وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)

الكاتب: المدير -
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)
"هلاك الأمم بضياع أمر جلل
قُدِّم على الإيمان والصلاة في القرآن
وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1)


عدمُ استجابة الدعاء، ونزولُ البلاء والعقابِ، وهلاكُ الأمم - كلُّ هذا مُعرَّضون له بغيابِ أمرٍ عظيم مِن الله تعالى، قُدِّم على الإيمان بالله في القرآن الكريم - الذي هو أصل الدين - تارة، وقُدِّم على الصلاة - التي هي عمودُ الإسلام - تارةً أخرى، فيه نجاةُ الأمة، وبغيابِه تظهَرُ الرذائل، ويزدادُ الظلم، ويعمُّ إهدار الحقوق، وفساد الأخلاق، وتَهلِك الأمم، هذا الواجب هو (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

وسنَستَعرِضُ معكم في سلسلةِ مقالاتٍ البلاءَ الذي يسقُطُ على الأمم التي تُضيِّع هذا الأمر ولا تقوم به، مِن القرآن الكريم والسُّنة النبوية بشروحٍ لعلماء كبارٍ.

وسنبدأُ بتعليق العلَّامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله آل باز، رحمه الله، عن هذا الواجب العظيم (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).

قال الشيخ ابن باز رحمه الله:
إن موضوع (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) موضوعٌ عظيم، جديرٌ بالعناية؛ لأن في تحقيقِه مصلحةَ الأمة ونجاتَها، وفي إهماله الخطر العظيم، والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وظهور الرذائل.

 

ولم يكتفِ الشيخُ بذكر عواقب التهاون في هذا الأمر الإلهي، فأضاف إلى قوله السابق:
وقد أوضح اللهُ جل وعلا في كتابه العظيم منزلتَه في الإسلام، وبيَّن سبحانه أن منزلتَه عظيمةٌ، حتى إنه سبحانه في بعض الآيات قدَّمه على الإيمان، الذي هو أصل الدين وأساس الإسلام، كما في قوله تعالى: ? كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ? [آل عمران: 110].

ومِن خلال شروحِ الشيخ أكَّد أننا لا نعلَمُ السرَّ في هذا التقديم، إلا أن يكون لعظم شأن هذا الواجب، وما يترتَّب عليه من المصالح العظيمة العامة، ولا سيما في هذا العصر، فإن حاجة المسلمين وضرورتهم إلى (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) شديدةٌ؛ لظهور المعاصي، وانتشار الشِّرك بالله، والبدع في غالب المعمورة.

ودلَّل ابن باز على أنه ليس بالأمر الإلهيِّ الجديد، بل لقد عرَفَتْه جميع الأمم، في قوله:
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجودٌ في الأمم السابقة، بعَث الله به الرسل، وأنزَل به الكتب، وأصلُ المعروف توحيد الله والإخلاص له، وأصلُ المنكر الشرك بالله وعبادة غيره، كما جاء في قوله تعالى: ? وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [التوبة: 71].

فكيف قُدِّم واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الصلاة التي هي عمودُ الإسلام، وأعظم الأركان بعد الشهادتينِ، وعلى الإيمان الذي هو أصل الدين؟!

فأجاب على هذا السؤال شيخُنا ابن باز:
لا شك أنه قُدِّم لعظم الحاجة إليه، وشدة الضرورة إلى القيام به؛ ولأن بتحقيقِه تصلحُ الأمة، ويكثُرُ فيها الخير، ويتناصحون ويجاهدون في سبيل الله، ويأتون كل خير، ويذرون كلَّ شر، وبإضاعته والغفلةِ عنه تكونُ الكوارث العظيمة، والشرور الكثيرة، وتفترقُ الأمة، وتقسو القلوب أو تموت، وتظهَرُ الرذائل وتنتشر، وتختفي الفضائل، ويُهضَم الحق، ويظهَرُ صوت الباطل.

فإن هذا لأمرٌ واقع في كل مكان، وكل دولة، وكل قرية لا يُؤمَر فيها بالمعروف ولا يُنهَى فيها عن المنكر.

وعلى النقيض ذكر الشيخ عبدُالعزيزِ صفات المنفِّذين لهذا الأمر الواجب في قوله:
بيَّن سبحانه أن الآمرينَ بالمعروف والناهين عن المنكر، والمقيمين للصلاة، والمؤتين للزكاة، والمطيعين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم - هم أهل الرحمة، فدلَّ ذلك على أن الرحمة إنما تُنالُ بطاعة الله واتِّباع شريعته، ومِن أخص ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا تُنال الرحمةُ بالأماني ولا بالأنساب.

ولم يَفُتِ الشيخَ أن يُدلِّل على تمام الفلاحِ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من القرآن الكريم؛ حيث قال:
ففي قوله تعالى: ? وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [آل عمران: 104]، والمعنى أنهم هم المفلِحون على الكمال والتمام، وإن كان غيرُهم من المؤمنين مُفلحًا إذا تخلَّى عن بعض هذه الصفات لعذرٍ شرعيٍّ، لكن المفلحون على التمام والكمال هم هؤلاء الذين دَعَوا إلى الخير، وأَمَروا بالمعروف وبادَرُوا إليه، ونهَوا عن المنكر وابتعدوا عنه.

وفي السُّنة أحاديثُ عدَّة بها عواقب وَخِيمة لمن يُضيِّع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منها ما ذكره الشيخ في قوله:
ورد في الحديث أيضًا عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((يقول الله عز وجل: مُرُوا بالمعروف وانهَوا عن المنكر، قبل أن تدْعوني فلا أستجيب لكم، وقبل أن تسألوني فلا أعطيكم، وقبل أن تستنصروني فلا أنصركم)).

وأضاف: وفي لفظ آخر رواه الإمام أحمد عن حديث حذيفة، يقول عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيدِه، لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهَوُنَّ عن المنكر، أو ليُوشِكن الله أن يبعَث عليكم عقابًا مِن عنده، ثم لتدْعُنَّه فلا يستجيب لكم)).

لم ينتهِ حديثُنا عن هذا الواجب العظيم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي بضياعِه يحدثُ البلاء الجلل، والفساد في الأرض، بل سنُكمِل في مقالات أخرى، مبرهنة بآيات من القرآن الكريم والسُّنة النبوية، بشروح عدد من علمائنا العظام، آملين أن يستفيد المسلمون من أخطاء الأمم السابقة، ولا يتركوا الظلم يتفشَّى بينهم فتَهلِك الأمة أجمع، بما فيها الصالح والطالح، راجين من المولى أن يُوفِّقنا لِما يحبه ويرضاه.


"
شارك المقالة:
14 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook