يجعل الصديق الحياة زاهية وجميلة، فبرفقته نستشعر الحب والطمأنينة ونشعر أن هناك ثمة شخص ما يهتم لأمرنا، فكم من صديق أصبح بمثابة الأخ وكان عوناً لنا في الشدة والحزن، وكم من صديق أبعدته عنا المسافات لكنه حاضر بالقلب وساكن في أعماقنا، فكلمة الصداقة تحمل من الحب والإخلاص والتضحية ما تعجز عن حمله الكلمات الأخرى، وفي هذه المقالة سنقدم لكم بعض من الكلمات التي قيلت عن الصداقة.
الصديق خير من ترتكز على كتفه إذا حزنت، فحزنك الكبير يبدأ بالتّضاؤل والغروب بعيداً، هدهدته لك تمنحك أملاً جديداً، ذلك العالم الذي ضاق بك يبدأ يتّسع شيئاً فشيئاً، وفي فرحتك تشعر أن الكون لا يسعها إذا كان حولك أصدقاؤك كأنك بحاجة إلى استعارة أكوان أخرى تضع فيها هذه السعادة، كيف لا وقد انسجمت الأرواح معاً كما تألفت وتقاربت الأعمار، فما أجملها من أخوّة، وما أروعها من نفحات إيمانية عذبة، يستشعرها الأخوة تجاه بعضهم فتسري في عروقه سريان الماء الزلال بعد فورة عطش شديد، فيثلج صدره، ويروى ظمؤه، ليعود للقلب نقاؤه، وللنفس صفاؤها؛ فتطمئن الروح وتعود لتنشر أريج الود والحب من جديد.
ما أجمل تلك اللحظات التي تستشعرها بكل كيانك، فيذوب لها قلبك، وتحس دفء الروح يسري في عروقك، وبقشعريرة يرتجف لها عظمك، وبسعادة لا يمتلكها إنسان، ولا يصفها أي مخلوق كان، وبآمال وأحلام تتزاحم في الفكر والوجدان، عن هذا الأخ الذي صورته لا تفارقك، وابتسامته تلازمك، وطيفه يناجيك ويسامرك، تندفع إليه وشوقك يسابق، والحياء قد غطّى معالمك، فالصديق الصادق نادر جداً هذه الأيام، نادر أن تجده، ونادر أن يستمر معك، ونادر أن تجد وفاءه، فإذا حصلت على صديق صادق فحافظ عليه قبل فوات الأوان، ليس لأنه سيتركك، بل لأنك لا تأمن نوائب القدر إذا فرّق بين الأحباب وبينهم كلمة تراد أن تقال.
لنبقى أصدقاء، لنعاند الجفاء، حتى تبقى القصائد بلون ضحكاتنا وتبقى الكلمات عاشقة لحوارنا ولا يكون الصمت محوراً لحديثنا، لنبقى أصدقاء مهما حصل، حتى لا نمارس الخيانة لذكرياتنا مع النسيان، وتبقى أحاسيسنا مشتعلة للعيان، ولا يكون الهروب من الماضي بداية الزمان، لنبقى أصدقاء أوفياء، حتى نتذكر أسماءنا عند اللّقاء، وتبقى قلوبنا عامرة بالصفاء، ولا يكون يتجرع من الفراق كشرب ماء، لنبقى أصدقاء في لحظات الفراق، حتى تصبح أيامنا الماضية رائعة فريدة، وتبقى ذكرياتنا خالدة مجيدة، وتكون أوجاع ماضينا قوافيها سعيدة، لنبقى أصدقاء بعد الفراق، حتى نتذكّر بعضنا بحنين وتبقى دموعنا بلا أنين ولا يكون موعد انفصالنا لسنين، لنبقى أصدقاء لآخر العمر حتى لا تشوّه سنوات عمرنا، وتبقى أيامنا خالية من عار فراقنا، لنبقى أصدقاء حتى بعد رحيلي، لتقول يوماً بسلام وداعاً يا أغلى إنسان.
الصَّداقة صِدقٌ؛ صدق مَشاعر، صدق أحاسيس، صِدق كلام، صِدق استماع، صِدقُ تفاعل، بداية الصَّداقة إعجاب لتوافقٍ من نوعٍ ما؛ عاطفي، نفسي، فكري، عقلي، ثمَّ تليها خطوات تتقارب متدرجة، وعند التقارب أكثر فأكثر تبدأ اللَّحظات الفارقة، تبدأ لحظات مكاشفة في لحظات هدوء، صفاء، اطمئنان، ثِقة، صِدق، يمكن القول أيضًا: إنَّها تأتي في لحظات ليس للزَّمن عليها من سبيل، وهنا يمكن فقط تسميتها بلحظة "سلام الأرواح"، وقَلَّما تتيسَّر هذه اللحظات في الزمان والمكان المناسبين في غمرة ضجيج الحياة ومشاغلها، هنا.. وهنا فقط، في زمن اللازمن، تُولد الصَّداقة، لتحتاج بعد ذلك لرِعاية وتعهُّد؛ كي تنمو وتكتمل مع مرور الزَّمن وتقلباتِ الأيام، بكلمات مقتضبة - ولكن مركَّزة - يتمُّ تمتين عُرى المودَّة، وتوثيق أواصِر الحب لله وفي الله، بلا رتوش ولا كذِب ولا زيف، وكِلا الصَّديقين يعرفان هذا بلا حاجة لدليل؛ فالقلوب هنا هي الدليل، نعم، القلوب هنا هي الدليل.
قصيدة إلى صديق هي للشاعر إيليا أبو ماضي، ولد أبو ماضي عام 1891م في قرية المحيدثة الواقعة في لبنان، وغادرها في سن الحادية عشر إلى الإسكندرية ثم انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان عضو في الرابطة القلمية، ومن دواوينه الجداول، وتذكار الماضي، والخمائل، أما قصيدته فقال فيها:
يا من قربت من الفؤاد
شوقي إليك أشدّ من
أهوى لقاءك مثلما
و تصدّني عنك النوى
وردت نميقتك التي
فكأنّ لفظك لؤلؤ
أشكو إليك و لا يلام
دهرا بليدا ما ينيل
و معاشرا ما فيهم
متفرّجين و ما التفرنج
لا يعرفون من الشجاعة
سيّان قالوا بالرضى
من ليس يصّدق في الوعود
نفر إذا عدّ الرجال
تأبى السماح طباعهم
أسخاهم بنضاره
جعد البنان بعرضه
و يخاف من أضيافه
تعس أمرئ لا يستفيد
و أرى عديم النفع ان