كانت النِّجارة من المهن المحترمة في منطقة الباحة، وكان يوجد نجارون متخصصون في الصناعات الخشبية يتوارثون أسرار المهنة كابرًا عن كابر في الغالب. وكان النجار يقوم بتسوية الأخشاب ونحتها لاستخدامها في صناعة الأبواب، والنوافذ، والمصاريع، والأعمدة الخشبية (المرازيح؛ أو الزُّفَّر؛ جمع زافر)، والمجنب (المقصب) وهو أداة لتقصيب (تقسيم) الأرض إلى قصاب (مربعات)، والمدمسة لتسوية الأرض بعد الحرث، والمحراث (اللومة؛ أو السحب)، و (الضّباب؛ جمع ضبة) وهي قفل مصنوع من الخشب، وله مفتاح حديدي أو خشبي له أسنان  ،  بالإضافة إلى المكاييل،  والأقداح، والصحون.. وغيرها من الأدوات المنـزلية.

 

ومن الصناعات الخشبية بعض مستلزمات البئر، ففي الفتحة الكبيرة التي في الجزء العلوي من الغرب تُوضع (العراقي؛ مفردها عرقوة) وهما خشبتان متصالبتان، وتُعلق بـ (العراقي) قطعة صخرية تُسمى (الثَّقَل) لتساعد على دخول الغرب ورسوه في الماء بسرعة لتتم تعبئته، وفي المنطقة التي تتقاطع فيها (العراقي) يُربط (الرِّشا) الذي يُصنع من ليف النخل ويتحمل البلل بالماء باستمرار، ويوصل بالرشا حبل طويل ومتين مجدول ومصنوع من جلد البقر ويُسمى (السِّلاق). ويجتمع كل من السلاق والمقاط في (القتب) الذي يكون على ظهر الدابة، فإذا كان الفلاح يستخدم ما كان يُعرف بـ (الصفيفة) أي أنه يوجد ثوران لكل واحد منهما غرب خاص به يُصفان بجوار بعضهما؛ ففي هذه الحالة يستخدم (القتب) الذي يُوضع على ظهر الثور، أما إذا كان الفلاح يستخدم ما كان يُعرف بـ (القرينة) فإنه يستخدم غربًا واحدًا كبيرًا، ويقرن بين ثورين بوساطة الضَّمْد  (المضمدة)، ويجمع السلاق والمقاط في الضَّمْد (أو المضمدة) وهي قطعة خشبية منجورة بعناية يُجمع من خلالها ثوران، جاء في القاموس المحيط: "والمضمدة خشبة تُجعل على عنقي الثورين في طرفها ثقبان"، ويتدلى من (المضمدة) أربع قطع خشبية تُسمى (الأورطة؛ مفردها وِرَاط)، ويُخصص كل اثنين منها لثور واحد، فالضمد يأتي من الأعلى، والوراطان يأتيان من يمين رقبة الثور وشمالها، ويُربطان بحبل من تحت الرقبة. أما وسط الضمد فيُربط فيه (السلاق) و (المقاط)، ويكونان فاصلاً بين الثورين. ويُنحت في وسط الضمد من أعلاه ما يشبه الأسنان الكبيرة، ليساعد على تثبيت الحبال عليه، وإذا كان يوجد ثور ضعيف وآخر قوي فإن الحبال تُقرَّب بوساطة تلك الأسنان إلى الثور القوي، وبهذا يتحمل عبئًا أكبر من الثور الآخر.

 

ويوجد في أعلى البئر ما يُسمى بـ (الرَّعَل)، وبعضهم يسميه (القرون)،  والرعل في اللغة العربية كما جاء في المحيط: "أنف الجبل، وهو ما برز منه"، ويُوضع الرعل في نهاية القف من جهة البئر، بطريقة فيها ميول إلى جهة البئر بما يشبه أنف الجبل ليسمح بصعود الغرب ونـزوله إلى البئر بسهولة. ويكون الرعل أحيانًا كله من الخشب، وأحيانًا تكون جهة منه من الخشب، وجهة منه تكون بناءً بالحجارة يُسمى (رَدَّة)، وأحيانًا تكون الجهتان من البناء، وفي أعلى (الرعل) توجد خشبة معترضة تُسمى (العارضة العليا)، وتحتها بمسافة نحو 60سم توجد خشبة أخرى معترضة تُسمى (العارضة السفلى)، ويُنحت في العارضة السفلى بعض الحفر. وبين هاتين العارضتين تُنصب (السهام) وهما قطعتان من الخشب القوي مثقوبتان من الوسط، وتُركب عليهما (المحالة)  وبعضهم يسميها (المحَّالة)، وهي بكرة مصنوعة من خشب خاص، ولها حافتان مرتفعتان لتمنعا خروج الرِّشا عن مجراه. وقد عُرِّفت في القاموس المحيط بأنها: "شبه ناعورة يُستقى عليها الماء"، وتُثبَّت في وسط تلك البكرة من الجانبين قطعتان حديديتان تُسمى كل واحدة منهما بـ (المحور)، وتُوضع نهاية السهم التي تكون مدببة في الغالب في تلك الحفر المنحوتة في العارضة السفلية، ويُثبت بحبل في العارضة العلوية. ويمر الرشا القادم من البئر والعائد إليها من فوق المحالة التي تدور بفعل مرور الرشا عليها.

 

وبين العارضة العلوية ومستوى القف مسافة قد تصل إلى 1م، وأسفل قطعة من (الرَّعل) التي بمستوى (القف) تُسمى (الكفافة) وتكون مرتفعة بعض الشيء لكف الماء من العودة مرة أخرى إلى البئر، جاء في المحيط: "الكفاف: ما استدار حول الشيء". وتُنحت في الكفافة حُفَر تشبه تلك التي تُنحت في العارضة السفلية، وتُوضع فيها سهام الدارجة  (أو الدرَّاجة كما يسميها بعضهم)، وتلك السهام تكون طويلة وأقل متانة من سهام المحالة لقلة الحمل عليها، وفيها ثقب في أسفلها لتدخل فيها محاور الدارجة. والدارجة من جهة أخرى تقوم بالعمل نفسه الذي تقوم به المحالة، ولها محاور من حديد تدخل في ثقوب السهام، وتختلف عنها بأنها طويلة، وأقل سمكًا، أما طولها فالهدف منه السماح لكُمِّ الغرب بالمرور عليها والوصول إلى القف لتفريغ الماء، أما سمكها القليل فسببه قلة الحمل عليها ويعوِّضه الطول. وإذا خرج (السلاق) أو (المقاط) عن مجراهما فإن الفلاح يجب أن يتوقف ويفرغ الغرب في البئر ويقوم بتعديل الوضع إذا كانت المحالة هي التي (مرّست) أي خرجت عن مجراها لثقل الحمل، أما إذا كانت الدارجة هي التي (مرّست) فإنه يعيد (المقاط) إلى مجراه بيده لسهولة ذلك بسبب خفة الحمل من جهة، وقرب موضع الخلل من متناول اليد، والإمراس في اللغة كما جاء في المحيط: "إزالة الرشاء عن مجراه".

 

والمحالة والدارجة والضمد تحتاج إلى صُنَّاع مهرة، يصنعونها من خشب خاص هو (الضرو) أو (الغَرب) وهذان النوعان قويان وخفيفان، ويسهل تشكيلهما. جاء في لسان العرب: "الضرو: شجر طيب الريح يُستاك ويُجعل ورقه في العطر" "والغرب شجر تُسوَّى منه الأقداح البيض"، وجاء في المحيط: "والغرب: شجر تُسوَّى منه السهام". ويستخدم النجارون آلات هندسية خاصة لتحديد مكان المحور الحديدي في المحالة والدارجة بحيث يكون في المنتصف تمامًا، ويجب أن تكون أجزاء كل قطعة متوازنة ومتناسقة كي تؤدي العمل الذي صُنعت من أجله بكفاءة. والمحالة، والدارجة، والسهام، والحبال، والغرب، والضمد، والقتب أجزاء متنقلة يأخذها الفلاح معه كلما انتقل من بئر إلى بئر، أما بقية أجزاء الرعل فثابتة وعادة ما تعيش لفترات طويلة.

 

والقتب هو خشب متعارض ومتداخل بميول يشبه الكرسي الذي يُوضع عليه المصحف للقراءة، ويُبطن من أسفله بمخدتين (وسادتين) محشوتين بالتبن غالبًا تُسمى كل واحدة منهما (جِدوة)، جاء في المعجم الوسيط: "الجدية: القطعة من الكساء المحشوة بين دفَّتَي السَّرْج ونحوه". ووظيفة الجدوتين منع القتب من التأثير في ظهر الثور وجرحه، ويُثبت القتب على ظهر الثور بحزام يأتي من تحت صدر الثور، ويُسمى (البطانة؛ أو البطان)، وأحيانًا يُوضع له حزام أمامي يمر من تحت الرقبة ويُسمى (اللبب).

 

وكان النجار يملك مجموعة من الأدوات الخاصة مثل المنشار، والقدُّوم، والمثقب، والمنقر،  والمسطرة. وكثيرًا ما كان النجار المحترف يقوم بنقش الأبواب، وأسقف المنازل الخشبية، ونقش الزُّفَّر، وفي مراحل متأخرة أصبح يقوم بتلوينها بالدهانات والألوان المختلفة، ويرسم بوساطة الحفر في الخشب صورًا للطائرات والصواريخ، ويكتب بعض الآيات القرآنية. وكان النجار يُعامَل معاملة حسنة أثناء أداء عمله، وتُوفَّر له جميع وسائل الراحة حتى يتفرغ لإنجاز عملة بدقة وإتقان.