وجوب التواضع والتحذير من الكبر

الكاتب: المدير -
وجوب التواضع والتحذير من الكبر
"صفات عباد الرحمن (2)
وجوب التواضع والتحذير من الكبر

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

فإن أول صفة ذكرها الله تعالى في صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان، صفة التواضع التي جاء ذكرها في قوله تعالى: ? وَعِبَادُ الرَّحْمَ?نِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ? [الفرقان: 63].

 

يمشون على الأرض هونًا، فما معنى هونًا؟

قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: أي: بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار، كما قال تعالى: ? وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ? إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ? [الإسراء: 37].

 

وقال ابن القيم - رحمه الله -: متواضعين غير أشرين ولا مرحين ولا متكبرين.

 

أيها الأحبة الله:

التواضع صفة صاحبها محبوب عند الله محبوب عند الناس، والمتواضع مكانته رفيعة عند الله وعند الناس.

 

روى الإمام مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه).

تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ
على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تكُ كالدخّان يرفع نفسه
إلى طبقات الجوّ وهو وضيع

 

ولما وصف الله تعالى أحبته الذين يحبهم ويحبونه قال: ? يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ? [المائدة: 54].

 

وقد كان قدوتنا وإمامنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المثل الأعلى في التواضع، لا يتميز عن أصحابه، حتى يأتي الأعرابي من البادية فيقول: أيكم محمدًا؟ ألفته القلوب، وأحبه الناس، وفدوه بأرواحهم وأبنائهم، وقد بين الله تعالى لينه لهم فقال سبحانه: ? فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ? وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ? فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ? [آل عمران: 159].

 

ولما سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ.

يلاطف أهله أكرم بزوج
يعف الأهل يغمرهم حنانا
يقاسمهم متاعبهم معينا
ويخدمهم فكم وضع الجفانا
فكم خصف النعال وخاط ثوبا
وكم من شأنه ملأ الجفانا
زعيم القوم خادمهم فطوبى
لمن خدم الرعية أو أعانا
تشبه بالرسول تفز بدنيا
وأخرى والشقي من استهانا

 

كيف لا يكون كذلك وقد قال الله له: ? وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ? [الحجر: 88].

 

وكان صلى الله عليه وسلم، يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم. [الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع وغيره].

 

وكان (يردف خلفه - يعني يُركب أحدًا معه - ويضع طعامه على الأرض، ويجيب دعوة المملوك، ويركب الحمار).

 

وحسبنا هذه الصفة الأخيرة تخيل يا عبدالله فهذا سيد الخلق أجمعين يركب الحمار، سبحان الله يا له من تواضع، لو أراد لدعا الله تعالى ولرزقه أفضل ما يركب في زمانه، بل لو شاء لسأل الله فسخر له ما يحمله مما لم لا يخطر على قلب بشر، ولكنه أراد أن يعيش مع الفقراء البسطاء، وكان من دعائه: (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين)؛ رواه الترمذي وصححه الألباني.

 

أيها الأحبة الكرام:

التواضع ليس مجرد خلق مستحب بل هو من الأخلاق الواجب على كل مسلم أن يتصف بها، لأن من لم يتواضع فهو واقع فيما هو ضد التواضع، واقع في ذنب قبيح وهو الكبر، صاحبه مبغوض ممقوت وهو على خطر عظيم إن لم يتب لأن الكبر ذنب ومرض قلبي خطير فتجد المتكبر يرد الحق ويحتقر غيره من الناس، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرَّة من كبر! فقال رجل: إنَّ الرَّجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة؟ قال: إنَّ اللَه جميل يحبُّ الجمال، الكبر: بطر الحقِّ وغمط النَّاس).

 

وما أكثر المتكبرين في هذا الزمان -لا كثرهم الله - وإذا كانت هذه عقوبة من في قلبه مثقال ذرة من كبر فكيف بمن في قلبه أكثر من ذلك عافانا الله وإياكم.

 

وفي الحقيقة فإن المتكبر أجهل الناس ولو كان يحمل أعلى الشهادات، لأنه جهل قدر إخوانه المسلمين، وخالف أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

قال محمد بن الحسين بن علي رحمه الله: ما دخل قلب امرئ شيء من الكِبْر قط، إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر.

 

وقال ابن تيمية رحمه الله: الكبر ينافي حقيقة العبوديَّة، كما ثبت في الصَّحيح: عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:

(يقول الله: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذَّبته)، فالعظمة والكبرياء من خصائص الرُّبوبيَّة، والكبرياء أعلى من العظمة؛ ولهذا جعلها بمنزلة الرِّداء، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار.

 

فاتق الله يا عبد الله وألزم نفسك التواضع مع كل مسلم، صغيرًا كان أو كبيرًا غنيًا كان أو فقيرًا، تعرفه أو لا تعرفه، فالأخلاق لا تتجزأ، لأن من الناس للأسف من يتواضع مع صاحب الجاه والمال، ويتواضع مع أقاربه، وأهل بلده فحسب، لكنك تراه متكبرا متفاخرا على الفقير، والمسكين، متكبرًا على بعض فئات المجتمع، فهذا لم يتواضع لله، ولم يتواضع لأن هذا خلقه، هذا يتصنع التواضع لأجل مصلحته، فتتغير أخلاقه بحسب الشخص الذي يقابله.

 

عجبًا والله لمن يتكبر على أخيه المسلم والله تعالى يقول: ? يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى? وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ? [الحجرات: 13].

 

لم يقل أكرمكم أكثركم مالًا، ولا أعظمكم جاهًا، ولا منصبًا، بل قال أتقاكم وهذا علمه عند الله، فقد تتكبر على مسلم وهو أتقى لله منك.

 

ثم لماذا يتكبر بعضنا على بعض وكلنا مخلوقون من تراب ثم من نطفة وكلنا إلى التراب صائرون وسيكون فراشنا ولحافنا التراب كما قيل:

يا ابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غدًا *** أقصرْ فإنَّك مأكولٌ ومشروبُ

 

وقيل:

تتيهُ وجسمُك مِن نطفةٍ *** وأنت وعاءٌ لما تعلمُ

 

أيها الأحبة الكرام:

الكبر ذنب خطير يؤدي إلى ذنوب عظيمة، وإذا وقعت المعصية بسبب الكبر فيخشى على صاحبه أن يلعن.

 

قال سفيان ابن عيينة - رحمه الله -:

مَنْ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي الشَّهْوَةِ فَارْجُ لَهُ التَّوْبَةَ، فَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَصَى مُشْتَهِيًا فَغُفِرَ لَهُ، وَإِذَا كَانَتْ مَعْصِيَتُهُ فِي كِبْرٍ فَاخْشَ عَلَى صَاحِبِهِ اللَّعْنَةَ فَإِنَّ إِبْلِيسَ عَصَى مُسْتَكْبِرًا فَلُعِنَ.

 

وحسبك أن الله تعالى يعامل المتكبر يوم القيامة من جنس عمله، فيحشره الله صغيرا كما كان يرى الناس صغارا في عينه ويدوسه الناس بأقدامهم، تخيل هذا لتحذر من أقل شيء في الكبر قال صلى الله عليه وسلم: (يُحشَرُ المتَكَبِّرونَ يومَ القيامةِ أمثالَ الذَّرِّ في صُوَرِ الرِّجالِ يغشاهمُ الذُّلُّ من كلِّ مَكانٍ، يُساقونَ إلى سجنٍ في جَهَنَّمَ يسمَّى بولُسَ تعلوهُم نارُ الأَنْيارِ يَسقونَ من عُصارةِ أَهْلِ النَّارِ طينةَ الخبالِ)؛ [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

ومن عقوبات المتكبر أنه لا ينظر الله إليه يوم القيامة، صح عنه صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء – يعني تكبرًا - لم ينظر الله إليه يوم القيامة)؛ رواه مسلم.

 

الكبر يا عباد الله يؤدي إلى البغي والتعدي على الآخرين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ اللهَ أَوْحَى إليَّ: أن تَواضَعوا حتى لا يفخرَ أحدٌ على أحَدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحَدٍ).

 

أيها الأحبة الكرام:

الفوز في الآخرة لأهل التواضع الذين لا يحبون التكبر، ولا يحبون البغي والتعالي على المؤمنين، كما قال سبحانه: ? تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ? وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ? [القصص: 83].

 

فاحذر يا عبدالله من التكبر على عباد الله، وألزم نفسك التواضع لتحظى بسعادة الدنيا والآخرة، فإن المتواضع محبوب عند الناس محبوب عند الله، جعلنا الله وإياكم من المتواضعين، وأجارنا من الكبر والغرور. وصلى الله وسلم على خير المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook