الإطار الأوسع للدعوة الإسلامية بالمفهوم العميق والشامل.

 

تعريف الخطاب الإسلامي:

ويمكننا أن نعرف الخطاب الإسلامي تعريفًا أوليًّا بأنه: الكلام الذي يستند لمرجعية إسلامية من أصول القرآن والسنة، وأي من سائر الفروع الإسلامية الأخرى، سواء أكان منتج الخطاب جماعة إسلامية أم مؤسسة دعوية رسمية أو أهلية أم أفرادًا متفرقين جمعهم الاستناد للدين وأصوله مرجعيةً لرؤاهم وأطروحاتهم، ولإدارة الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي يحيونها، أو للتفاعل مع دوائر الهُويات القطرية أو الأممية أو دوائر الحركة الوظيفية التي يرتبطون بها ويتعاطون معها.

 

من بحث توظيف الوسائل التكنولوجية المعاصرة في تطوير الخطاب الإسلامي  - مؤتمر اتحاد علماء المسلمين 2012


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook