مملكة دادان (العلا) بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.
مملكة دادان هو الاسم القديم لمنطقة العلا في شمال غربي المملكة العربية السعودية؛ ما يعني أن هذه المملكة اتخذت من اسم موطنها علمًا لمملكتها، وفي ضوء ما تشير إليه شواهد الآثار الدادانية نفسها يتضح أن مملكة دادان اتخذت من المكان الواقع على مسافة نحو ثلاثة كيلومترات شمال شرقي مدينة العلا القديمة والمعروف اليوم باسم الخريبة مركزًا لها ، ثم سيطرت منه على منطقة الحجر (مدائن صالح حاليًا) والمناطق المحيطة بواحة العلا.
إن المعلومات عن التاريخ السياسي والاجتماعي لمملكة دادان لا تزال قليلة بالمقارنة مع مثيلاتها من ممالك شمالي الجزيرة العربية اللحيانية والنبطية، إلا أن رواية المصادر التي تحدثت عن دادان المكان والمملكة تؤكد وجود مملكة عربية حملت اسم مملكة دادان، واتخذت من العلا مركزًا لها، كما كشفت هذه المصادر عن جملة من المسائل في التاريخ السياسي والاجتماعي لمملكة دادان.
لقد تحدثت الآثار والنقوش الدادانية التي كشف النقاب عنها في منطقة دادان (العلا) عن طبيعة السيادة الدادانية في واحة العلا، إذ يشير أحد النقوش الدادانية إلى أن هرم السلطة في دادان كان يقوم عليه شخص بمنصب ملك، ويتضح ذلك جليًا في شاهد قبر الملك (كبر إل بن متع إل) الذي نعت في متن النص بأنه ملك دادان، وعلى ما يبدو أن هذا الملك ورث الحكم من أبيه (متع إل)، فقد عثر حسين أبوالحسن على نقش داداني على قمة جبل إثلب الواقع في الجهة الشرقية من الحجر (مدائن صالح)، معناه (تيم بن زبدة حرس متع إل ودادان)
وبما أن النقش لم يشر مباشرة إلى منصب (متع إل)، فإن مضمون النقش وارتباط حراسة متع إل باسم دادان، وكذلك فإن ما جاء في نقش الملك الداداني (كبر إل) آنف الذكر من أنه ابن لمتع إل، يعزز من أن (متع إل) هذا كان أيضًا من ملوك دادان، ولعله أبوالملك الداداني (كبر إل بن متع إل)، ومن بين النقوش التي تسلط الضوء على السيادة الدادانية على منطقة العلا، تلك النقوش التي عثر عليها أيضًا مكتوبة على صخور قمة جبل إثلب في الجهة الشرقية من الحجر (مدائن صالح)، حيث الإشارة فيها إلى قيام مجموعة من الأشخاص بتسجيل نقوش دادانية تحدثت عن قيامهم بحراسة دادان ، ومضمون هذه النقوش يشير بوضوح إلى جزء من منظومة الهيكل السياسي والإداري للمملكة الدادانية في منطقة العلا؛ فقيام أولئك بتناوب أعمال الحراسة على دادان المكان والمملكة، يؤكد على وجود منظومة دفاعية تحفظ الأمن في دادان، وتصد عنها أي هجوم طارئ قد يهدد مصالحها ويقضي على كيانها السياسي.
من جانب آخر قد يشير ذلك إلى أن مملكة دادان وقت كتابة هذه النقوش كانت في حالة تأهب، وتعيش حياة أمنية غير مستقرة، ما تطلب قيام أولئك بالمرابطة على قمة جبل إثلب المطل على واحة دادان لكشف أمر أي سرية قبل أن تهاجم مملكتهم على حين غرة.
ومن النقوش الدادانية التي تتحدث عن الكيان السياسي لمملكة دادان، نقش داداني معناه: "نوران بن حاضر وكتب (النقش) في أيام جشم بن شهر وفي أيام عبد والي دادان في فترة حكم... ". إن النقص الذي أصاب نهاية النقش حرمنا من معرفة اسم الحاكم الذي كان يحكم دادان وقت كتابة النقش، فهل هو ملك داداني، أم أن دادان فقدت سلطتها السياسية على المنطقة، وأصبحت - آنذاك - تدار من قبل حاكم آخر؟ ولكن على الرغم من ذلك، فذكر كلمة (فحت) في متن النقش التي تفيد معنى (والي) تنطوي على دلالة مهمة في تاريخ مملكة دادان السياسي، فالإشارة هنا تؤكد على أن دادان كانت - آنذاك - تحت ولاية حاكم محلي، فهل هذا الحاكم تابع للملك الداداني نفسه ، أم هو حاكم آخر يقيم خارج منطقة دادان، وهذا الوالي ينوب عنه في إدارة شؤون منطقة دادان؟
ومن جهة أخرى جاء ذكر دادان في المصادر غير الدادانية في عدد من نقوش تيماء الثمودية، حيث عثر في جبل غنيم على مجموعة من النقوش تؤرخ لحرب وقعت في دادان ، كما أشارت مجموعة من نقوش منطقة (رم) الواقعة جنوب غرب تيماء كتبت من قبل أشخاص من أهل تيماء إلى إقامتهم في دادان على نحو: (فلان بن فلان حلَّ في دادان) .
وضمن إطار العلاقة بين مناطق شمالي الجزيرة العربية وبلاد الرافدين، يجد المرء في المصادر المسمارية، منذ مطلع الألف الأول قبل الميلاد، إشارات في الحوليات الآشورية والبابلية تتحدث عن تلك العلاقة التي اتسمت في الغالب بالصراع الدائم بين ممالك شمالي الجزيرة العربية وقبائلها وحكام الدولة الآشورية والبابلية. وبغض النظر عن أسباب ذلك الصراع، وما آل إليه من أحداث تاريخية ، فقد اشتملت الكتابات البابلية والآشورية وما سجله ملوكها في حولياتهم على معلومات مهمة حول تاريخ ممالك شمالي الجزيرة العربية وقبائلها خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد، ومن بينها دادان المكان والمملكة؛ فقد جاء ذكرها في نص (حران) الذي تحدث عن حملة الملك البابلي نبونيد على شمال غربي الجزيرة العربية، ضمن المناطق التي يذكر النص أن نبونيد احتلها.
وعلى ما يبدو - من مضمون النص - أن نبونيد أحكم سيطرته على منطقة دادان طوال فترة إقامته في تيماء التي امتدت بين عامي 543 و 535 ق.م، ويشتمل النص نفسه على إشارة مهمة إلى ملك دادان (ميش شَرُ شا دَ- دَنَ) ، وعلى الرغم من أن النص لا يفصح عن اسم الملك الداداني، أو عما فعله معه نبونيد، فإن الإشارة فيه تؤكد أن دادان كانت إبان حملة الملك البابلي نبونيد على المنطقة ذات كيان سياسي مستقل، وكانت تتمتع بنظام سياسي مركزي في دادان والمناطق المحيطة بها.
ثمة إشارات أخرى في المصادر الآشورية جاءت بصيغة (دِدنم، تيدنم)، وقد حاول بعض الدارسين ربطها بدادان في شمال غربي الجزيرة العربية . ولكن تلك الإشارات يجب أن تؤخذ بحذر شديد، فالسياق التاريخي والجغرافي لورود تلك المصطلحات الجغرافية فيها لا يدعم كون المقصود فيها منطقة دادان (العلا) في شمال غربي الجزيرة العربية
أما في العهد القديم فقد تكرر ذكر دادان، المكان والقبيلة، في عدد من أسفار التوراة، حيث وردت في سفر التكوين إشارة إلى تحديد أصل الدادانيين، فتارة يجعلهم ساميين من نسل نبي الله إبراهيم عليه السلام وزوجته قطورة، وتارة أخرى وفي السفر نفسه يجعلهم حاميين من نسل كوش، وعلى الرغم من هذا التفاوت في رواية التوراة عن الدادانيين وأصلهم، فإن المهم في روايات التوراة أنها تؤكد أن الدادانيين أمة لها كيانها المنظم آنذاك، وذات دور مهم في الحياة السياسية والاقتصادية للشرق القديم، وهذا ما تؤكده رواية التوراة نفسها؛ ففي سفر حزقيال ثمة إشارة إلى أن الدادانيين يعملون بنقل البضائع التجارية ويقومون على تسويقها في مناطق حوض البحر الأبيض المتوسط، وفي السفر نفسه يقرن بين الدادانيين والسبئيين الذين أكدت رواية المصادر أنهم كانوا في النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد يتولون أعمال نقل البضائع التجارية من مناطقهم في جنوبي بلاد العرب إلى مناطق متفرقة من العالم القديم
ومن بين أبرز المصادر التي تمدنا بمعلومات تاريخية عن الدادانيين في منطقة العلا ما ذكرته نقوش جنوبي الجزيرة العربية (نقوش المسند)، فقد تحدثت رواية النقوش المعينية عن دادان والدادانيين في عدة مواضع، من بينها تلك الوثائق التي كتبت على مسلات حجرية في معبد رصفم في معين (قرناو قديما) التي أشارت إلى دادان الأرض والشعب
وتشير مضامين هذه النقوش إلى قيام مجموعة من أفراد القبائل المعينية بالزواج من نساء دادانيات، تنتمي أصولهن إلى دادان في منطقة العلا، ولعل المهم في الأمر أن مجموعة هذه الوثائق جاءت ضمن قوائم طويلة سُجل فيها قيام أفراد من القبائل المعينية في جوف اليمن بالزواج من نساء أجنبيات ينتمين إلى أقوام وشعوب متعددة في بلدان الشرق القديم ، وفيها جعلت دادان في مصاف الدول والشعوب التي صاهرها المعينيون، ما يشير إلى أن دادان - آنذاك - كانت تشكل كيانًا مستقلاً تربطه علاقات اجتماعية مع قبائل جنوبي الجزيرة العربية.
أما المصادر العربية فقد اكتفت إشاراتها بذكر اسم دادان المكان، إذ يقول عنه ياقوت في معجمه ما نصه: (الديدان مدينة حسنة كانت في طريق البلقاء من ناحية الحجاز، خربت) ، أما ابن شجاع فيذكر دادان اسمًا لوادٍ متسع يقع جنوب العلا .
وفي ضوء رواية المصادر عن الدادانيين ومملكتهم، فإن المقاربة فيما بين معطياتها تشير بجلاء إلى أن ثمة مملكة عربية ذكرتها المصادر باسم (مملكة دادان)، وحددت مركز استيطانها في دادان (العلا حاليًا) في شمال غربي المملكة العربية السعودية، كما أشارت إلى أن سكانها كانوا على درجة عالية من التنظيم السياسي والاجتماعي، ما مكنهم من تأسيس علاقات سياسية واجتماعية مع الأمم والشعوب داخل الجزيرة العربية وخارجها، وهيأ لهم فرصة للقيام بدور فعال في اقتصاد المنطقة، كما أسهموا مع غيرهم من قبائل جزيرة العرب بنقل البضائع التجارية إلى مناطق الاستهلاك في أسواق الشرق القديم.
وعلى الرغم من أن رواية المصادر عن مملكة دادان وقبائلها لا تتحدث عن الإطار الزمني لنشأة هذه المملكة، فإن السياق التاريخي لسير الأحداث التي أشارت إلى الدادانيين فيها ترجح أن مملكتهم شهدت ازدهارًا اقتصاديًا، وكانت خلال النصف الأول من الألف الأول قبل الميلاد في أوج قوتها، وقد استمرت على هذه الحال حتى نهاية القرن السادس قبل الميلاد الذي شهد بروز قبيلة لحيان في المنطقة وظهورها على مسرح الأحداث - آنذاك - كقوة سياسية تطالب بزعامة مناطق الدادانيين في وادي العلا.