وجوب أداء الأمانة والتحذير من الخيانة

الكاتب: المدير -
وجوب أداء الأمانة والتحذير من الخيانة
"وجوب أداء الأمانة والتحذير من الخيانة

 

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن من أبرز الأخلاق التي يجب على كل إنسان أن يتَّصف بها ويحافظ عليها خُلق الأمانة؛ قال تعالى: ? إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ? [النساء: 58].

 

قال السعدي رحمه الله: الأمانات كلُّ ما ائتُمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به، فأمر الله عباده بأدائها؛ أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولًا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار، والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله؛ ا. هـ.

 

وأمر الله تعالى بأداء الأمانة في قوله تعالى: ? فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ? [البقرة: 283].

 

ولما ذكر الله تعالى أوصاف المؤمنين المفلحين قال: ? وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ? [المؤمنون: 8].

 

قال ابن كثير رحمه الله: أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان؛ ا.هـ.

 

وأمِرنا بالأمانة ونُهينا عن الخيانة حتى في معاملة الخائن؛ لأن أخلاق المؤمن لا تتغير، قال صلى الله عليه وسلم: (أدِّ الأمانةَ إلى من ائتَمَنك ولا تخن من خانك))؛ رواه أبو داودَ والترمذي، وصححه الألباني.

 

أيها الإخوة الكرام، الأمانة من الإيمان، فعن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له؛ (صحيح الجامع للألباني/7179).

 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تغرُّني صلاة امرئ ولا صومه، مَن شاء صام، ومَن شاء صلى، لا دين لمن لا أمانة له [262]، رواه الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)).(162).

 

أيها الأحبة الكرام، لقد حذَّر الله تعالى من خيانة الأمانات جميعها، فقال سبحانه: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ? [الأنفال: 27].

 

وإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم رأينا واقعا مرًّا، فقد أصبح من النادر جدًّا أن تجد أمينًا، وما أكثر الغش والخيانة في هذا الزمان، بل أحيانًا يؤتمن الخائن ويخوَّن الأمين إلا من رحم الله.

 

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خداعات؛ يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الروبيضة قيل: وما الروبيضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)؛ (أخرجه ابن ماجه في سننه، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 4108).

 

وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة ضياع الأمانة، فقال: (إذا ضُيِّعت الأمانة فانتظر الساعة، قالوا: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسِّد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة)؛ رواه البخاري.

 

وروى البخاري في صحيحه عن حذيفة ابن اليمان رضي الله عنه قال: حَدَّثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أحَدَهُما وأَنَا أنْتَظِرُ الآخَرَ: حَدَّثَنَا: أنَّ الأمَانَةَ نَزَلَتْ في جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ وحَدَّثَنَا عن رَفْعِهَا قالَ: يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأمَانَةُ مِن قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ الوَكْتِ - وهو الأثرُ اليَسيرُ كالنُّقطةِ - ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ فَيَبْقَى فِيهَا أثَرُهَا مِثْلَ أثَرِ المَجْلِ، كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ علَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وليسَ فيه شيءٌ، ويُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فلا يَكَادُ أحَدٌ يُؤَدِّي الأمَانَةَ، فيُقَالُ: إنَّ في بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أمِينًا، ويُقَالُ لِلرَّجُلِ: ما أعْقَلَهُ وما أظْرَفَهُ وما أجْلَدَهُ، وما في قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِن إيمَانٍ ولقَدْ أتَى عَلَيَّ زَمَانٌ، ولَا أُبَالِي أيُّكُمْ بَايَعْتُ، لَئِنْ كانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ عَلَيَّ الإسْلَامُ - أي: سيَمنعُه دِينُه من الخِيانَةِ ويَحملُه على أَدَاءِ الأمانَةِ - وإنْ كانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ - أي: سيقوم عَلَيْهِ الوالي بالأمانةِ فِي ولَايَتِه، فيُنصِفُني ويَستخرجُ حَقِّي مِنْهُ - وأَمَّا اليَومَ: فَما كُنْتُ أُبَايِعُ إلَّا فُلَانًا وفُلَانًا - إشارةً منه إلى أنَّ الأمانةَ قدْ ذهبَتْ من كثير الناسِ، فلا يُؤتَمَن على البيعِ والشِّراءِ إلَّا القليلُ لقلة الأمانةِ.

 

فإذا كان الصحابي حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قد رأى قلة الأمانة وقلة من يأتمنهم على البيع والشراء، بعد زمن الصحابة مع فضل تلك القرون، فماذا نقول نحن في هذا الزمان! نسأل الله السلامة.

 

أيها الإخوة الكرام، الغادر مفضوح يوم القيامة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الغادِرَ يَنْصِبُ اللَّهُ له لِواءً يَومَ القِيامَةِ، فيُقالُ: ألا هذِه غَدْرَةُ فُلانٍ»؛ رواه مسلم.

 

والأمانة أيها الإخوة الكرام ليست مقصورة على الودائع كما يفهم بعض الناس وإن كانت الودائع من الأمانة، إلا أن الأمانة تشمل كل ما افترضه الله علينا وكل ما أمرنا بحفظه، فالعبادات أمانة، الوضوء أمانة، الصلاة أمانة، الصيام أمانة، الزكاة أمانة، بر الوالدين أمانة، جوارحك أمانة، عقلك أمانة، وقتك أمانة، أموال الناس أمانة، وغير ذلك من الأمانات التي يجب علينا أن نحافظ عليها، ولا نتعدى عليها.

 

أيها الأحبة الكرام، ومن أعظم الأمانات التي فرَّط فيها كثير من الناس، تربية الأبناء ورعاية الأهل؛ قال الله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ? [التحريم: 6]، وجاء في الحديث: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ؛ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ»؛ رواه مسلم.

 

فمن ضيَّع أهله وأبناءه، ولم يقم بالواجب في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فقد ضيع الأمانة.

 

ومن الأمانة حِفظ السر، كما جاء في الحديث: عن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة))؛ رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني.

 

ومن الأمانات أموال الدولة، والأدوات التي يستعملها الموظف ولو كانت شيئًا يسيرًا كالقلم أو الورقة، فلا يجوز التفريط في شيء منها، أو استعماله لمصلحته الخاصة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ، فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ؛ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ رواه مسلم.

 

ومن أعظم الأمانة ما يقع بين الرجل وزوجته من أمور الجماع، فهو سر يجب عدم إفشائه، قال صلى الله عليه وسلم: إنَّ مِن أَعْظَمِ الأمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا؛ رواه مسلم.

 

قال النووي رحمه الله: وفي هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع، فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة، فمكروه لأنه خلاف المروءة؛ ا.هـ.

 

والاستشارة أمانة قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» صحيح؛ رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني.

 

? ووظيفتك أخي الكريم ومهنتك أمانة يجب عليك أن تؤديها كاملة وبإتقان وإخلاص، ولذلك لما سأل أبو ذر - رضي الله عنه - النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعمِلَه ضرب بيده على منكبه وقال: يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدَّى الذي عليه فيها؛ (رواه مسلم).

 

أدِّ الأمَانَة والخيانة فاجْتَنِبْ
واعْدِلْ ولا تظلمْ يَطِبْ لك مكسبُ
وإذا بُلِيْتَ بِنكبَةٍ فاصبرْ لها
مَن ذا رأيت مسلَّمًا لا يُنكَبُ

 

فاتَّق الله يا عبد الله، وأدِّ جميع الأمانات التي تحملتها، فسوف يسألك الله عنها يوم القيامة، فأعدَّ للسؤال جوابًا.

 

نسأل الله أن يجعلنا للأمانات راعين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


"
شارك المقالة:
27 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook