مهنة الزراعة في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
مهنة الزراعة في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية

مهنة الزراعة في منطقة نجران في المملكة العربية السعودية.

 
كانت الزراعة هي المهنة الرئيسة في منطقة نجران، وكان معظم الناس يمارسونها في الماضي، وكانت تساعدهم على امتهان الزراعة خصوبة الأرض وتوافر المياه، والدليل على ذلك انتشار واحات النخيل في أمكنة متفرقة من المنطقة، وانتشار المزارع على ضفاف الأودية. وكانت الزراعة هي السبيل الوحيد لتوفير احتياجات الناس من المواد الغذائية، فالاستيراد والتصنيع لم يكونا معروفَين إلا في العقود الأخيرة، وتحديدًا مع بداية القرن الخامس عشر الهجري/الحادي والعشرين الميلادي. وكان أهالي نجران يزرعون القمح والشعير والذرة وغيرها معتمدين على ما يُنـزله الله - سبحانه وتعالى - من السماء من أمطار، وما يتوافر في الآبار من مياه تبعًا لذلك، إذ إن كميات الأمطار كبيرة، وتهطل مرات متعددة في السنة.
وكانت الزراعة تُمارَس بطرق بدائية معتمدة على جهد الإنسان والحيوان وعلى الأدوات البسيطة المصنوعة محليًا، ونستعرض فيما يأتي بعض العمليات المتعلقة بالزراعة قديمًا:  
 
أ - الري:
 
وكان الري يتم بوسائل متعددة، منها:
 
1 - مياه الأمطار والسيول:
 
فبعد نـزول المطر يحرث الفلاح الأرض مستخدمًا (العوامل) وهي الحيوانات التي تُستخدم في الحرث، وبعد الحرث ونثر البذور تنتهي مهمة الفلاح إلى أن يحين وقت الحصاد، وكل ما عليه هو مراقبة المزروعات وحمايتها من الدواب والحيوانات المختلفة كيلا ترعاها. وهذا النوع من الزراعة يُسمى (العثري) ويعني الزراعة المعتمدة على مياه الأمطار، وتقابله في بعض البلدان العربية كلمة (البعلي).
 
أما فيما يخص السيول فقد كان للمزارعين في كل قرية ما يُسمى بـ (المنشى) الذي يتعاونون في إقامته على ضفاف الوادي كي يسهل دخول مياه الأمطار عندما يسيل الوادي إلى مزارع القرية بطريقة تروي أرضهم ولا تضرهم، وبعد أن تمتلئ المزرعة التي يصب فيها (المنشى) يفيض الماء إلى المزرعة التي تليها... وهكذا حتى ترتوي جميعًا إذا كان السيل كافيًا وغزيرًا.
 
2 - مياه الآبار: 
 
وتُستخرج بوساطة الإبل أو الأبقار، وفي المواسم يبدأ استخراج الماء من الآبار من الصباح الباكر، وقد يستمر إلى منتصف الليل. وإذا كانت البئر مشتركة بين عدد من الأشخاص فقد جرى العرف على أن يوجد اتفاق يعطي لكل فرد مدة محددة حسب مساحة أرضه، وغالبًا ما تكون تلك الاتفاقات مدونة في وثائق تتوارثها الأجيال كابرًا عن كابر، ويجب على كل مشارك أن يتقيد بحصته ولا يتعدى المدة المخصصة له؛ لأنه عندما يتجاوزها قد تحدث مشاجرات وقد يقود ذلك إلى الاقتتال.
 
وأكثر الآبار القديمة في المنطقة مطوية من الداخل بحجارة يتم جلبها من الجبال، ويتم بناء البئر من الداخل بتلك الحجارة، ويُسمى ذلك (الطي)، ومعظم الآبار يُطوى بطريقة دائرية أو مربعة، ومعظم قرى المنطقة فيها آبار مطوية لا يعرف أحد - في الغالب - متى حُفر معظمها.
 
ب - الحرث:
 
يحرث الفلاح أرضه مستخدمًا الثيران - بعد أن يضع عليها ما يُسمى بـ (الشرع) وهي الأدوات التي تُوضع لضم الثورين أحدهما إلى الآخر - والمحراث وما يتصل به من أدوات.
 
ج - الدياسة (الكوايد):
 
بعد أن ينضج الزرع يُحصد بـ (المحاش؛ جمع محش) ويُنقل على ظهور الدواب، ويُجمع في مكان خاص يُسمى (المجرن) لإجراء عملية فصل الحبوب عن سوقها وعن سنابلها، وتُسمى هذه العملية بـ (الدياسة) وتُسمى كذلك بـ (الكوايد)؛ إذ يُنشر الحصاد في المجرن إلى أن يجف تمامًا ويصبح يابسًا، ويأتي الفلاح بدابتين أو بدابة واحدة ويربط في جنبيها حبلين يجتمعان في المؤخرة حيث تُربط بهما - عندما يجتمعان - قطعة من جذع نخلة، وتسير الدابة بشكل دائري فوق الحصاد المنشور سواء كان قمحًا أو شعيرًا أو غيرهما، وتستمر عملية الدوران والتقليب إلى أن يرى الفلاح أن الحبوب قد انفصلت وأصبحت جاهزة للمرحلة التالية من التصفية والتنقية.
 
ثم ينتظر الفلاح وأفراد أسرته هبوب الرياح ويرفعون ما تمت دياسته إلى أعلى، ويقومون بهذه المرحلة فرادى، وأحيانًا يتقابل اثنان من أفراد الأسرة ويحملان كمية من التبن المخلوط بالحب ويُعرَّض للرياح التي تحمل التبن بعيدًا، فيسقط الحب إلى أسفل لثقله.
 
بعد ذلك تأتي مرحلة الغربلة؛ وهي التصفية باستعمال الغربال  الذي لا يسمح إلا للحبوب بالتساقط، أما بقايا السنابل فتبقى فيه، وتحمل الرياح التبن بعيدًا عن مكان تجمُّع الحبوب. ويجمع الفلاح أو أحد أفراد الأسرة بقايا السنابل وتُضاف إلى الدياسة القادمة، أو تُدق بهراوة حتى تنفصل الحبوب عن أغلفتها وتُعاد غربلتها.
 
د - خدمة النخيل:
 
يشتهر وادي نجران بخصوبته، ولهذا تكثر فيه مزارع النخيل التي تنتشر على ضفتيه الشمالية والجنوبية، مشكِّلةً لوحة فنية أبدعها الخالق سبحانه وتعالى. وزراعة النخل في نجران قديمة قِدَم نجران نفسها، وتوجد أنواع متميزة من تمر وادي نجران. ونجران هي المنطقة الوحيدة تقريبًا التي لا يُسقى فيها النخل؛ ويعزو بعضهم ذلك إلى توافر المياه في الوادي، ووصول جذور النخل إليها وأخذ كفايتها منها.
 
يخدم الفلاح نخيله، ويسقيه، ويسمده في أوقات السماد. أما من يلقِّح النخل ويقطع ثماره فهو شخص يُسمى (الطبَّان) أي خادم النخل، وربما كان معناها طبيب النخل والقائم على العناية به، وهذا الشخص يتولى تلقيح النخل بما يُسمى (التفخاط) وهو ثمرة الفحل من النخل، ثم بعد فترة يرتب العذوق بطريقة تُسمى (التعدال)، فيربط كل عذق بما يليه من سعف النخلة، وبعد أن ينضج التمر يقوم بعملية تُسمى (القطيع) وهي قَطْع العذوق من النخلة، ويستخدم في تلك العملية عددًا من الحبال ليتمكن من تسلق النخلة وإنـزال الثمار منها بعد قطعها بأداة حديدية حادة تُسمى (المسلي)  ، أما أجرة هذا الشخص فكانت قديمًا (عذقًا) واحدًا من كل نخلة، أما في العقود المتأخرة فأصبح يأخذ (عذقين) أو أكثر؛ لقلة من يمارس هذا العمل وارتفاع مستوى معيشة الناس، مما جعل المزارع يستغني عن أكثر من عذق في سبيل أن تستمر مزرعته في الإنتاج، ويُسمى العذق أيضًا في منطقة نجران (المطو).
 
ومن المتعارف عليه في المنطقة أن لكل مزارع طبَّانًا، وقد يشترك أكثر من مزارع في طبَّان واحد، وذلك حسب كثرة النخل وقلَّته، وفي آخر يوم للحصاد (القطيع) كان هذا الطبَّان يصعد إلى أعلى أطول نخلة في المزرعة، والتي لا تزال ثمارها فيها لم تُقطف، ولا بد أن تكون ذات ثمار كثيرة وجيدة، ثم يرفع الصوت وهو في أعلاها ويقول: (البيضاء لله ثم لآل فلان في طبَّانهم)، ومن هذه النخلة لا بد أن يأخذ الطبَّان أكثر من (مطو) واحد، وتنتهي بهذا الإعلان التشريفي عملية جني ثمار النخيل.
 
هـ - حماية المحصولات والمزارع:
 
وتُسمى بـ (الشراحة) ومن يمارسها يُسمى (الشارح)، ويُقام له محل وسط المزرعة ذات المحصول الذي يكون عرضة لأكل الطير، وبخاصة الذرة بأنواعها المختلفة، ومن ذلك المكان يراقب المارة، ويحمي المحصول من الطيور بما يُسمى بـ (المضياف) ويُسمى في مناطق أخرى بـ (المقلاع)، وهو أداة تُصنع من ليف النخل وتُلوى بطريقة جيدة، وتُوضع في وسطها حجارة صغيرة أو متوسطة، ثم يُلوَّح بها في الهواء لإعطائها قوة دفع ثم يُطلق أحد طرفيها لتنطلق الحجارة إلى أهدافها، والغرض من ذلك هو إخافة الطيور وليس قتلها، ويجب أن يكون حجم الحجارة مناسبًا كيلا تتسبب في تكسير أعواد المحصول وتحطيمها. وقد يقوم بهذا العمل الفلاح نفسه أو أحد أفراد أسرته، وكان بعضهم في الماضي يستأجر من يحمي محصوله، ويأخذ أجره غالبًا من المحصول نفسه، وفي حالات قليلة تُدفع له بعض النقود.
 
 
شارك المقالة:
46 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook