هو الإمام الجليل عبد الحميد بن محمد المصطفى بن المكي بن محمد كحول بن الحاج علي النوري بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن بركات بن عبد الرحمن بن باديس الصنهاجي، المولود في مدينة القسنطينة الجزائريّة في عام 1889 ميلادي، والمتوفي في عام 1940 ميلادي، وهو من كبار رجال الإصلاح في الوطن العربيّ، وقد كان رائداً للنهضة الإسلاميّة الجزائريّة، كما أنّه أسس جمعيّة العلماء المسلمين الجزائرين.
ينتمي عبد الحميد باديس إلى بيت يسوده العلم، حيث عُرف جده مناد بن حميد بن باديس في حدود القرن الرابع للهجرة بشرفه وعلمه، أمّا عن أصل هذه القبيلة فيقول البعض إنّها أمازيغيّة أو صنهاجيّة الأصل، وهي من أشهر قبائل دول المغرب العربيّ، ومن أهم رجال هذه القبيلة الشيخ المعز بن باديس، وابن الأمير باديس بن منصور وغيرهما
عبد الحميد بن باديس هو الابن الأكبر لعائلته، وأمه هي السيدة زهيرة بنت محمد بن عبد الجليل بن جلّول، ووُلد ضمن عائلة عُرفت لمدة كبيرة تصل إلى أربعة قرون كحد أدنى، وبسبب نسب والدته العريق تزوجها والده عبد الحميد الذي عمل مندوباً ماليّاً، وكان عضواً في المجلس الأعلى، وباش آغا للجهة الشرقيّة من الجزائر، كما عمل مستشاراً بلديّاً لمدينة القسطنطينية، ووشحته فرنسا بوسام شرف، وهذا جعله ذا مكانة مرموقة بين الناس وفي المجتمع، وذُكر في التاريخ أنّه صاحب الفضل في حماية سكان منطقة واد الزناتي من الإبادة الجماعيّة التي كانت ستحدث في عام 1945 ميلادي
كان أبو عبد الحميد بن باديس يحب ابنه ويرى النباهة في عينيه، وقد تعب كثيراً في تربيته وتوجيهه بالشكل الذي يتلاءم مع فطرته وتطلعاته، وقد ذكر عبد الحميد فضل والده عليه في حفل لختم تفسير القرآن عام 1938 ميلادي حيث قال: (إنّ الفضل يرجع أولاً إلى والدي الذي ربّاني تربيةصالحة ووجهني وجهة صالحة، ورضي لي العلم طريقة أتبعها ومشرباً أرده، وقاتني وأعاشني وبراني كالسهم وحماني من المكاره صغيراً وكبيراً، وكفاني كلف الحياة، فلأشكرنه بلساني ولسانكم ما وسعني الشكر)، ولعبد الحميد ستة إخوة، وهم الزبير والذي عرف باسم المولود، وسليم، والعربي، وعبد الحق، ومحمود، وأختاه البتول ونفيسة.
كانت البداية لتعلمه على يد الشيخ محمد المداسي؛ حيث حفط القرآن الكريم وختمه وهو في الثالثة عشرة من عمره، ونتيجة لإعجاب الشيوخ بصوته، وتجويده، وحفظه كان يصلي بالناس صلاة التراويح واستمر بذلك لمدة سنتين، كما تلقى مجموعة من العلوم الإسلاميّة والعربيّة في جامع سيدي عبد المؤمن على يد كبار الشيخ، منهم الشيخ حمدان الونيسي، وفي عام 1908 ميلادي التحق بمسجد الزيتونة، فتعلم من كبار علمائها، وسافر عام 1913 ميلادي فوصل للحجاز، والشام، ومصر، وأدى فريضة الحج، وحرص خلال رحلته هذه على التواصل مع علماء كبرى العواصم العربيّة.