شرع الله تعالى من الأحكام والقواعد والمبادئ العامَّة والخاصَّة ما ينظم حياة النَّاس بشؤونها ومجالاتها المختلفة؛ من عباداتٍ ومعاملاتٍ وأخلاقيَّاتٍ وسلوكيَّاتٍ وآداب، وجاءت النُّصوص الشَّرعيَّة مبيِّنةً لهذه الأحكام والقواعد وموضِّحةً لها، فمنها ما جاء للمسلمين كافَّةً (أي الرِّجال والنِّساء على السَّواء)؛ كالتَّكليف بالعبادات وما كان متعلقاً بالحقوق، وترتيب الثواب والعقاب، فَهُم في ذلك متساوون كما جاء في قول النَّبيّ عليه الصَّلاة والسَّلام: (...إنَّما النساء شقائق الرجال
اشترط العلماء للحجاب السَّاتر لعورة المرأة -بصرف النَّظر عن الخلاف السَّابق الذِكر في كون الوجه والكفين من العورة- شروطاً عديدة، واستنبطوا ضوابطه من الأدلة الشَّرعية التي جاءت تتناول موضوع الحجاب ومواصفاته، ومن هذه الشروط والضَّوابط:
النِّقاب في اللغة من الجذر اللغوي نقب، النون والقاف والباء أصلٌ صحيحٌ دالٌّ على فتح الشيء ومنه نقب الحائط؛ أي فتحه، ونقاب المرأة شاذٌّ عن هذا الأصل كما قال ابن فارس والنِّقاب: القناع على مارن الأنف، والجمع منه نُقُب، ويقال: تنقَّبت المرأة وانتقبت. إنّ معنى النِّقاب في الاصطلاح الشَّرعي لا يبتعد عمَّا ذكره أهل اللغة في معاجمهم، فهو ما تضعه المرأة من القماش على الوجه لستره، وتتَّصل به ألفاظٌ قد يُظنُّ أنَّها ذاتها النِّقاب، وفي الحقيقة هي تختلف عنه وإن كانت تشترك معه في كونها ممَّا عُرف لباساً للمرأة، ومنها الخمار: وأصله في اللغة السَّتر، وهو ما تغطّي به المرأة رأسها، ومنه قول الله تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ )،والحجاب: وهو في اللغة السَّتر كذلك، ويراد به ما يستر جميع ما في المرأة عن غير محارمها من الرِّجال، ومنها البرقع: وهو ما كان ساتراً لوجه المرأة؛ لكنّه يختلف عن النِّقاب في وجود خرقٍ للعينين فيه.
اختلف علماء الفقه في حكم النِّقاب، فمنهم من ذهب إلى القول بوجوبه، ومنهم من ذهب إلى أنَّه سنَّة، وهناك من فصَّل وفرَّق، فذهب إلى القول بأنَّه واجبٌ للشَّابات من النِّساء في حال الفتنة وعدم أمنها، وخلاف هذا الحال فلا يكون واجباً، ولعلَّ مَردَّ اختلاف الفقهاء في حكم النِّقاب راجعٌ إلى تحديد عورة المرأة، فمن الفقهاء من عدَّ وجه المرأة وكفَّيها عورةً كسائر جسدها، وبالتالي يجب تغطيتهما وسترهما، وذهب جمهور الفقهاء إلى أنَّ عورة المرأة كلُّ جسدها في ما عدا الوجه والكفَّين؛ أي أنَّ الوجه والكفَّين ليسا عورةً ويجوز كشفهما، وعلى هذا يمكن تلخيص مذهب العلماء في حكم النِّقاب على النحو الآتي