نزول القرآن الكريم

الكاتب: مروى قويدر -
نزول القرآن الكريم

نزول القرآن الكريم.

 

 

عظمة القرآن الكريم

 

القرآن الكريم هو كتاب الله -تعالى- الخالد الذي جعله -سبحانه- مُنقذاً للبشرية من الجاهليات الجهلاء والضلالات العمياء، وأرشدهم به طريق الحقّ والنور، وجعله مصدراً للسّرور والسّعد في الدارين الدنيا والآخرة؛ فهو أصل الشريعة، وعماد الأمة، ومعجزة الرسالة، ومُعين الحكمة والرّشاد، وقد ختم الله به الكتب الإلهية، فصار منهل العارفين بالله المريدين لرضاه، ذلك هو القرآن العظيم كتاب الله للنّاس كافةً، يستدلّون به على صحيح عقيدتهم وأصول عباداتهم وشعائرهم، وبه يهتدون سبل شرائعهم، ومنه ينهلون فيوض الآداب والأخلاق، ومن قصصه ومواعظه يستدلون على صراط الله المستقيم، وصفه المولى -سبحانه- بالعظيم فقال: (وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ المَثَانِي وَالقُرْآَنَ العَظِيمَ)، وأخبر أنّه طريق للهداية والطريق القويم فقال: (إِنَّ هَذَا القُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)، وأمر -تعالى- بتدبّره والتعمّق بمعانيه؛ فقال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ)، وهو وصيّة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذي قال عن فضل تعلّمه: (خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه)، ويتساءل كثيرٌ من المسلمين عن الكيفية التي نزل بها القرآن الكريم، ومراحلها، وأشكالها، والغاية منها، وهذا المقال يقف على هذه المسائل بحثاً وتمحيصاً وكشفاً للحقيقة.

 

نزول القرآن الكريم..

 

تعدّدت أقوال أهل العلم في مسألة نزول القرآن الكريم، ولكنّ الرّاجح منها عند العلماء هو أنّ القرآن الكريم كان له تنزّلان، الأول جملةً واحدةً، والثاني النزول المفرّق، وفيما يأتي بيان ذلك:

 

نزول القرآن جملةً واحدةً

 

يقصدُ بالنزول الجُملي للقرآن الكريم نزوله دفعةً واحدًة من لدن الله تعالى، إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في الليلة المباركة من شهر رمضان ليلة القدر، مصداقاً لقول الله سبحانه: (إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ)، وقوله: (إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةٍ مُبارَكَةٍ)، وقد تمّ هذا التّنزل في ليلةٍ واحدةٍ هي ليلة القدر، ولكنّ تعيين أو تحديد العام الذي حصل فيه هذا النزول لم يردْ به أثرٌ صحيح، لذا لا يشغل المسلم نفسه بمسألة وقت هذا التّنزل، وهل كان قبل بعثة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أم بعدها، وذهب أهل العلم إلى أنّ الحكمة من هذا التّنزل دفعةً واحدةً لا تخفى من كونها تحمل دلائل عظمة القرآن الكريم وتشريفه من الله -سبحانه-، بل رأى فيه أهل العلم تشريفاً وتكريماً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وبياناً لتميّزه وفضله عن سائر أنبياء الله -عليهم السلام-، وفيه إشارةٌ إلى إعلام أهل السماوات من الملائكة إلى أنّ القرآن الكريم آخر الكتب الإلهية المُنزّلة إلى أهل الأرض.

 

نزول القرآن الكريم مفرّقاً

 

النّزول المفرّق للقرآن الكريم يُقصد به نزوله منجمّاً متباعد الأوقات ومتبايناً في عدد النّازل من سوره وآياته على النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، في ثلاثٍ وعشرين سنة، وذلك حسب الأحداث والوقائع والحاجة، وفي ذلك يقول المولى -تعالى-: (وَقُرآنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلًا)، ويعدّ هذا النوع من التّنزل من جملة ما اختصّ الله -سبحانه- به القرآن الكريم عن سائر الكتب الإلهية التي سبقته، إذ كان نزول الكتب الإلهية الأخرى جملةً واحدةً دون افتراق بعضها عن بعض، يقول الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)، أما اليوم الذي بدأ فيه نزول القرآن الكريم فهو يوم الاثنين، حيث يؤكّد ذلك ما جاء عن قتادة رضي الله عنه: أنّ رسول -صلّى الله عليه وسلّم- سُئل عن صومه يوم الاثنين، فقال: (ذاك يومٌ وُلِدتُّ فيه ويومٌ بُعثتُ أو أُنزِل عليَّ فيه)، وبلغت مدّة هذا النزول في الرّاجح عند المحقّقين ثلاث وعشرين سنةً، منها ثلاث عشرة سنةً بمكة المكرمة، وعشر بالمدينة المنورة؛ فشملت بذلك سنوات النبوة كلّها من بعثته في مكة، إلى وفاته في المدينة.

وقد اختار الله -سبحانه- أمين الوحي جبريل -عليه السلام- واسطةً لنزول القرآن الكريم مفرّقاً على النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد ذهب أهل العلم من السّلف الصالح إلى أن القرآن كلام الله غير مخلوقٍ، وقد تلقّاه جبريل -عليه السلام- عن الله -عزّ وجلّ-، وبلّغه جبريل إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، وبلّغه -النبي الكريم إلى أمته، وليس أدلّ على ذلك من قوله تعالى: (قُل نَزَّلَهُ روحُ القُدُسِ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذينَ آمَنوا وَهُدًى وَبُشرى لِلمُسلِمينَ)، وقوله سبحانه: (نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأَمينُ عَلى قَلبِكَ لِتَكونَ مِنَ المُنذِرينَ)، والمهم في هذا الأمر أنْ يعتقد المسلم أنّ جبريل -عليه السلام- اقتصرت مهمّته على الإنزال الأمين لما حمّله الله تعالى من آي وسور للقرآن الكريم حتى اكتمل نزوله كلّه من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، وبناءً على ذلك فلا علاقة لجبريل في إنشاء الآيات أو ترتيبها أو تسميتها أو بيان مواضع الآي في السور، بل الأمر كلّه كما أخبر المولى -عزّ وجلّ- بقوله: (كتاب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير)، فالكلام إذن هو كلام الله -سبحانه-، والناقل الأمين هو جبريل -عليه السلام-، والمتلّقي عنه هو محمد -صلّى الله عليه وسلّم-.

 

الحكمة من نزول القرآن مفرّقاً

 

الحكمة من هذا النزول المنجّم متعدّد، ولكنّ أهم ما يشار إليه في هذا المقام:

  • تثبيت قلب النبي -عليه السلام-، وفي هذا يقول المولى -سبحانه-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).
  • تسهيل حفظه وتيسير فهمه على الناس.
  • مسايرة الوقائع ومعايشة الأحداث.
  • توضيح وبيان ما استشكل فهمه في أذهان بعض الصحابة الكرام.
  • الإجابة على التّساؤلات التي كانت تظهر حين نزوله، ودعت الحاجة التشريعية للإجابة عليها.
  • التدرّج في التشريع، وإقرار الأحكام التكلفية.
  • استمرارية الإعجاز في تحدّي العرب على الإتيان بمثله، وتأكيدٌ على مصداقية نسبته إلى الله -تعالى-.

 

شارك المقالة:
80 مشاهدة
المراجع +

موسوعة موضوع

هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook