يُعرِّف المؤرخون هذه المرحلة بفترة الحكم المصري، على الرغم من أن القوات المصرية التابعة لوالي مصر محمد علي باشا كانت قد قدمت إلى الحجاز بأمر السلطان العثماني لإخراج قوات الدولة السعودية الأولى من الإقليم، وإعادة ولائه للسلطنة العثمانية، ولكن كانت لمحمد علي باشا في نفسه أطماع وطموحات في إقامة دولة مستقلة عن الدولة العثمانية قاعدتها مصر، وهو ما حصل فعلاً؛ فبعد أن أسس حكمه القوي في مصر، عمد إلى ضم أقاليم بلاد الشام والحجاز وأجزاء من اليمن لدولته، بل إنه دخل في صراع مسلح مباشر مع الدولة العثمانية التي كان في يوم من الأيام يتبع لها، ولكن القوى الدولية الكبرى - آنذاك وبخاصة بريطانيا وفرنسا - رأت في تنامي قوة محمد علي باشا خطرًا يهدد مصالحها في المنطقة؛ ولذلك أجبرته بموجب مؤتمر لندن في 15 جمادى الأولى 1256هـ / 15 يوليو 1840م على التخلي عن أقاليم الشام والحجاز وجزء من الأناضول مقابل ضمان حكم مصر وراثيًا له ولأبنائه من بعده  وخلال فترة حكم محمد علي للحجاز حصلت بعض التطورات الداخلية، فقد قام محمد علي بإقصاء أمير مكة المكرمة الشريف غالب بن مساعد على الرغم من أنه وقف إلى جانب قوات محمد علي ضد السعوديين، وأسهم في إخراجهم، ولكن محمد علي لم يكن يثق كثيرًا بالشريف غالب لتقلباته وتعدد ولائه بين العثمانيين والسعوديين ثم المصريين، وقد عين محمد علي بديلاً عنه الشريف يحيى بن سرور أميرًا على مكة المكرمة، وذلك في شهر ذي القعدة من عام 1228هـ / نوفمبر 1819م، كما أحدث محمد علي تعديلات إدارية طفيفة، الهدف منها الحد من سلطة أمير مكة المكرمة وتقوية نفوذه هو في المنطقة

ولم تستقر أحوال مكة المكرمة كثيرًا، بل استمرت حالة عدم الاستقرار والأمان تسيطر على شؤونها، بسبب تنافر الأشراف وتنازعهم حكم الإمارة، وتدخل أصحاب السلطة سواء من العثمانيين أو من قوى أخرى ليس لها من هدف سوى إبقاء حالة المنطقة مضطربة، فما قام به محمد علي باشا مثلاً من ترتيبات إدارية كان - كما يذكر السباعي - السبب المباشر في تأجيج حدة الخلاف بين الأشراف المتنازعين على الحكم وتدعيم تدخل المسؤولين العثمانيين، فقد أوجد محمد علي منصبًا إداريًا سماه محافظ مكة المكرمة أسند إدارته إلى رئيس الحامية العثمانية في الحجاز أحمد باشا، إضافة إلى منصب رئاسة العربان التي ولاها للشريف شنبر بن مبارك، فأدى ذلك إلى تقليص نفوذ أمير مكة المكرمة يحيى بن سرور وتداخل صلاحيات المحافظ ورئيس العربان مع صلاحياته، بل إن نفوذ المحافظ أخذ يطغى كثيرًا على نفوذ الأمير؛ لذا كان من الطبيعي أن يحتك الطرفان ويحاول كل منهما تثبيت نفوذه وتأكيد سلطاته، فعمد يحيى إلى قتل الشريف شنبر في شعبان عام 1242هـ / إبريل 1827م، وأدى ذلك إلى تدخل المحافظ الذي أصر على إخراج يحيى من مكة المكرمة وتعيين أمير آخر، وهو ما حدث فعلاً حين عُيِّن عبدالمطلب بن غالب أميرًا على مكة المكرمة، وعلى الرغم من قبول يحيى ظاهريًا بذلك إلا أنه كان يبيِّت النية لاستعادة إمارته، وزادت الأوضاع سوءًا حين رفضت مصر اختيار عبدالمطلب لإمارة مكة المكرمة، وعينت بديلاً ليحيى الشريف محمد بن عبدالمعين من آل عون، ودخلت مكة المكرمة مرة أخرى في صراعات مسلحة؛ لأن أطراف النـزاع لم ترض بما حدث، ولم يستتب الأمر لمحمد بن عبدالمعين إلا بعد عام تقريبًا من النـزاع والاقتتال

وشهدت فترة محمد علي عدة اضطرابات أثّرت كثيرًا في الاستقرار الأمني واستمرار الحياة الطبيعية لأهالي منطقة مكة المكرمة، ولعل أشد تلك الاضطرابات كانت ثورات جنود الحامية العثمانية ذاتها وتعديهم على الأهالي ونهبهم دورهم وسرقتهم متاجر التجار سواء في مكة المكرمة أو جدة، وقد استغلت بعض القبائل الحجازية تلك الحالة من عدم الاستقرار فقطعوا الطريق ونهبوا المسافرين 

ولم تكن فترة بقاء مكة المكرمة تحت حكم محمد علي باشا أفضل حالاً من سابقتها، فلم تشهد استقرارًا أمنيًا كثيرًا، على الرغم من استقرارها السياسي النسبي؛ لأن مرجعيتها العليا أصبح محمد علي، ولم يحكمها سوى أميرين فقط طوال تلك الفترة هما: يحيى بن سرور، ومحمد بن عبدالمعين، كما لم تشهد المنطقة حركة إصلاح سواء في النواحي الاجتماعية أو الاقتصادية أو العمرانية، فحياة أهالي المنطقة لم تتطور كثيرًا، بل كانت الاضطرابات والاشتباكات المسلحة سببًا كبيرًا في انتشار الأوبئة والغلاء وعدم الأمان، كما لم تعرف المنطقة إنشاءات عمرانية ذات قيمة

إن هذه المرحلة التي بلغت في مدتها الزمنية ما يقارب الثلاثين عامًا كانت كما لو أنها مرحلة انتقالية بين مرحلة الحكم العثماني الأول والثاني؛ لذلك لم يلتفت لها محمد علي باشا كثيرًا، ولم تولِ حكومته الإقليم الاهتمام الذي أولته مصر