موعظة بعنوان: فضل المخبتين

الكاتب: المدير -
موعظة بعنوان: فضل المخبتين
"موعظة بعنوان (فضل المخبتين)[1]

 

حديثُنا اليومَ أيها الإخوةُ الأحباب عن صفةٍ عظيمة، وميزةٍ كريمة من صفات المؤمنين، صفة أثنى الله على مَن تحلَّى بها، وتخلَّق بموجبها، ووعَد أصحابَها بالجزاء العاجل الكريم، وبشَّرهم بالخير العميم في الدنيا وبعد الممات، صفة ينبغي لكل مسلم أن يتَّصِف بها؛ حتى ينالَ ما وعد اللهُ به أصحابها.

 

إنها صفةُ الإخبات والتواضع والاطمئنان للهِ ولذكره، وقد عدَّها العالم الجليل ابن القيم رحمه الله من منازل السائرين إلى الله سبحانه، ويكفي في فضلِ هذه الصفة وبيان عِظَم قدرها وعلوِّ منزلتها وشرفها: أن الله تعالى بشَّر أصحابها بالخيرات، ووعدهم بالمسرَّات، وزيادة الحسنات، فقال: ? وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ? [الحج: 34، 35]، أما في الآخرة، فقد قال سبحانه: ? إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ? [هود: 23].

 

تأمَّلوا الآية الكريمة التي تُلِيت على مسامعكم: ? وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ? [الحج: 34] لتجدوا أن مُتعلقها محذوف، وموعودها عظيم، وجزاءَها مطلقٌ لم يحدد، كما قال العلماء من أهل التفسير؛ ليدل دلالة واضحة وإشارة بيِّنة صريحة أن الموعودَ به لهم كلُّ خيرٍ وفضيلة، وكل بشارة عظيمة، وكل نعمة جليلة.

 

ثم إنه تعالى جلَّ في علاه ربط الإخبات بالعمل الصالح والإيمان النافع، مع أنه داخلٌ فيه ومرتبطٌ به؛ ليرفع من شأنه، ويُعلِي مِن قدره، وليُبيِّن عظيم جزاء المُخبِتين عند الله والمثوبة لديه، وأن الإيمان يُثمِر سائر الفضائل والآداب، والعبادة والطاعة، وفي ذلك تذكرة لأولي الألباب.

 

إن الإخبات والتذلُّل والتواضع: ثمرةٌ جليلة من ثمار العلم، ولا يعرِفُ قيمتَه، ولا يذوق حلاوتَه، إلا أهلُ العلم والبيان، والأدب والعرفان، قال تعالى في إيضاح ذلك: ? وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ? [الحج: 54]، وكلما ازداد المرءُ من مَعِين العلم والإيمان، ورسخت قدمُه في المعرفة والبيان، اطمئنَّ قلبُه لذكر الله وتدبر القرآن.

 

إن القلب هو مَلِكُ الأعضاء، فإذا رُزِق الإخبات والاطمئنان واليقين، خشَع وسكن وذلَّ للهِ سبحانه وأناب إليه، وإذا أخبَتَ القلب فإن أثرَ ذلك يظهر على الجوارح والأعضاء، فيتحلَّى المؤمن بالأخلاق الفاضلة، والصفات الحسنة، والمزايا الطيبة؛ من صدقٍ وإيثار، وعدلٍ وإنصاف، ومحبة وقوة في طاعة الله، ونشاطٍ ومسارعة إلى الخيرات، وبعدٍ عن المحرَّمات والسيئات.

 

لقد دلَّنا المولى على صفاتِ المخبتين، وأرشدنا إلى أخلاقهم، وبيَّن لنا أعمالهم؛ من أجلِ أن نلحق برَكْبِهم، ونفوز بمعيَّتهم، فإن لم نَفُزْ بمرتبهم، فلا أقل من أن نتشبَّه بهم أو نتشبَّث بأذيالهم.

فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلَهم ??? إنَّ التشبُّهَ بالكرام فلاحُ




من هذه الصفات الكريمةِ وَجَلُ القلبِ، والوَجَلُ هو خوفٌ مع تعظيم ومحبة لله، قال تعالى: ? إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ? [الأنفال: 2].

ومن صفات المخبتين إقامةُ الصلاة، والحفاظ عليها في أوقاتها ومع الجماعة، والمحافظة على أركانها وشروطها وسننها، والخشوع فيها.




ومن صفاتهم بذل المال، وإنفاقه في سبيل الله في وجوه الخير الكثيرة، وأبوابِه المتنوعة.

هذه هي صفات المخبتين، وهذه أخلاقُهم وآدابهم، فحريٌّ بنا أن نتخلَّق بها، وأن نجعلها نبراسًا لنا في حياتنا، وأن نُكثِر من الدعاء أن يرزقنا الله الإخبات، وأن يجعلَنا من أهله والمتَّصِفين به.




وقد جاء في مسند أحمد بن حنبل رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((ربِّ أعنِّي ولا تُعِنْ عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدِني ويسِّرِ الهدى إليَّ، وانصرني على مَن بغى عليَّ، رب اجعلني لك شكَّارًا، لك ذكَّارًا، لك رهَّابًا، لك مِطواعًا، إليك مُخبِتًا، لك أوَّاهًا مُنيبًا، رب تقبَّل توبتي، واغسِلْ حَوْبتي، وأجِبْ دَعوتي، وثبِّت حُجَّتي، واهدِ قلبي، وسدِّد لساني، واسلُلْ سَخيمةَ قلبي)).




[1] هذا عنوانٌ دُعِيت لإلقاء درس فيه بأحد المساجد، فأحببت قبل ذلك أن أكتبه وأنشره قبل أن أتكلَّم به؛ وذلك لأني بحثت في شبكة الإنترنت عن موضوع الإخبات وفضله، فلم أجد مَن كتب عنه، وإن وُجد فهو طرح علمي طويل لا يناسب جميع الناس وشرائحهم المختلفة، وخاصة طبقة العوامِّ.


"
شارك المقالة:
18 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook