مواقف تربوية للإمام أبي حنيفة مع طلابه ومدعويه

الكاتب: المدير -
مواقف تربوية للإمام أبي حنيفة مع طلابه ومدعويه
"مواقف تربوية للإمام أبي حنيفة
مع طلابه ومدعويه




1- وجَّه ولده حمادًا إلى دراسة علم الكلام فترة، ثم أمره بالانصراف عنه، فجادله ولده قائلًا: ألست كنت تأمرني به؟ قال: بلى، وأنا اليوم أنهاك عنه، قال: ولم؟ قال: يا بني، إن هؤلاء المختلفين في أبواب علم الكلام كانوا على قول واحد ودين واحد حتى نزغ الشيطان بينهم، فألقى بينهم العداوة والاختلاف، وهمة أحدهم أن يظفر من صاحبه بشنعة يشنع بها عليه، فإذا بلغ الكلام هذا الحد، فتركُه خير.




2- أدب تلاميذه بأربع وسائل: بالعلم، والقدوة، والإقناع، وتقديم العلم في وعاء من الحب.




3- رفض أن يتكلم في عِرض مَن تكلم في عِرضه، قال له قائل: يتكلمون فيك ولا تتكلم في أحد؟! قال: هو فضلُ الله يؤتيه من يشاء، عفا الله عمن قال فينا مكروهًا،تفقَّهوا في دين الله، وذرُوا الناس وما اختاروا لأنفسهم.




4- من شدة حرصه على التطهر في الجسد والثوب والمكان، خالف سفيان الثوري في جواز الوضوء بماء توضأ به الغير، وطبق أتباعه ذلك عمليًّا؛ فاتخذوا للوضوء حياضًا ذات صنابير تمنع استعمال الغير لهذا الماءِ غيرِ المطهِّر عند أبي حنيفة؛ فنُسبت إليهم هذه الصنابير وسميت بالحنفيات، فالحنفية التي نستعملها الآن صباح مساء تذكرنا بهذه الحلقة المباركة لأبي حنيفة وطلابه.




5- كان صبورًا معهم لدرجة إرهاق جسده من السهر: خرج ذات ليلة من المسجد بعد صلاة العِشاء، فسأله تلميذه (زفر) في مسألة، فتجاريا يتقايسان حتى نودي لصلاة الفجر وهما قائمان أمام المسجد، فرجعا إلى صلاة الفجر، ثم رجعا إلى المسألة حتى استقرت على قول أبي حنيفة.




6- كان حين يشكل عليه مسألة يقول: ما هذا إلا لذنبٍ جنيته، فيستغفر الله، ويتوضأ، ويصلي ركعتين، فيمن الله عليه بحل المشكلة.




7- اقتحم الخوارج المسجد وأبو حنيفة وأصحابه جلوس، فقال لأصحابه: لا تبرحوا مكانكم، فجاء إليهم الخوارج يريدون الفتك بهم، فقالوا: ما أنتم؟ فرد أبو حنيفة عليهم: نحن مستجيرون، قال أميرهم: دعوهم، وأبلغوهم مأمنهم، واقرؤوا عليهم القرآن، فسلمت المدرسة من الإبادة بسرعة بديهته.




8- يدخل عليه غلام فيسأله مسألة، فيجيب عنها أبو حنيفة، فيقول الغلام له: أخطأتَ، ويعرض عليه مسألة أخرى، فيقول له: أخطأت، فيتأذى بعض الحاضرين من جرأة الغلام على أبي حنيفة، فيقول له الشيخ: دعهم؛ فإني قد عودتهم هذا من نفسي.




هكذا يتضح من هذه المواقف رفضه للخوض في علم الكلام والخلاف الذي لا يؤدي إلا إلى العداوة وضياع الوقت والجهد فيما لا يفيد، وكأني به ينصحنا الآن بذلك بعد أن فشا في شبابنا هذا الداء الوبيل،ورفضه للغِيبة حتى فيمن يغتابه، وصبره على طلابه، ولو نسبوا إليه الخطأ، ولو أسهروه الليل كله؛ فقد كان يوقن أن كل ذلك جهاد في سبيل الله، كما رأينا سرعة بديهته وإدراكه لمعتقدات الخوارج، واستخدام الحيلة في نجاته ومن معه.




إن من يُعنَى بتربية الدعاة والقضاة وأهل العلم يكون قد ربى بهم أمة، فمهما بلغ الداعية من نبوغ وتوفيق فإن أثره سيكون في سامعيه فقط، أما من ربى الدعاة فإن مساحة التأثير ستتسع بانتشار هؤلاء الدعاة يحملون فكر الإمام،وهو في كل نصائحه يتوخى ما كان عليه سلفه الصالح، وأولهم صاحب الخُلق العظيم صلى الله عليه وسلم.




وباختيار الإمام لمدعويه ولطريقة دعوتهم، سواء كانوا من العامة أو من طلاب العلم، نراه قد استوفى الجانبين النظري والعملي مع الطلاب، واكتفى بالعملي مع العامة.




وهذا من توفيق الله وعونه، جزاء إخلاصه وعبادته، وجهاده وأخلاقه.




وكان من تلاميذه من تسنم عرش العلم والفتيا والقضاء، وكان منهم من تنسك وزهد وتورع عن قبول الرياسة؛فمنهم عبدالله بن المبارك، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني - وهما صاحباه وناقلا مذهبه - ومنهم زفر بن الهذيل الذي تولى الحلقة بعده، والقاسم بن معن حفيد عبدالله بن مسعود،وكان من أقرانه الذين تركوا حلقاتهم وأبوا إلا أن يحضروا حلقته متلقين: إسماعيل بن شيخه حمـاد بن سليمان، وأبو بكر النهشلي، وأبو بردة الضبي، ومسعر بن كدام، والحسن بن عمارة، والوليد بن أبان، وأسد بن عمرو البجلي، والفضيل بن عياض، ووكيع بن الجراح شيخ الشافعي، وحفص بن غياث، ويحيى بن زكريا، والمغيرة بن حمزة.




لقد أربت حلقته على أربعين طالبًا، صاروا جميعًا أئمة أعلامًا، تواصل بهم فقه الشريعة الغراء، ويكفي أن نعلم أن تلميذه محمد بن الحسن الشيباني هو الذي دوَّن وألَّف، ورحل إلى المدينة، فروى الموطأ عن الإمام مالك، وتتلمذ عليه الإمام الشافعي، وتتلمذ الإمام أحمد على الشافعي، أما أبو يوسف فتولى القضاء للخلفاء الثلاثة: المهدي، والهادي، والرشيد الذي عينه قاضي القضاة، وألف له كتاب الخراج.


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook