همسة في أذن فتاة

الكاتب: المدير -
همسة في أذن فتاة
"همسة في أذن فتاة




احذري عقدَ مبارياتٍ جانبيةٍ تحت أي مسمًّى بينك وبين أترابك من الأخوات، في اقتناء الكماليات، وكثرة الإنفاق في متاع الدنيا، فإنك قدوة لغيرك، فاحذري أن تسقط القدوة عند الناس، فتكوني سببا في ابتعادهم عن الدين، وعدم الالتزام به.

 

إن الناس إذا ما وجدوا خطيبة مفوهة، أو داعية مجتهدة، أو مجتهدة في حفظ القرآن، أو تحصيل العلم الشرعي، وهي في نفس الوقت أحرص الناس على الحياة، لاختلت عندهم الموازين ولانصرفوا عن الطريق الصحيح للاستقامة على الدين.

يا واعظ الناس قد أصبحت متهَماً
إذ عبت منهم أمور أنت تأتيها
أصبحت تنصحهم بالوعظ مجتهداً
والموبقات لعمري أنت جانيها
تعيب دنياً وناساً راغبين لها
وأنت أكثر منهم رغبةً فيها!

 

إن المسلمة الداعية تكسب لدعوتها بسلوكها أكثر مما تكسبه بحديثها، وموعظتها، ودرسها في المسجد؛ ذلك لأن الناس ينظرون دائما إلى الدعاة كنماذج حية لهذه الدعوة، ويتأثرون بسلوكهم العملي أعظم مما يتأثرون بكلماتهم أو خطبهم أو ندواتهم.

 

فلتحذر المسلمة من مخالفة أفعالها لأقولها، فإن النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه، ولا يوافق فعله أقواله، ولهذا قال شعيب - عليه السلام - لقومه: ? وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ? [هود:88].

 

إن المرأة الصالحة عندما تتمثل أوامر الله تعالى، وتجتنب نواهيه، تصبح كأنها قطعة من الإسلام، يرى الناس فيها جمال الإسلام وجلاله وحسنه، في تصرفاتها ومعاملاتها.

 

يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليمُ
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
كيما يصح به وأنت سقيمُ
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا
أبداُ وأنت من الرشاد عديمُ
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
عار عليك إذا فعلت عظيمُ

 

وقد قال بعض الدعاة: لو وجد الالتزام والاستقامة من الرجل، لكان داعية بفعله، ولو لم يتكلم في الدعوة ببنت شفة.

إن مركز القدوة حساس جدا؛ لذا يجب على المسلمة المستقيمة على دين الله أن تنتبه إليه انتباها شديدا، لأنها قدوة لمن حولها اللائي يقلدنها، ولا بد أن يكون فعلها أبلغ في التعبير عن عقيدتها واستقامتها على الدين من قولها، لأن السلوك أعظم تأثيرا من القول.

 

ومن ها هنا، لما هم إمام مصر الليث بن سعد بفعل مفضول ينافي العزيمة، قال له إمام المدينة يحيى بن سعيد الأنصاري: (لا تفعل؛ فإنك إمام منظور إليك).

 

وقيل: من لم تهذبك رؤيته فاعلم أنه مهذب، ومن لم ينعشك عبيره على بعد، فاعلم أنه لا طيب فيه، ولا تتكلف لشمه.

والمسلمة الصادقة في استقامتها، ودعوتها تستمر هيبتها الإيمانية في تعاظم، وتظل في تصاعد، ما تصاعدت هيبتها لله تعالى.

قال الشافعي رحمه الله: من وعظ أخاه بفعله كان هاديًا.

وكان الواحد بن زياد يقول: ما بلغ الحسن البصري إلى ما بلغ إلا لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه، وإذا نهاهم عن شيء يكون أبعدهم منه.

 

فانظري أيتها المسلمة كيف وصلت القدوة إلى هذا الحد؟

وتأملي في خطرها وأهميتها.

(ولعمري، كم من فقيه يقول للناس: هذا حرام، فلا يزيد الحرام إلا ظهورا وانكشافا، ما دام لا ينطق إلا نطق الكتب، ولا يحسن أن يصل بين النفس والشرع، وقد خلا من القوة التي تجعله روحا تتعلق الأرواح بها وتضعه بين الناس في موضع يكون في اعتبارهم كأنه آت من الجنة منذ قريب، راجع بعد قريب.

 

والفقيه الذي يتعلق بالمال وشهوات النفس، ولا يجعل همه إلا زيادة الرزق بالمال وشهوات النفس، ولا يجعل همه إلا زيادة الرزق وحظ الدنيا، وهو الفقيه الفاسد الصورة في خيال الناس يفهمهم أول شيء ألا يفهموا عنه.

وبإيجاز إن الأسوة وحدها هي علم الحياة)[1].




[1] المنطلق للشيخ محمد أحمد الراشد (ص258) نقلًا عن الرافعي في وحي القلم - الجزء الثاني.


"
شارك المقالة:
33 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook