يُعظّم الحجّ شعائر الله في النفوس، ممّا يُؤدّي إلى تحقيق التقوى، ويتمثّل تعظيم شعائر الله في عدّة أمورٍ؛ ذلك أنّ الحاجّ لا يُمكن له ارتكاب شيءٍ ممّا حرّمه الله عليه أثناء أداء الحجّ؛ فلا يأخذ شيئاً من شَعره، ولا يقتل صيداً، ولا يتطيّب، كما أنّ للحجّ أثراً في الجوارح، وأثراً في التعامل مع ما شرعه الدِّين؛ سواء في الجانب المعرفيّ، أو الداخليّ، أو الظاهريّ، وبتعظيم المسلم لشعيرة الحجّ يبتعد عن معصية الله، فلا يتجرّأ على فِعل ما يُغضب الله -عزّ وجلّ-، ويحرص على طاعة الله، ويُعظّم أمرها، ومن حِكم الحجّ ومقاصده إقامة ذِكْر الله -تعالى-؛ فهو أساس عبادة الحجّ، وسائر العبادات، وهو من أعظم المقاصد، وقد أمر الله -تعالى- عباده بالذِّكر عند أهمّ مناسك الحَجّ، مثل عرفة، وأثناء الحجّ، وبعد الانتهاء منه، ومن ذِكْر الله -عزّ وجلّ- التكبير.
اختلف أصحاب المذاهب في صيغة تكبيرات الحجّ، وذهبوا في ذلك إلى عدّة آراءٍ، بيانها فيما يأتي:
يكون التكبير في أيّام العشر من ذي الحِجّة، وأيّام التشريق في عيد الأضحى؛ استدلالاً بقَوْل الله -تعالى-: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)، وفسّر ابن عباس -رضي الله عنهما- الأيّام المعلومات بالعشر من ذي الحِجّة، بالإضافة إلى ما ورد عن الصحابة -رضي الله عنهم- من آثارٍ؛ فقد ورد عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنّه كان يُكبّر بمِنى إلى أن يسمع أهل المسجد صوته فيُكبّرون، وسار على ذلك ابن عمر -رضي الله عنهما-؛ إذ كان يُكبّر بمِنى في تلك الأيّام عقب الصلوات، وفي الفراش، وأثناء جلوسه، ومسيره، ومع أبي هريرة في السوق، وقد اختلف العلماء في وقت التكبيرات في الحجّ، وذهبوا في ذلك إلى أقوالٍ عدّةٍ، بيانها آتياً:
وتجدر الإشارة إلى اختلاف العلماء في الصلوات التي يُشرَع بعدها التكبير؛ إذ قال الشافعيّة إنّ التكبير يكون بعد الصلوات؛ سواء كانت فرضاً، أو نافلةً؛ فالتكبير شعارٌ للوقت، ولا يختصّ بصلاةٍ دون أخرى، وقال الحنابلة بخصوصيّة التكبير بعد الفرائض التي تُؤدّى جماعةً؛ فلا يُؤدّى التكبير بعد الصلوات التي تُؤدّى فُرادى، أمّا المالكيّة فقالوا إنّ التكبير مشروعٌ بعد الصلوات التي تُؤدّى في وقتها، أمّا إن كانت الصلوات من باب القضاء، فلا يُشرَع التكبير بعدها، أمّا الحنفيّة فقالوا بمشروعيّة التكبير بعد كلّ فرضٍ على الإطلاق، دون الفصل بينهما
موسوعة موضوع