هذه تجربتي

الكاتب: المدير -
هذه تجربتي
"هذه تجربتي

 

حَفظتُ في صغري ??? حديث في قرابة الشهرين!

 

كنت لا أصحو أو أنام إلا وكتابٌ بين يدي، يأكل ويشرب معي، ويشاركني تفاصيل حياتي!

 

كنت لا أقطع ميلاً من الأرض دون تفكُّر في كتاب الكون المفتوح، في عظيم صنعة الباري في مخلوقاته، واختلاف طِباع الناس ومشاربهم.

 

كانت حياتي مليئة بالتفاصيل والثراء والجمال، من تَعلُّم، وتدريس وتعليم إخوتي، وبرامجَ ثقافيةٍ، وأفلام وثائقية، وزيارات وأصدقاء.

 

أتنقَّل بين السِّير والتاريخ، والرواية والعلم والأدب، وكان الوقت طويلاً يسعني وزيادة!

 

أما الآن فأصحو وأنام على (طنطنة) هاتفي المحمول!

برسائل واتس (بي بي)، وتويتر، وانستغرام.

ولا يزال الثقب يتمدَّد ليُغرِقَنا، ويُغرِقَ حياتنا.

 

برامج تلو برامج، وتطبيق تلو التطبيق، دوَّامة لا تنتهي، نتسابق إليها مسرعين بهَلَعٍ؛ خشيةَ أن يفوتنا الرَّكْبُ!

 

• ذات مساء كنت عاكفةً - كعادتي - أمام شاشة هاتفي، أبتسِمُ لرسالة هذه وتلك، أردُّ على صديقاتي وزميلاتي فيما فيه فائدة، وفيما هو دون ذلك!

 

ساقني الله أن ألتفتُ لأختي الصغيرة التي كانت تنظر إليَّ تارة، وإلى الجدار تارة بملَلٍ!

 

آسفني هذا الموقف، وفتَّت كبدي!

 

أتعلمون لِمَ؟ لأني تركت (الإنسان) الذي أمامي بكل برود، دون مراعاة لمشاعره، وفَرَحِه، وقلبه، وانصرفت إلى شخصيات (إلكترونية)، وأنلْتُها من نفسي ما لم أُنِلْه من هو أحق الناس بذلك!

 

عجيب أن تكون السعادة حولنا؛ لكنا نتعامى عنها!

 

ونجري نبحث عن الأنس وسَعَة الصدر في شخصيات وهمية، تبعد عنا الأميال والأميال، ولا نعرف عن معدنها شيئًا.

 

يا للإفلاسِ الذي رُزِئْتُ به!


• انظر حولَك في البيت، وفي المدرسة، والجامعة، وممرَّات وقاعات الانتظار، وفي المشفى وغيرها، انظر إلى الصغير والكبير، الرجل والمرأة، العامل والوزير -كلهم يدسُّ رأسه تجاه هاتفه! مكتفيًا (بعالمه الخاص) من محادثة، وألعاب، وقراءة و و و...

 

كلهم حصَر الإنسان الذي هيَّأ الله له الكون بأجمعه لاستصلاحه، حصر هذا المخلوق المكرَّم في (شاشة زجاجية) وأضواء وألوان!

 

استخدَمَنا الهاتفُ، بدل أن نَستخدِمَه!

 

ألا تراك تجعله آخرَ ما تراه عينُك عند النوم، وأولَ ما تُمسِكُه حين تستيقظُ؟!

 

أحببت أن أُرِي نفسي - فعليًّا - حالي، فأغلقت هاتفي، ثم أخذته وهو مغلق، وأخذت أُمرِّرُ يدي عليه وكأني أستخدمه.

 

والله لقد ضرب قلبي فعليًّا معنى أن هذا (الجهاز) ما هو إلا آلة، وهالني منظرُ نفسي وأنا كالأبله، أتحرَّكُ يَمنةً ويَسرة، صعودًا ونزولاً أمام هذا الجهاز!

 

• أجعلنا أنفسَنا عبيدًا لهذه الأجهزة؟!

 

تتفاوت الإجابة، كلٌّ حسَب علمه بنفسه وإنصافه!

 

أما أنا فأقول: نعم! ثم نعم! ثم نعم!

 

أضاعَتِ التِّقْنية عليَّ نفسي، ووقتي، وعمري!

 

ينسلُّ العمر من بين أيدينا انسلالاً مريعًا، ولكنا اعتدنا ذلك؛ فلا نشعرُ به!

 

هذه تجربتي يا سادتي، أشكوا نفسي وجهازي إلى الله! وأسأله صلاحَهما.

 

أعلم أن كثيرًا لا يعاني مما ذكرت آنفًا، ولكن كثيرًا - أيضًا - له نفس قصتي ومعاناتي، كثير جدًّا، فدعنا لا نُكابِرْ!

 

ختامًا:

يا أخا البشرية، والإنسانية، والإسلام، جرِّبْ أن تتغلَّبَ على ذاتك ونفسك، أغلق هاتفك، أو احذف هذه البرامج التي تَشغلك لعدة أيام؛ حتى تتمكَّن من نفسك، وتعتاد حياتك على الهدوء بعيدًا عن ضوضاء الرسائل.

 

صدِّقْني ستجد ذلك ممتعًا، والفضاء رحبًا، والكون فينانًا، والنسيم عاطرًا، وإعانة الله أوسع وأكرم!

 

وإن لم تتدارك عمرك، أخشَ عليك - والله - ألا تدركَه! وأن نذرف الدموع السوافك حين لا ينفع الندم! فرحمتَك اللهم وإحسانك!


"
شارك المقالة:
10 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook