نتبع شخص العالم أم علمه؟

الكاتب: المدير -
نتبع شخص العالم أم علمه؟
"نتبع شخص العالم أم علمه؟




يحدثُ خللٌ في ميزان تلقِّي الحق حينما لا نُفرِّق ما بين العلم والعالِم؛ فالعلم هو ميراث النبوة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا، سلك الله به طريقًا من طرق الجنة، وإن الملائكة لَتضعُ أجنحتها رضًا لطالب العلم، وإن العالِم لَيستغفِرُ له مَن في السموات ومَن في الأرض، والحيتانُ في جوف الماء، وإن فضلَ العالم على العابد كفضلِ القمر ليلةَ البدرِ على سائر الكواكب، وإن العلماء وَرَثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر))؛ صحيح أبي داود.

 

فما كان من فضل العالم وحملِه للعلم هو ما أوجب له قدرَه بين المؤمنين، كما جعل الله له قدرًا عند خلقٍ في السماء وخلقٍ في البحر، ولكن هذا الأخذ من العالم تلزَمُه بصيرةٌ؛ فإنه ليس بمعصومٍ مِن خطأ أو زلل أو سهو، وكثيرًا ما يقع الناس في الفتن، فنتعلَّم مِن العالم ونتلقَّى ميراث النبوة، أما جعل الميزان هو فعل العالم، فذلك فيه حيدٌ؛ ومِن ذلك أن يقول الناس: فلان (العالم) فَعَلَه؛ يقصدون بذلك أنه لو لم يكن حقًّا لم يفعله العالم!

 

وهذا خلل في الميزان؛ لأن الحق لا يُعرف من أفعال المتبوعين إلا مَن كان لهم هذا الاختصاص وعلِمناه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ومِن أولئك الخلفاء الراشدون، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((فإنه مَن يَعِشْ منكم بعدي، فسَيَرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء المهديِّين الراشدين، تمسَّكوا بها وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة))؛ سنن أبي داود.

 

وإننا نجد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يتحرَّون دقة المصدر، فنجدهم يتحققون: أشيءٌ سمِعتَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم قلته برأيك؟، هذا وهم الأصحابُ رضي الله عنهم، ولكنه دينُ الله، لا تصح فيه زيادة ليست منه.

 

ورحم الله علماء الحديث حين فرَّقوا ما بين العالم يحمل ميراث النبوة، فأخذوا منه طالما كان متنبهًا، ولما وجَدوا منه غفلة أو سوء حفظ في كِبَر، توقَّفوا عند ذلك، وتحرَّوا للدين والنقل عنه، لا ينسون له فضله.

? قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ? [يوسف: 108].

 

حين حاد الناس عن هذه السبيل (الدعوة إلى الله)، ظهر أتباع الرجال والمذاهب والطرق والفِرق؛ هذا لأن الأتباع غفَلوا عن قصدهم ووُجْهتهم وما ينبغي أن يتَّبِعوا، فتَبِعوا الداعيَ لا دعوتَه إلى الله، فلما انحرف المتبوع ساقهم معه إلى المهالك.

 

فعلى الحق نتأدب ونُؤدِّب أبناءنا ورعيَّتنا، فيردُّوننا - ونحن آباؤهم وأولياء أمورهم - لا يمنَعُهم قدرُنا عندهم، ولا درجة جعلها الله لنا - من رد الباطل، وهكذا مع كل ولي أمر بما جعل الله من أدب النصيحة، فنتحقَّق ونتفقَّه، ونستفسر ونسأل، ونرد الباطل، لكن لا نجادل في آيات الله وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

• عن عبدالله بن عباس قال: أتوضَّأُ مِن طعام أجدُه في كتاب الله حلالًا؛ لأن النار مسَّته؟! فجمع أبو هريرة حصى، فقال: أشهد عددَ هذا الحصى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((توضَّؤوا مما مسَّت النار))؛ (صحيح النسائي).

 

• وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الوضوء مما مسَّت النار، ولو من ثورِ أَقِطٍ))، فقال له ابن عباس: يا أبا هريرة، أنتوضَّأُ مِن الدهن؟ أنتوضأ من الحَميم؟ قال: فقال أبو هريرة: يا بن أخي، إذا سمعت حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تضرِبْ له مثلًا؛ (صحيح الترمذي - حسن).

 

وليس القصد تناول مسألة الوضوء مما مسته النار هاهنا بتفصيلاتها، ولكن القصد هو تناول الأصحاب رضي الله عنهم للعلم، ففي الخبر نجد أدب التعلم، وألَّا نجادل في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

• عن أبي بكر بن عمارة بن رُؤيبة، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها))؛ يعني الفجر، والعصر، فقال له رجل من أهل البصرة: آنتَ سمعتَ هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال الرجل: وأنا أشهد أني سمعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمِعته أذناي ووعاه قلبي؛ (صحيح مسلم).

 

• فنجد من خلاصة ذلك أنْ لا معرَّة تلحقُ بالعالم أن يُسأل ويُستوثق من صحة ما أَخبَر به، ولا نجد من الصحابة رضي الله عنهم استعلاءً بما علِموا، ولا حظَّ نفسٍ يجعلهم يردُّون سؤال المُستوثِق كأنما هو تكذيب لهم أو مساس بأشخاصهم، فالدِّين أَولى وهم يريدون سلامة فيه.

 

• وعن عبدالله بن عباس: قال عمر رضي الله عنه: أقرؤنا أُبَي، وأقضانا عَلِي، وإنا لندَعُ من قول أُبَي، وذاك أن أبيًّا يقول: لا أدعُ شيئًا سمِعتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: ? مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا ? [البقرة: 106]؛ (صحيح البخاري)، فكان الإقرار بفضل أُبَي رضي الله عنه، ولكن مع احتراز مِن مأخذٍ أخذوه عليه، رضي الله عنهم أجمعين.

 

• عن تميم الداري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة))، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: ((لله، وكتابه، ورسوله، وأئمة المؤمنين وعامتهم، أو أئمة المسلمين وعامتهم))؛ (سنن أبي داود).

 

فاللهم بصيرة وحسن اتِّباع


"
شارك المقالة:
16 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook