كثيرون هم أولئك الأشخاص الذين يحيطون بالإنسان عندما يبدأ عهده مع هذه الحياة، غير أن اثنين منهم فقط يستحوذان على كيانه، ويتملكان مشاعره إلى أن يحين موعد الوفاة.
وفقاً للعادات والتقاليد المتبعة في المنطقة العربية، والإسلامية، وبين الشعوب الشرقية بشكل عام، مع وجود بعض الاستثناءات التي خرجت عن هذه القاعدة، فإن الأب هو اللبنة الأولى التي تُبنى عليها الأسرة، فهو الّذي يهمُّ باتخاذ الخطوة الأولى من خطوات الزواج، وهذه الخطوة تتطلّب التقدم لطلب يد شريكة حياته، التي بموافقتها يحصل الزواج، وتتأسس الأسرة، ليبدأ عهد جديد لكلٍّ منهما.
اختيار الأب لشريكة الحياة يعني اختياره لأهمّ عنصر في الأسرة، وهو العنصر الذي سيفوقه أثراً فيما بعد، وحتى يحسن الرجل الاختيار، يجب عليه أن ينضوي على صفات معينة، على رأسها: تقدير المرأة وإجلالها، وتحمل المسؤولية، وتحلّيه بالأخلاق الفاضلة الحسنة، وامتلاكه لقلب كبير يسع العالم بأسره.
للأب تأثير عظيم في حياة أبنائه، وفي صياغة شخصياتهم، فالأولاد يرون في آبائهم المُثُل العليا التي يجب أن يقتدوا بها ويسيروا على نهجها، والبنات يرون فيهم أمثلة للرجال الذي يحلمون بالارتباط بهم مستقبلاً، ولطالما كانت علاقة البنات تحديداً بآبائهنَّ مثار جدل بين الفلاسفة، والمفكرين، وعلماء النفس، وسائر العلماء المختصين، فهذه العلاقة جميلة جداً، وغريبة جداً في الوقت ذاته، ولها أبعاد هامة تنعكس على كل من الأب وابنته في آن واحد، وتستحق من كل الآباء الذين ينظرون باحترام إلى المرأة، والذين يدعون ربهم ليل نهار أن يرزقهم بنات يزيِّنَّ حياتهم، تستحق منهم الوقوف عندها قليلاً، والتأمل فيها، ودراستها من كافة النواحي مباشرة من أهل الاختصاص، والاعتناء بها جيداً، والأهم من هذا كله الإحساس بالبنت، وإشعارها بالحب والحنان.
إنّ أنجح الآباء هو الذي يبر أبناءه في صغرهم قبل أن يبروه هم في كبره، وأوّل البر أن يشعرهم بالامتنان لهم على تلك النعمة التي وهبوه إياها ألا وهي نعمة الإحساس بالأبوة، تلك النعمة التي حُرم منها العديد من الأشخاص الآخرين حول العالم؛ فالإحساس بالأبوّة من الأمور التي تساعد على تربية الأب نفسه، وتهذيب شخصيته، وإضفاء معنى على حياته لا يمكن التحصُّل عليه دون وجود الأبناء، فإذا ما شعر الأب بهذا الامتنان، بذل ما بوسعه من أجل راحة أبنائه، ومن أجل تنشئتهم التنشئة الحسنة.