يناقض الصَّبرُ في اللغة لفظة الجَزَع، ويُقصَد به: حبس النفس، وكفّها عن الجَزع، والسَّخَط، أمّا شرعاً فهو: الامتناع عمّا حرّمه الله، وأداء ما أوجبه من الفرائض، وعدم السخط، أو الجزع، أو الشكوى ممّا قدَّرَه الله -سبحانه-ي الرضا بمقدور الله، مع حُسن التأدُّب عند البلاء والمِحَن، دون الاعتراض على ما قُدِّر، ويُقصَد بالصبر في الاصطلاح الشرعيّ أيضاً: الثبات على ما ورد في القرآن الكريم، والسنّة النبويّةالحكمة الإلهية من الابتلاءات التي يمرّ بها العبد في حياته تتجلّى في أمور عديدة؛ حيث يميزُ بها المولى سبحانه صدق إيمان العباد؛ فيظهر صادقه من كاذبه، وينكشف غثّه من سمينه، وفي هذا يقول -سبحانه-: (مَّا كَانَ اللَّـهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)والابتلاءات والمحن تربيةٌ لنفوس المؤمنين في ميدان الثبات على الحقّ، قال -تعالى-: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ،ولا شكّ أنّ صبر المؤمن عند الابتلاء والمحن سببٌ لرفع درجاته ومقامه في الآخرة عند لقاء الله -تعالى-.
ولذلك كان جديراً بالمؤمن عدم اليأس والقنوط من رحمة الله إن أصابته مِحنةٌ ما؛ إذْ اليأس يترك آثاراً سلبية كثيرة على صاحبه، ومنها: أنّ صفتَي الجزع والقنوط لا تُعدّان من صفات أهل الإيمان؛ فالمؤمن شاكرٌ لربّه راضٍ بقضائه، فرحمة الله وَسِعت كلّ شيءٍ، قال الله -تعالى-: (وَرَحمَتي وَسِعَت كُلَّ شَيءٍ)ويُعَدّ اليأس والقنوط من صور حبّ الحياة الدنيا، وإيثارها على الحياة الآخرة، وعدم الاعتراف بفضل الله -سبحانه-، ونعمته، ممّا يُؤدّي إلى الكسل، والفتور عن العبادات والطاعات، والغفلة عنهما، وبالتالي الاستمرار في ارتكاب الذنوب والمعاصي.
يشتمل الصبر في الإسلام على عدّة أنواعٍ؛ فإمّا أن يكون الفرد صابراً على طاعة الله، أو صابراً على تَرك معصيته، أو صابراً على امتحان الله -تعالى-، وابتلائه له، وفيما يأتي بيانٌ لكلّ نوعٍ
كلّفَ الله عبادَه بالعديد من الطاعات، ومعلومٌ أنّ التكليف لا يخلو من المَشقّة، خاصّةً عند المداومة على الطاعة والمحافظة عليها، وبذلك يتغلّب المؤمن على تعبه، ويصبر عليه؛ التزاماً بأوامر الله -تعالى-، حيث يقول في كتابه العزيز: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)، وممّا يعين العبد على الصبر في الطاعات أنْ يتفقّد حاله من الطاعة في مواطن ثلاثة؛ الأول قبل الطاعة؛ ويكون ذلك بإخلاص النيّة، والتخلُّص من الرياء، وأثناء الطاعة؛ ويكون بالخشوع فيها، وأدائها بشكلها الصحيح، والصبر عند الانتهاء منها؛ بعدم العجب، والتذكُّر بأنّها تمّت بفضل الله.
نهى الله عباده عن الكثير من الأمور، وعَدَّ فِعلها من المعاصي، والصبر عنها يكون بحبس النفس عن ارتكابها، والحرص على اجتنابها؛ ابتغاء رضوان الله، وتكون كذلك على ثلاث مراحل؛ الأولى قبل المعصية؛ بأن ينوي العبد تركها، وأثناء تركها؛ بالامتناع عنها نهائيّاً؛ ابتغاء مرضاة الله، وانتهاءً بعدم العجب بتَركها.
يعود الصبر على صاحبه بالعديد من الثمرات والآثار المُتعلِّقة بالدنيا، والآخرة، ومن
وقد ورد فضل الصبر في أحاديث الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكَر منها قوله: (واعلَمْ أنَّ النصرَ مع الصبرِ وقد وصف الرسول -عليه السلام- الصبر بقوله: (الصلاةُ نورٌ، والصدقةُ برهانٌ، والصبرُ ضياءٌ