من سبل الارتقاء بالدعوة إلى الله تعالى

الكاتب: المدير -
من سبل الارتقاء بالدعوة إلى الله تعالى
"من سبل الارتقاء بالدعوة إلى الله تعالى

 

إن المتأمل في أحوال الدعوة في المرحلة الثانوية، يعلم يقيناً أن الارتقاء بها يستغرق زمناً طويلاً، وأن التخلص من المعوّقات والمشكلات التي تراكمت في طريقها عبر سنوات؛ لا يمكن أن تزول بين يوم وليلة، لأن النهوض بالدعوة لا يحصل بالأعمال الارتجالية أو بالطفرات الحماسية من القائمين عليها، وإنما يحتاج الأمر إلى إخلاص واستعانة صادقة بالله، وإلى صبر وعزيمة وتأن، كما يحتاج إلى التزام جاد بالاستمرار في تطويرها والارتقاء بها.

 

وبعد بذل الأسباب المطلوبة لا يُنتظر أن يكون التغيير في أحوالها جذرياً، وأن تزول كل المعوّقات، لأن هذا أمر غير ممكن في واقع الدعوة إلى الله، ولكن يكفي أن يكون هناك عزيمة صادقة، وهمة عالية تثمرانِ تحسناً وتقدماً في بعض المجالات، وبالتالي ارتقاءً بالثمرة المرجوة، ومع ذلك سيظل هناك من المعلمات من لا تشعر بمسؤوليتها في الدعوة، وسيكون هناك طالبات يرفضن الاستجابة، كما ستبقى بعض الإدارات غير متعاونة، والإمكانات الضعيفة لن تنقطع شكوى المعلمات الداعيات منها، لأن الابتلاء ووقوع الأذى والمعوّقات هو سنَّة إلهية في طريق الدعوة.

 

والواجب على القائمين والقائمات على الدعوة أن يبذلوا وسعهم وما استطاعوا من سبل الارتقاء بالدعوة، ومن هذه السبل:

أولاً: إرشاد المعلمة الداعية والطالبة المدعوة إلى طرق تنمية قدراتها العقلية:

يولد الإنسان مزوداً بقدرات عقلية متنوعة كالذكاء وقدرة الحفظ والتعبير والتصور والتحليل، وغيرها من القدرات التي تساعده على فهم ما حوله، وتعينه على التعلم والتفاعل مع المجتمع، وكثير من هذه القدرات فطري قابل للتنمية والتطوير، ومن سبل الارتقاء بالدعوة في المرحلة الثانوية، إرشاد المعلمة أثناء إعدادها للدعوة، والطالبة عند دعوتها إلى الطرق التي تستطيع أن تنمي قدراتها من خلالها، كطرق القراءة العلمية، وطرق التحصيل العلمي، وتقوية الذاكرة، وطرق التعلم المتنوعة، غيرها من المهارات التي تحصل بها على أكبر قدر ممكن من المعلومات في أقل وقت وجهد، وبخاصة التوجيه إلى البحث العلمي، الذي يزيد قدرة المعلمة والطالبة على اكتشاف ما لديها من القدرات والمهارات، وبالتالي يجعلها تدرك الحقائق بوضوح بعد أن تصل إليها بنفسها، مما يكوّن عندها الثقة في الوصول إلى هذه الحقائق مع القدرة على التعبير عنها وإيصالها لغيرها[1].

 

ثانياً: الحرص على تمكُّن المعلمات الداعيات من استخدام الوسائل والأساليب الدعوية:

إن كفاءة المعلمة الداعية وتمكنها من الوسائل والأساليب الدعوية يأتي في مقدمة متطلبات نجاح وارتقاء الدعوة الإسلامية، حيث إن حسن اختيار الوسيلة والأسلوب يرتبط باعتبارات عديدة، فهو يرتبط بالداعية التي تملك مزيجا مركبا من الخبرات والمعارف المكتسبة، وقد أودع الله فيها قدرا من القدرات العقلية والمهارات المتنوعة التي تجعلها تختلف في سلوكها من وضع لآخر، ويجعلها تختلف عن زميلاتها اللاتي يحملن قدرات ومهارات أخرى، لذلك فمن المهم تناسب الوسيلة والأسلوب المراد استخدامهما لمهاراتها وقدراتها.

 

كما يرتبط بالطالبة من جانب مراعاة الفروق الفردية، حيث تختلف الطالبات اختلافاً كبيراً سواء في تفاعلهنّ مع الوسائل المستخدمة، أو من حيث الحاسة الإدراكية التي تصل لها المعلومة عن طريقها، فمن الطالبات من تتمكن من الاستيعاب عن طريق الوسائل البصرية، بينما تستوعب فئة أخرى بشكل أفضل عن طريق الوسائل السمعية، ومنهنّ من تستوعب عن طريق التطبيق العملي والأداء الجسدي وهكذا، وبعضهنّ تميل إلى الأساليب العقلية والإقناع، وأخريات يتميزن بالعاطفة القوية والتأثر بالموعظة الحسنة، وهناك اللماحة التي تستطيع قراءة ما بين السطور وتفهم الإيحاء.

 

وترتبط كذلك بالموضوعات الدعوية، فهناك موضوعات الدعوة النظرية، التي لها أساليب ووسائل تتلاءم معها، وبعض الموضوعات تحتاج إلى التطبيق العملي، ولا يخلو موضوع من مواضيع الدعوة من إمكانية استخدام الوسائل والأساليب المساعدة من حوار ومناقشة وقراءة أو استخدام التسجيلات السمعية والبصرية وغيرها.

 

وحتى يتم الارتقاء بالدعوة لا بد أن تأخذ الداعية بعين الاعتبار عند اختيارها للوسيلة والأسلوب بعض الأمور المهمة مثل: درجة احتياجها لهذه الوسيلة أو الأسلوب، تحديد الهدف من اختيار هذه الوسيلة بعينها، توافرها وإمكانية الحصول عليها، التأكد من صلاحيتها وكفاءتها، مراعاة الوقت المخصص لها، مدى مساهمتها في إثراء العملية الدعوية وغيره[2].

 

ثالثاً: توسيع قاعدة القائمات بالدعوة إلى الله:

إن توسيع قاعدة القائمات بالدعوة إلى الله يساعد على الارتقاء بالدعوة، حيث يغرس في نفس كل مسلم ومسلمة أن الإنسان لا يكفيه أن يكون صالحاً في نفسه؛ بل عليه أن يكون مصلحاً دائم الاهتمام بكل ما حوله، وأن يبني نفسه علمياً وإيمانياً ليرفع من مستوى أفراد هذه الأمة التي ينتمي إليها، وليحمل هم الدعوة والإصلاح لمن حوله، و (من المعروف - على نحو عام - أن كثرة المشتغلين والمهتمين بأي مهنة من المهنّ أو مجال من المجالات؛ يساعد على ارتقائه ونموه، حيث تكثر الأفكار الإبداعية، وتشتعل المنافسة وتكثر الخيارات)،[3] ولا تشذ الدعوة في المرحلة الثانوية عن هذه القاعدة، فكلما أمكن غرس الاهتمام بأمور الدعوة في نفوس القائمات بتعليم الفتيات وتربيتهنّ، كلما اتسعت قاعدة المهتمين والمهتمات بأمر الدعوة، وكثرت أعدادهم، وأمكن جذب فئات اجتماعية فعّالة للمشاركة، وارتقت الدعوة وتمكنت من حل مشكلاتها بطريقة أفضل.

 

ومن الأمور التي تقوي الرغبة في القيام بالدعوة وتحمل مسؤولياتها إيجاد الحافز الذاتي في نفس المعلمة، والحافز الذاتي هو: (القوة الداخلية في الإنسان، المحركة لعواطفه، والموجهة لإرادته، والدافعة له حتى يمارس سلوكا معينا داخليا أو خارجيا) [4]، ويثمر الحافز الداخلي للدعوة إلى الله، البذل في سبيل نصرة الدين، واحتمال المشاق في سبيل الله، وزيادة الإيمان بالله واليقين باليوم الآخر، (فمتى بُنيت القاعدة الإيمانية الإسلامية في أعماق كيان الإنسان؛ استطاعت هذه القاعدة أن تهيمن على فكره وقلبه وعواطفه وإرادته، وأن تعمل على ربط إرادته بما يرضي الله تعالى)[5]، ولا يخفى ما للإرادة الإيمانية عند الإنسان من تأثير قوي على أفعاله وسلوكه، وطلبه لمرضاة ربه، حيث إن الحافز الذاتي الذي يتولد عن الإيمان بالله واليوم الآخر حافز مؤثر فعّال جداً في دفع المعلمة إلى فعل الخير والتمسك به، وهو حافز محرك، ورقيب ذاتي يصاحب الداعية بشكل دائم، فهو معها في كل أوقاتها وفي جميع أحوالها، لأنه يوجه العقل بالحق والبرهان من الله، ويقبض على ناصية القلب بعاطفة محبة الله، وابتغاء رضاه والثقة بحكمته، كما يمسك بزمام النفس ليوصلها إلى مرتبة الإحسان، ويجعلها من السابقين في الخيرات بإذن الله[6].

 

رابعاً: تبادل التجارب والأفكار مع الداعيات الأخريات:

إن استفادة الداعية من تجارب الداعيات الأخريات سواء في المدارس الثانوية أو في غيرها، بالإضافة إلى تجاربها الخاصة دليل على حكمتها وكمال عقلها، وصقل لمهاراتها وقدراتها، وحفظ لوقتها وجهدها أن يضيعا؛ لأنها إذا عرفت نتائج التجربة أفادها ذلك تجنب تكرار الأخطاء، والإفادة من الصواب، كما يفيدها في التخطيط للمستقبل وحسن التصرف فيما يجدّ عليها من أحوال، فالحكيمة من جرّبت الناس وخالطتهم؛ وعرفت طبائعهم طيبها وسقيمها، فأحسنت التعامل معها، وأدركت الأمور فعلمت المصالح والمفاسد و نفعها من ضررها، فلا تفعل شيئا إلا عن حكمة[7]، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم : ((لا يُلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين))[8]، (معناه: ولا ينبغي للمؤمن إذا نُكب من وجه أن يعود إليه)[9]، فالتجربة هي التي تظهر الأمور على حقيقتها، حيث يظهر معدن الداعية ومؤهلاتها وجدارتها حين تمر بالتجربة وتستفيد منها.

 

ومن الممكن أن يكون تبادل الأفكار والتجارب عن طريق اجتماعات دورية تعقد بين الداعيات، أو عن طريق لقاء شهري أو فصلي في مكتب الإشراف التربوي أو في الإدارات المعنية بإصلاح وتوجيه الطالبات، أو عن طريق تسجيل هذه التجارب والخبرات الدعوية في مذكرات تنشر على شكل كتيبات، أو عن طريق موقع الكتروني مشترك بين المدارس.

 

خامساً: تحفيز وتشجيع المعلمة الداعية على الارتقاء بنفسها:

من سبل الارتقاء بالدعوة: الارتقاء بالمعلمة الداعية ذاتها، عن طريق التجديد والإبداع في أساليب خطابها وفي نوع وحجم معلوماتها، فهذا يولد في نفس الطالبة الثقة فيها وأن لديها شيئا جديدا مفيدا تشوقها به للإصغاء لها ولاتباع نصحها، ومن وسائل تطويرها لنفسها التحاقها بالبرامج والدورات التدريبية التطويرية التي تنمي مهاراتها، وتصقل مواهبها، وتقوم إدارة التدريب – حالياً - بتقديم العديد من الحوافز المعنوية والمادية للمشاركات في التدريب، من أجل تشجيعهنّ على المشاركة في الدورات، وزيادة حرصهنّ على الاستفادة من هذه الدورات، ومن ذلك ما يأتي:

1- توثيق البرامج التدريبية من خلال سجل خاص بالنمو الوظيفي والمهني، يدوّن به معلومات وافية عن البرامج التدريبية التي شاركت بها المعلمة المتدربة.

 

2- التنويع في البرامج التدريبية وفق الحاجات الفعلية المبنية على تحديد الاحتياجات التدريبية.

 

3- اعتماد البرامج التدريبية في المفاضلة في حالات: تنقلات المعلمات، الترشيح لمناصب قيادية، الترشيح للابتعاث للدراسة، التفرغ لمواصلة الدراسات العليا.. وغيره.

 

4- تفعيل نظام الحصول على درجات إضافية عن طريق تراكم ساعات التدريب للبرامج المعتمدة.

 

5- تطبيق لائحة التدريب من مكافآت واستحقاقات مالية[10].

 

إن تكريم المعلمات النشيطات في أداء مهامهنّ الدعوية والتربوية أمر ضروري للارتقاء بالدعوة، حيث إن الإنسان مهما بلغ من مكانة وعلم ونجاح يظل بحاجة دائمة إلى التقدير والتشجيع.

 

سادساً: توجيه العناية الكافية لتدريب المعلمة الداعية:

يشكل التدريب مدخلاً رئيساً إلى تحسين إمكانات القائمات بالدعوة، وتطوير أدائهنّ، وهو الوسيلة الفعّالة في بلوغ الدعوة أهدافها، وهو ضروري جدا للارتقاء بالدعوة لأنه يُكسب المعلمة الداعية المتدربة ثقة في نفسها، وقوة في انطلاقتها لم تكن تجدها في نفسها، فالمرء مجبول على الخوف مما يُوكل إليه، ويحسب لذلك حسابات متعددة، فإذا دُربت المعلمة على ما كلّفت به زال ما في نفسها من تخوف، وأقبلت راضية على عملها ودعوتها[11]، والتدريب الدعوي يشمل أمورا كثيرة تحتاجها الداعية، مثل: التدرب على الوعظ و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتدرب على تحضير الموضوعات وإلقائها، والتدرب على مواجهة المواقف الحرجة التي تتطلب ردة فعل متزنة، والتدرب على الاستفادة من الأوقات والمواقف المتنوعة، والتدرب على الاستفادة من التقنيات المعاصرة كالحاسب الآلي ووسائل العرض والإنترنت[12]... إلى غير ذلك مما ينمي شخصية الداعية ويكسبها المهارات الدعوية.

 

سابعاً: تنظيم الدورات الدعوية، والمؤتمرات العلمية الخاصة بالدعوة في المدارس:

من معوّقات الدعوة أن تتقادم المعلومات التي تكون بحوزة المعلمة الداعية قبل انخراطها في العمل الدعوي مع مرور الأيام، ويضيق نطاق المعرفة لديها، وتحتفظ بالحد الأدنى الذي يساعدها على أداء مهمتها بشكل قاصر، أو شبه مقبول، بل ويتسم بالرتابة والتكرار مما يقتل روح الإبداع والتجديد والاستمتاع بالعمل، لذلك فإن من وسائل تجنب هذا المعوّق والارتقاء بالدعوة؛ تنظيم الدورات العلمية والمهارية المتنوعة للمعلمة، وإقامة المؤتمرات العلمية على المستوى المحلي والدولي، وإقامة الحلقات التنشيطية الخاصة بالإدارات العاملة في الدعوة، وغيرها من البرامج التي يمكن تنفيذها بشكل دوري فصلي أو سنوي، وتشجيع المعلمات الداعيات في المدارس على حضورها لما يرتجى لها من أثر إيجابي في إكسابها المهارات الدعوية الجديدة وصقل خبراتها القديمة، وإنعاش ما لديها من معلومات حول الدعوة، إضافة إلى تقويم وتطوير الأنشطة الدعوية في المدارس، وخاصة التي تهتم بتطوير القائمات بالدعوة فيها.




[1] ينظر: جوانب التربية الأساسية: د. مقداد يالجن ص 136-137.

[2] ينظر: المدخل إلى التقنيات الحديثة في الاتصال والتعليم: د. مصطفى فلاتة ص 63-71.

[3] بناء الأجيال: د.عبد الكريم بكار ص 199.

[4] الأخلاق الإسلامية وأسسها: عبد الرحمن الميداني 1/ 202.

[5] المرجع السابق ص 202.

[6] ينظر: المرجع السابق ص 203.

[7] ينظر: تحفة الأحوذي 6/ 182.

[8] صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، ح6133 (فتح الباري 10/ 529).

[9] فتح الباري 10/ 530 .

[10] ينظر: دليل التدريب التربوي والابتعاث ص 10.

[11] ينظر: حول التربية والتعليم: د. عبد الكريم بكار ص 325، والتدريب وأهميته في العمل الإسلامي: د.محمد موسى الشريف ص 33، دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع، جدة، ط:2، 1422هـ/ 2001م.

[12] ينظر: التدريب : د. محمد الشريف ص 106-193.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook