من صفات عباد الرحمن: لا يدعون مع الله إلها آخر

الكاتب: المدير -
من صفات عباد الرحمن: لا يدعون مع الله إلها آخر
"من صفات عباد الرحمن
لا يدعون مع الله إلها آخر




الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:

فإن من صفات عباد الرحمن المذكورة في سورة الفرقان أنهم لا يدعون مع الله أحدًا غيره.

 

قال تعالى: ? وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَ?هًا آخَرَ ? [الفرقان: 68].

 

قال السعدي - رحمه الله -: بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه.

 

أيها الأحبة الكرام:

إخلاص العبادة لله هو سبيل النجاة الوحيد، لأن أعظم هلاك وأعظم ظلم وأعظم افتراء هو الوقوع في الشرك بالله تعالى، قال سبحانه: ? إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ? [لقمان: 13].

 

وقال سبحانه: ? وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ? [النساء: 48].

 

وعن عبد الله ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندًا وهو خلقك.

 

وقد كانت وظيفة جميع الأنبياء الأولى أمر الناس بالتوحيد وتحذيرهم من الشرك قال تعالى: ? وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ? [الأنبياء: 25].

 

أيها الأحبة في الله:

من وقع في الشرك بالله فعبد غيره أو عبد مع الله غيره، لم ينفعه عمل صالح، لأنه لا يُقبل مع الشرك عمل، ولذلك لم ينج من النار أبا طالب مع أنه ناصر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أصرَّ على البقاء على الشرك وعبادة الأوثان حتى فارق الدنيا.

 

ولو كان الإنسان كان مؤمنًا بالله موحدًا يعمل أعمالًا صالحة، ثم وقع في الشرك فالشرك سيحبط كل ما قدمه من أعمال صالحة، ولو كان نبيًا مرسلًا، أو وليًا صالحًا.

 

قال سبحانه: ? وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ? [الزمر: 65].

 

أيها الأحبة..

البراءة من الشرك تكون بتحقيق الإخلاص لله تعالى في كل عبادة وتحقيق معنى شهادة أن لا إله إلا الله وهو الإيمان الجازم أنه لا معبود بحق إلا الله.

 

وتحقيق مقتضاها وهو إفراد الله تعالى في الألوهية والربوبية وأسماءه وصفاته.

 

قال سبحانه: ? وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ? وَذَ?لِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ? [البينة: 5].

 

كان الناس قبل الإسلام في جاهلية عمياء يعبدون الحجر والشجر، يعبدون الصنم المصنوع من التمر ويأخذوه معهم في أسفارهم فإذا جاع أحدهم أكل إلهه.

 

روى البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي قال: يقولُ: ((كُنَّا نَعْبُدُ الحَجَرَ، فَإِذَا وجَدْنَا حَجَرًا هو أخْيَرُ منه ألْقَيْنَاهُ، وأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِن تُرَابٍ، ثُمَّ جِئْنَا بالشَّاةِ فَحَلَبْنَاهُ عليه، ثُمَّ طُفْنَا به)).

 

فهذه بعض صور الشرك التي يلغى فيها تحكيم العقل.

 

وورد في سبب إسلام الصحابي راشد بن عبدالله ويقال له راشد بن عبدربه، قال ابن حجر في الإصابة : ورواه أبو حاتم بِسَند له وفيه: أنه كان عند الصنم يومًا إذ أقبل ثَعْلَبان فرفع أحدهما رجله فبال على الصنم! وكان سادنه وكان اسمه قبل أن يسلم غاوي بن ظالم، فأنشد:

أربٌّ يبول الثُعلُبان برأسه *** لقد هان من بالت عليه الثعالب

 

ثم كسر الصنم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أنت راشد بن عبد الله.

 

وما زالت عبادة الأصنام قائمة في كثير من البلدان بل وتعبد أنواع حقيرة من المخلوقات حتى عبدت الفئران نسأل الله السلامة.

 

وكما أن عبادة الأصنام شرك بالله فكذلك صرف أي نوع من العبادات لغير الله شرك، كالطواف بالقبور والاستغاثة بالأموات ودعائهم، والذبح لغير الله وغيرها من العبادات.

 

قال سبحانه: ? ذَ?لِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ? وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ * إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ? وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ? وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ? [فاطر: 14].

 

أيها الأحبة في الله:

من الشرك الذي ما زال موجودًا إلى يومنا هذا تصديق الكُهَّان والعرافين والمشعوذين الذين يدَّعون علم الغيب وحقيقة أمرهم أنهم كاذبون دجالون يأكلون أموال الناس بالباطل ويستعينون بالشياطين.

 

وللأسف يصدقهم بعض المسلمين فيفسدون عقيدتهم، ويحبطون أعمالهم، يشترون الكفر بأموالهم، فمنهم من يطلب من المشعوذ أو الساحر أن يشفي مريضه، ومن النساء من تلجأ إلى المشعوذ لتنجب لأنها عقيم وغير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله وترى من يستعين بالعراف ليدله على شيء مفقود، أو ليخبره عن المستقبل الذي لا يعلمه إلا الله، قال تعالى: ? قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ? [النمل: 65].

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أتى عرَّافًا أو ساحرًا أو كاهنًا فسألَهُ فصدَّقَهُ بما يقولُ فقد كفرَ بما أنزلَ على محمَّدٍ»؛ صححه الألباني.

 

ومن ذلك تصديق خرافات الأبراج التي تنشر في بعض الصحف العربية فيصدقها بعض الناس، فهذه من الكهانة التي من اعتقد أن لها تؤثر على حياته وتصرفاته فقد أشرك بالله تعالى.

 

ولو سأله ولم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يومًا كما جاء فيما رواه الامام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن أتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عن شيءٍ، لَمْ تُقْبَلْ له صَلاةٌ أرْبَعِينَ لَيْلَةً).

 

ومن الشركيات الموجودة تعليق التمائم والحروز والخيوط ولبس الحلق بقصد دفع الضر أو جلب النفع، وقد حذر من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ونهى عنه وأخبر أنه شرك بالله فقال: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك).

 

ومن الشرك طاعة مخلوق في تحليل الحرام أو تحريم الحلال، لأن التحليل والتحريم من خصائص الله تعالى، قال تعالى:

? اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّه ? [التوبة:31]. عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال يا عدي اطرح عنك هذا الوثن، وسمعته يقرأ في سورة براءة: ? اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ?. قال أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئًا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه). رواه الترمذي وحسنه الألباني.

 

قال العلامة الشنقيطي في أضواء البيان عند قوله تعالى: ? وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ? [الشورى: 10]: (فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: ? وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا ? [الكهف: 26].

 

أيها الكرام:

إن عواقب الشرك بالله تعالى وخيمة، وآثاره خطيرة مهلكة.

 

فالشرك بالله لا يغفره الله إذا مات صاحبه ولم يتب منه، قال الله عز وجل: ? إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ? [النساء: 48].

 

• الشرك يحبط جميع الأعمال، قال تعالى: ? لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ? [الزمر: 65].

 

• الشرك يوجب الله لصاحبه النار ويحرم عليه الجنة، قال الله عز وجل: ? إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ? [المائدة: 72] وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار.

 

• الشرك يخلد صاحبه في النار، قال الله عز وجل: ? إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ? [البينة: 6].

 

• الله تعالى بريء من المشركين ورسولُهُ صلّى الله عليه وسلّم، قال عز وجل: ? وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ? [التوبة: 3].

 

أيها الأحبة الكرام:

من الشرك بالله الحلف بغير الله وهو وإن كان ليس مخرجًا من الملة إلا أنه من كبائر الذنوب، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حلفَ بغيرِ اللهِ فقد كفرَ أو أشركَ))؛ صححه الألباني في الإرواء.

 

وما أكثر من يحلفون بغير الله كمن يحلف بالنبي والكعبة والنعمة وبرأس الابن وبالأمانة وغير ذلك من المخلوقات.

 

فلنحذر من الحلف بغير الله لأنه من التعظيم الذي لا يجوز إلا لله تعالى.

 

ومن الشرك الذي حذر منه نبينا صلى الله عليه وسلم الرياء الذي سماه الشرك الخفي، وهو أن يعمل العمل الإنسان العمل الصالح ليراه الناس، أو ليثنوا عليه إذا علموا به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ أَخْوَفَ ما أَخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ، الرِّياءُ، يَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالِهِم: اذهَبوا إلى الَّذين كنتُم تُراؤُون في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدون عندَهُم جَزاءً؟)؛ صححه الألباني في صحيح الترغيب.

 

وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج علينا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ ونحنُ نتذاكرُ المسيحَ الدجالَ فقال:(ألَا أُخبركم بما هو أخوفُ عليكم عندي من المسيحِ الدجالِ قال قلنا بلى فقال الشركُ الخفيُّ أن يقومَ الرجلُ يُصلي فيُزيِّنُ صلاتَه لما يرى من نظرِ رجلٍ)؛ صححه الألباني في المشكاة وغيرها.

 

أما إذا عَمِل المسلم العملَ لله خالصًا، ثم أثنى عليه الناس، ففرح، واستبشر؛ فلا يضرَّه ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ فقال: تلك عاجلُ بُشرى المؤمن؛ (أخرجه مسلم).

 

فاحذر يا عبد الله أن تقع في الشرك بالله وأخلص جميع أعمالك الصالحة لله وحده لتفوز بجنة الخلد وتنجو من نار تلظى..

اللهم أحينا على التوحيد وتوفنا عليه، واحشرنا في زمرة الموحدين.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.


"
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook