هم خير البشر بعد الأنبياء والرّسل عليهم السلام، اصطفاهم الله -عزّ وجلّ- لصحبة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- لعلمه بصفاء أنفسهم وصدق قلوبهم وقوّة إيمانهم، حيث إنّهم بذلوا الغالي والنفيس لنشر دعوة الإسلام، وكان رسول الله شاهداً على صدقهم وعزمهم وتضحياتهم، فقال عنهم: (لا تسُبُّوا أصحابي فوالذي نفسي بيدِه لو أنَّ أحَدَكم أنفَق مِثْلَ أُحُدٍ ذهَباً ما أدرَك مُدَّ أحَدِهم ولا نَصِيفَه)، بالإضافة إلى حبّ الله -تعالى- لهم ورضاه عنهم، حيث قال: (وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ)،والصحابة منهم المهاجرين والأنصار، ويُمكن القول بأنّ الذين أسلموا قبل فتح مكّة ثمّ هاجروا إلى المدينة المنورة مع رسول الله وتركوا أهلهم وأموالهم وبلادهم من أجل نصرة الدين ونشر الإسلام هم المهاجرين، وأمّا الأنصار فهم سكان المدينة الأصليين الذين استقبلوا رسول الله وآووه ونصروه، وأحبّوه محبةً صادقةً وأحبّوا إخوانهم المهاجرين وآثروهم على أنفسهم، فكانوا أحبّ الناس إلى قلب رسول الله، حيث قال: (لولا الهجرةُ لكنتُ امرَءاً منَ الأنصار، ولو سلَك الناسُ وادياً أو شِعباً لسلَكتُ واديَ الأنصارِ وشِعبَها).
هو سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأشهليّ، وأمّه هي كبشة بنت رافع، يُكنّى بأبي عمرو، وكان سيد الأوس، وكان أيضاً طويل القامة ومن أعظم الناس خِلقة وأجملهم خُلقاً.
عندما بعث الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- مصعب بن عمير إلى المدينة ليدعوا الناس إلى الإسلام أقام عند أسعد بن زرارة، وفي أحد الأيام خرجوا إلى بني عبد الأشهل ليدعوهم إلى الإسلام، وكان سيّدهم سعد بن معاذ، فلمّا سمع سعد بالأمر أخذ حربته ثمّ توجّهه نحوهم، فلمّا أقبل قال أسعد لمصعب: (قد جاءك والله سيد قومه إن يتبع لن يتخلّف عنك منهم أحد)، فلمّا دخل عليهم سعد قال لأسعد بن زرارة : (والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره)، فقال مصعب لسعد بن معاذ: (أو تقعد فتسمع فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره)، فقال سعد: (أنصفت)، ثمّ اتكأ على حربته وجلس، فدعاه مصعب للإسلام و قرأ عليه القرآن، فقال: (والله لقد عرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلّم، من إشراقه وتهلله)، فقال سعد: (كيف تفعلون إذا أسلمتم؟) فقال مصعب وأسعد: (تغتسل ثمّ تشهد الشهادتان وتصلّي ركعتين)، ففعل ذلك ثمّ انطلق مُسرعاً إلى قومه فلمّا رأوه قالوا: (والله لقد جاءكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به)، فقال لهم سعد: (يا بني عبد الأشهل كيف ترونني فيكم؟) قالوا: (سيدنا وأعلمنا وأحبّ الناس إلينا)، فقال لهم: (إنّ كلام رجالكم ونسائكم حرام عليّ حتى تؤمنوا بالله ورسوله)، فما بات منهم أحد مشرك، إلّا رجل واحد أسلم يوم أحد.
زخرت حياة الصحابي سعد بن معاذ بالعديد من البطولات، منها:
استشهد سعد بن معاذ بعد أن بلغ من العمر 37 عام، حيث إنّه أُصيب بجرح جرّاء سهم أُلقي عليه في غزوة الأحزاب، فدعى الله إن كان هناك للحرب بقيّة أن يبقيه حيّاً حتى يجاهد قريش، وإن كانت المعركة قد انتهت أنّ يقبضه شهيداً، وألّا يميته حتى يُقرّ عينه من بني قريظة لأنّهم خانوا العهد، ثمّ ما لبثت الحرب أن وضعت أوزارها، ومكّن الله المسلمين من بني قريظة، فاستجاب الله دعاء سعد، ليحكم على بني قريظة لما نزلوا على حكمه ثمّ مات شهيداً، فقال رسول الله يوم وفاته: (إنَّ العرشَ اهتزَ لمَوتِ سعدٍ فرحاً بهِ).، ثمّ دُفن في البقيع.
موسوعة موضوع