من أسباب التوفيق والبركة في التجارة

الكاتب: المدير -
من أسباب التوفيق والبركة في التجارة
"من أسباب التوفيق والبركة في التجارة

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

 

أما بعد: فالتجارة باب من أبواب الرزق، ومن عمل بالتجارة من المسلمين، فلا يشك أنه يرغب أن يوفق فيها وأن يبارك الله له، فالتاجر قد لا يوفق في تجارته، وقد يوفق ولا يبارك له، وقد يوفق ويُبارك له وهذا هو المغبوط، والتجارة قبل كل شيء توفيق من الرحمن، ثم بذل للأسباب، التي تكون بعد عون الله عز وجل من أسباب التوفيق في التجارة، والبركة فيها، ومن تلك الأسباب:

التجارة في الحلال:

فالتجارة في الحرام مهما ربح التاجر منها من أموال كثيرة، فإن تلك الأموال لا بركة فيها، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من يأخذ مالًا بحقه يُبارك له فيه، ومن يأخذ مالًا بغير حقه، فمثله كمثل الذي يأكل ولا يشبع »؛ [أخرجه مسلم]. فالمكتسب للمال من غير حله كمن تجارته في الحرام، فإن ماله لا بركة فيه، وقد يكون من أسباب عدم توفيقه في التجارة.

 

التبكير في التجارة:

عن صخر الغامدي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم بارك لأمتي في بكورها »، وكان صخر رجلًا تاجرًا، وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار، فأثرى وكثرُ ماله. [أخرجه الإمام الترمذي، وصححه العلامة الألباني برقم (968) في صحيح الترمذي].

 

ألاَّ تلهي التجارة عن طاعة الله:

قال الله عز وجل: ? فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ? [النور: 36 - 38].

 

وقال سبحانه وتعالى: ? يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? [الجمعة: 9].

 

فمن رغب التوفيق والبركة في التجارة فلا تلهيه تجارته عن طاعة الله، فالصحابة كانوا يعملون في التجارة، قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: كنت أبيع التمر في السوق. [أخرجه ابن ماجه].

 

وقال عبد الرحمن بن عوف: دلوني على السوق، فدلوه على السوق فذهب فاشترى وباع وربح. [أخرجه أحمد].

 

وعن أبي المنهال رضي الله عنه، قال: سألت البراء بن عازب، وزيد بن أرقم، فقالا: كنا تاجرين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. [أخرجه البخاري].

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنت أبيع الإبل. [أخرجه ابن ماجه].

 

ولم تلهيهم تجارتهم عن طاعة الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما، عنهم: كانوا تجارًا لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله [أخرجه الطبراني في الكبير].

 

وقد ورد أن صلاة ركعتين خير من التجارة، فقد جاء رجل فقال: يا رسول الله لقد ربحت ربحًا ما ربح اليوم مثله أحد من أهل هذا الوادي قال: (ويحك وما ربحت؟) قال: ما زلت أبيع وابتاع حتى ربحت ثلاثمائة أُوقية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أُنبئك بخير رَجُلٍ رَبِحَ) قال: وما هو يا رسول الله؟ قال: (ركعتين بعد الصلاة) [أخرجه أبو داود].

 

السماحة في البيع والشراء:

فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « رحم الله رجلًا سمحًا وإذا باع، وإذا اشترى وإذا اقتضى »؛ [أخرجه البخاري]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه الحضّ على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحة، والحض على ترك التضيق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم.

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن الله يحبُّ سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء ».[أخرجه الترمذي، وصححه الألباني برقم (1064) في صحيح الترمذي].

 

ومن أحبه الله عز وجل، ورحمه، وفقه في تجارته، وأغدق عليه من واسع فضله.

 

الصدقة والإنفاق في سبيل الله:

عن قيس بن أبي غزرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا معشر التجار، إن البيع يحضره اللغو، والحلف، فشوبوه بالصدقة »؛ [أخرجه أصحاب السنن، وصححه الألباني برقم (7974) في صحيح الجامع].

 

وفي رواية عند الترمذي: « يا معشر التجار، إن الشيطان والإثم يحضران البيع، فشوبوا بيعكم بالصدقة ». قال العلامة العثيمين رحمه الله: الصدقة لا تُنقص المال، وإن نقصته عددًا، فإنها تزيدُهُ بركةً، وحماية وكثير من الناس الذين ينفقون ابتغاء وجه الله، يجدون ذاك ظاهرًا في أموالهم بالبركة فيها، ودفع الآفات عنها، حتى أن الرجل يقول: كيف لم أنفق هذا الشهر إلا كذا، يتقالُّ ما أنفق؛ لأن الله أنزل فيه البركة، وبركة الله تعالى لا نهاية لها.

 

والصدقة لها فوائد كثيرة، ومنافع عظيمة، فهي تنمي المال، وتحفظه من الآفات، وهي من أسباب التوفيق في التجارة.

 

الصدق، وتقوى الله:

عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « يا معشر التجار » فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ورفعوا أعناقهم،وأبصارهم إليه، فقال: « إن التجار يبعثون يوم القيامة فُجارًا، إلا من أتقى الله، وبرَّ، وصدق »؛ [أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح].

 

وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بُورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا مُحقت بركة بيعهما »؛ [متفق عليه].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة »؛ [متفق عليه] فالحلف الكاذب، وإخفاء عيوب السلع، يمحق بركة البيع، ومن محقة بركة بيعه، سُلِبَ التوفيق في تجارته.

 

الشراكة في التجارة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إن الله تعالى يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهم»؛ [أخرجه أبو داود] قال العلامة السعدي رحمه الله: هذا الحديث بعمومه على جواز أنواع الشركات كلها...ويدل الحديث على فضل الشركات وبركتها إذا بُنيت على الصدق والأمانة، فإن من كان الله معه بارك له في رزقه، ويسَّر له الأسباب التي يُنال بها الرزق، ورزقهُ من حيثُ لا يحتسب، وأعانه وسدده،...فإن دخلتها الخيانة، ونوى أحدهما أو كلاهما خيانة الآخر، والاختفاء بما يتمكن منه، خرج الله من بينهما، وذهبت البركة، ولم تتيسر الأسباب، والتجربة والمشاهدة والتجربة تشهد لهذا الحديث.

 

التفقه في أحكام البيع والشراء:

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: « لا يبع في سوقنا إلا من تفقه في الدين »؛ [أخرجه الترمذي] فعدم معرفة التاجر بما يحلّ له، وما يحرم عليه في تجارته، قد يوقعه فيما حرم الله، فيحرم التوفيق والبركة في تجارته.

 

إعطاء الأجير أجره:

يتساهل البعض في إعطاء من يعملون لديهم أجورهم، وذلك ذنب عظيم ينبغي عدم التساهل به، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « إن أعظم الذنوب عند الله... رجل استعمل رجلًا فذهب بأجرته »؛ [أخرجه الحاكم، وحسنه الألباني برقم (1567) في صحيح الجامع].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة.. ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره »؛ [أخرجه البخاري] ومن كان الله عز وجل خصمه فالتوفيق بعيد عنه، فليحرص من رام التوفيق في التجارة على إعطاء الأجراء لديه أجرهم من حين استحقاقهم له، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه »؛ [أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني برقم (1055) في صحيح الجامع].

 

بر الوالدين وصلة الرحم:

عن حذيفة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من سره أن يبسط له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليصل رحمه »؛ [متفق عليه] من بر والديه، ووصل رحمه، بُسط له في رزقه، ومن بُسط له وفق في تجارته، وبورك له فيها.

 

سؤال الله البركة:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « اللهم اغفر لي ذنبي ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي »؛ [أخرجه الترمذي، قال الألباني: ضعيف، لكن الدعاء حسن] فالدعاء بالبركة في الرزق من أسباب التوفيق في التجارة.

 

اللهم وفق تجار المسلمين للتجارة فيما يرضيك عنهم، وبارك لهم فيها، واجعلها عون لهم على طاعتك.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook