مملكة لحيان بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
مملكة لحيان بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية

مملكة لحيان بالمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية.

 
 
تعود معلوماتنا عن مملكة لحيان إلى ظهور قبيلة بني لحيان على مسرح الأحداث السياسية وتمكنها من السيطرة على زمام الأمور في منطقة دادان (العلا حاليًا في شمال غربي المملكة العربية السعودية)، أما قبل ذلك فليس ثمة معلومات مؤكدة تتحدث عنهم أو تساعد على تتبع أصلهم، وعلى الرغم من ذلك يعتقد بعض الباحثين أن اللحيانيين من أصول عربية جنوبية  ،  هاجروا إلى مناطقهم الجديدة في واحة العلا من جنوبي بلاد العرب، ويستدلون على ذلك من خلال نقش عربي جنوبي، نصه: (أب ي دع / ذ ل ح ي ن)، ومؤداه: " أب يدع من قبيلة لحيان"  .  والحقيقة أن المرء ليس في وسعه قبول تحديد أصل اللحيانيين من خلال هذا النقش فقط، خصوصًا أن نمط خط النقش لا يشير إلى أنه من النقوش العربية الجنوبية المبكرة، بل إنه يعود إلى فترة لاحقة على استيطان مملكة لحيان في واحة العلا، ما يرجح أن صاحب النقش ربما أنه من أفراد قبيلة لحيان، وكان - آنذاك - في زيارة إلى جنوبي الجزيرة لا نعرف سببها تحديدًا، ولكن المعروف أن أفراد قبائل مملكة لحيان عملوا في نقل التجارة البرية من جنوبي الجزيرة العربية إلى مراكز الاستهلاك في دول حوض البحر الأبيض المتوسط  .  وفي ضوء ذلك يبدو أن (أب يدع اللحياني) تاجر من تجار مملكة لحيان، وأثناء وجوده في جنوبي بلاد العرب سطر اسمه بخط عربي جنوبي، وثمة من يرى أن اللحيانيين فرع من قبيلة ثمود العربية الشمالية  ،  دون إيراد أدلة تجعل هذه الفرضية مقبولة، أو حتى تقبل المناقشة.
 
وترتكز المصادر المعرفية عن تاريخ مملكة لحيان إجمالاً على ما خلفه اللحيانيون أنفسهم من نقوش وآثار مادية في واحة دادان والمناطق المحيطة بها  ،  وعلى تلك الإشارات القليلة عن اللحيانيين في النقوش العربية الجنوبية القديمة، وما ذكره بعض الكتاب الكلاسيكيين في معرض حديثهم عن القبائل والشعوب العربية القديمة، وأخيرًا تلك المعلومات القليلة والمقتضبة عن اللحيانيين في المصادر العربية، فضلاً عن تكرار ذكر لحيان القبيلة والمملكة في كثير من النقوش اللحيانية نفسها  ،  وما جاء عن لحيان في أحد النقوش المعينية   الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع قبل الميلاد على الأرجح، ويذكر أن شخصًا من قبيلة نسور المعينية عقد قرانه وتزوج من امرأة لحيانية الأصل.
 
أما في المصادر الكلاسيكية فقد ورد اسم اللحيانيين بصيغة لحيني (Lechiene) عند المؤرخ الروماني بلنيوس   في معرض حديثه عن الشعوب والقبائل في جزيرة العرب، كما أشار لهم أيضًا ديودورس الذي أطلق على خليج العقبة اسم (خليج لحيان)  .  وفي المصادر العربية تكرر ذكر بني لحيان في أكثر من موضع. فابن حبيب   يذكر أن شخصًا من بني لحيان اسمه أوس بن قُلاَّم بن بُطينا بن جمهور بن لحيان كان من بين الملوك الذين حكموا الحيرة  .  ويضيف ابن حبيب في ثنايا حديثه عن بني لحيان أن (تأبط شرًا)   أغار على جبل لبني لحيان يشتار منه عسلاً، كان يأتيه في كل عام، ولكن عيون بني لحيان كشفت أمره، فلم يجد بدًا من الهرب لينجو بنفسه من الهلاك  .  أما ابن حزم   فيجعل بني لحيان بطنًا من بطون بني هُذيل بن مُدركة. كما تشير المصادر العربية أيضًا إلى أن بني لحيان كانوا عشية ظهور الإسلام يستوطنون في المنطقة الواقعة شمال شرقي مكة المكرمة، وقد كانوا - آنذاك - على خلاف مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ما جعله يوجه ضدهم غزوة عرفت في المصادر باسم (غزوة بني لحيان)  
 
وعند استعراض رواية المصادر التاريخية يتضح أن إشارتها - على الرغم من أهميتها- عابرة وقليلة بالمقارنة مع ما أدته مملكة لحيان من دور حضاري في تاريخ العرب القديم خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، فالمصادر العربية تذكر لحيان في مراحل تاريخية متأخرة، أي بعد أن تفرق بنو لحيان وانتهت حكومتهم المركزية في واحة دادان (العلا). وحسب رواية الإخباريين العرب يتضح أن العشائر اللحيانية - آنذاك - تركت مواطنها في واحة العلا، بعضها فضل الهجرة نحو الشمال إلى حيث حيرة النعمان، وبعضها الآخر هاجر إلى الجنوب واتخذوا من الجبال الواقعة شمال شرق مكة المكرمة مواطن جديدة لهم  .  وليس من المستبعد أيضًا أن جزءًا منهم بقي في واحة دادان وتفرعوا إلى عشائر عاشت في ظل السيطرة النبطية على منطقتهم. وفي ضوء ما تحدثت عنه رواية المصادر غير اللحيانية تتبادر إلى الذهن تساؤلات كثيرة لعل من أهمها: من هم اللحيانيون، وأين كانت مواطنهم قبل تفرقهم، وما دورهم الحضاري في إطار تاريخ العرب القديم؟
 
شارك المقالة:
141 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook