يأتي على رأس هذه القائمة ما أوردته المصادر من كتابة آيات القرآن الكريم وتوثيقها زمن الرسول صلى الله عليه وسلم التي قام بكتابتها كتبة الوحي على الرق، وعسب النخيل، واللخاف، وعظام الأكتاف، وغيرها من المواد المتوافرة في تلك البيئة وذلك الزمان  .  وكذلك مكاتبات الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأمراء، والملوك، والقياصرة، والأباطرة التي يدعوهم فيها إلى الإسلام وغيرها من مكاتباته، وما ظهر أخيرًا وأصبح متداولاً أو محفوظًا في بعض المتاحف وينسب إلى أنه رسائل للرسول صلى الله عليه وسلم فمشكوك في أمره، بل إن أكثر المتخصصين يسمونها بالمزورة  

 

ويندرج أيضًا تحت هذا القسم ما أوردته المصنفات التاريخية بشأن الصحيفة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بكتابتها لتكون دستورًا يهدف إلى تنظيم الحياة العامة للمجتمع الإسلامي ويحدد علاقاته فيما بين أفراده والمجتمعات الأخرى  ،  كما تزخر المدونات التاريخية بعدد من شواهد المكاتبات الرسمية في فترة الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين إلا أننا نفتقد أصولها، المتمثلة - على سبيل المثال لا الحصر - بمكاتبات الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عند إعطائه للأراضي التي وثقتها المصادر التاريخية، ومنها ما يأتي:

 

" بسم الله الرحمن الرحيم

 

هذا ما أعطى محمد رسول الله بلال بن الحارث المزني، أعطاه من العقيق ما أصلح معتملاً أن صدق وكتبه معاوية ". ثم ختمه الرسول الكريم بخاتمه المنقوش عليه " محمد رسول الله "  

 

هذا بالإضافة إلى مكاتبات الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لولاته وقواد جيوشه إبان الفتوحات الإسلامية وبعدها  ،  ولا بد من الإشارة إلى أن ثمة أعدادًا هائلة من النقوش التأسيسية والشاهدية التي تمثل مختلف الفترات الزمنية، والمذكورة في المدونات التاريخيـة لا تـزال مفقـودة حتى الآن، ومنهـا - على سبيـل المثال - ما تشير إليه المصادر التاريخية من وجود حجر منقوش على باب بئر أريس فيه ذكر لإحدى صدقات عثمان بن عفان رضي الله عنه  ،  ويندرج تحت هذا أيضًا ما يطلق عليها المصاحف العثمانية التي تحتفظ بها بعض المكتبات الإسلامية، والمتاحف، والمساجد الأثرية التاريخية، وهي مصاحف تنسب للخليفة عثمان بن عفان، بيد أنها في واقع الأمر تعود إلى فترات زمنية متأخرة، فضلاً عن أنها لم تكتب بخط واحد، فهي تتباين في خطوطها، ويتضح أنها لم تدون في عصر واحد، بالإضافة إلى أن مقتنيات متحف طشقند والمشهد الحسيني بالقاهرة، ومتحف الآثار الإسلامية بإستانبول، ومتحف طوب قبو سراي بإستانبول، ما هي إلا نسخ متأخرة زمنيا عن فترة خلافة عثمان بن عفان، ولعله من الأرجح أنها نسخت عن أصل عثماني قديم  .  وتشير المصادر أيضًا إلى ما قام به السلطان العادل نور الدين محمود زنكي في عام 558هـ / 1163م عند بنائه سور المدينة وكتابته اسمه على باب البقيع، وصورة النص في الحديد المصفح به الباب ما نصه: " هذا ما أمر بعمله العبد الفقير إلى الله تعالى محمود بن زنكي بن اقسنقر غفر الله له سنة 558هـ / 1163م "  

 

تذكر المصادر التاريخية أيضًا أنه كان بجانب قصر مسلمة بن عبد الله بن عروة بن الزبير حجر مكتوب عليه ما نصه: " أنا مسلمة بن عبد الله بن عروة بن الزبير أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله على ذلك أحيا وأموت وأبعث إن شاء الله "  .  كما تشير أيضًا المصادر إلى ما قام به زياد بن عبيد الله بن عبد المدان الحارثي عندما كان واليًا على المدينة لأبي جعفر المنصور في سنة 138هـ / 755م من هدم للدار المعروفة بدار القضاء، وجعلها رحبة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتشير بعض الروايات إلى أنه كان عليها نص تأسيسي مكتوب على لوح من ساج مضروب بمسامير، مكتوب فيه: " أمر عبد الله أمير المؤمنين أكرمه الله بعمل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة هذه الرحبة توسعةً لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن حضره من المسلمين في سنة إحدى وخمسين ومائة ابتغاء وجه الله والدار الآخرة... "  .  كذلك فإن النصوص التي كانت مدونة في المسجد النبوي الشريف على الرغم من فقداننا أصولها إلا أنها لا تزال مسطرة في كتابات المؤرخين والرحالة الذين زاروا المسجد النبوي ودونوا مشاهداتهم عنها، ومن أبرزهم الحربي في كتابه المناسك الذي أشار إلى النصوص كافة المتعلقة بالمسجد كل في موضعه  ،  أيضًا ابن رسته الذي قرأ هذه النصوص - كما صرح هو بذلك - أثناء زيارته للمسجد سنة 290هـ / 903م  .  وما هذه إلا أمثلة وشواهد لعدد من النصوص التي فقدت نتيجة للتجديدات المعمارية وغيرها