وسط الجزيرة العربية وعلاقاته الخارجية بالرياض في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
وسط الجزيرة العربية وعلاقاته الخارجية بالرياض في المملكة العربية السعودية

وسط الجزيرة العربية وعلاقاته الخارجية بالرياض في المملكة العربية السعودية.

 
 
تتمتع المنطقة بموقع جغرافي متميز  ،  فهي تحتل جزءًا كبيرًا من وسط شبه الجزيرة العربية، وهو ما يحتم على القادم من الشمال والجنوب أو الغرب والشرق- أو العكس- المرور بهذه المنطقة؛ إذ تكثر فيها الطرق التجارية سواء الفرعية التي تربط مدن المنطقة وأقاليمها، والرئيسة التي تربط المنطقة بالمناطق الأخرى  .  فهذه الأهمية الإستراتيجية، دفعت الدول والمناطق المحيطة إلى الاحتكاك بها. فالعلاقات الحضارية والتأثير والتأثر تخطى حدود شبه الجزيرة العربية حتى وصل إلى اليونان   وسورية شمالاً ومصر غربًا وإيران شرقًا. ولعل ما يمثل هذا التواصل الحضاري المعثورات واللقى الآثارية التي جاءت من موقع الفاو،  فمثلاً المسكوكات التي جاءت من مدينة الفاو تحـمل بالإضافة إلى طابعها المحلي البين، تأثرًا هلنستيًا ورومانيًا، بل وأحيانًا تأثرًا فارسيًا. وكذلك التماثيل المعدنية المهمة، مثل: تمثال الطفل المجنح، فهو للطفل هاربوكراتيس ابن الآلهة إيزيس،  والتمثال النصفي للمعبودة منيرفا إلهة الحكمة عند الرومان، فهذان التمثالان يحملان أسلوبًا هلنستيًا رومانيًا. وبالنسبة إلى الاتصال بالمصريين في الغرب، فقد جاء واضحًا في بعض المعثورات، مثل: الحلي، ولعل أهمها الفص الذي جاء على شكل جعران من الأحجار الكريمة (نصف كريمة)، عليه إطار من الذهب، بالإضافة إلى التاج المزدوج الذي يلبسه الطفل المجنح، فقد كان عنصرًا فرعونيًا، فهو - أي التاج المزدوج - يمثل تاج مصر العليا وتاج مصر السفلى. وكذلك القرن المعقوف الذي يعلو قمته عنقود من العنب جاء مشابهًا لقرون جاءت مع تماثيل عُثر عليها في مدينة نهاوند بإيران، وهو ما يعني الاتصال الحضاري والثقافي بالجانب الشرقي للخليج العربي.
 
وآخر هذه الأمثلة الدالة على الاحتكاك بمصر الفرعونية، هو التمثال البرونـزي المسمى بالتمثال الخاشع، وهو لشخص جالس على ساقيه ويداه ممدودتان فوق فخذيه  .  وأن هذه المعثورات قدمت الأدلة الدقيقة على اتصال أهالي مدينة الفاو - ليس فقط كما ذكرنا - بالشعوب والأقوام من خارج شبه الجزيرة العربية بل بالأقوام والقبائل داخلها، فالفخار بمختلف أنواعه والكتابات المختلفة شماليها وجنوبيها يؤكدان الاتصال الحضاري والثقافي المباشر، مثل: الأنباط شمالاً، والمعينيين والحميريين جنوبًا. وهذه الأدلة وغيرها تؤكد أن سورية بحضارتها وثقافتها القديمة تمثل التقاء الحضارات في العصر الحديث، وأن الفاو بحضارتها وثقافتها تمثل التقاء الحضارات في شبه الجزيرة العربية، والدليل تمثال الطفل المجنح الذي تضمن خصائص فنية محلية خالصة، ومصرية، وهلنستية، وفارسية. وإذا كانت الثقافة المعينية واضحة على العاصمة التجارية لمملكة كندة، الفاو، فإنه لم يعثر حتى الآن على نقوش معينية تتحدث مباشرة عن علاقتها بوسط شبه الجزيرة العربية، أما النصوص السبئية العائدة إلى العصرين السبئيين المتوسط والمتأخر، على الرغم من قلتها فهي لا تتعدى بمجملها ثمانية نصوص سبئية (حميرية)  ،  اثنان منها يعودان إلى العصر السبئي المتوسط، وهذه النصوص السبئية جاءت فيها إشارات مباشرة إلى صلة سبأ بالمنطقة وعلاقتها بها. وتغطي ثلاثة قرون تقريبًا، أقدمها نص شعرم أوتر الذي ربما يعود إلى بداية القرن الثالث الميلادي، وأحدثها يعود إلى منتصف القرن السادس الميلادي إبان عهد الملك أبرهة زبيمان ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهم.
 
وتنقسم هذه النصوص من حيث موضوعاتها إلى قسمين: سلمي، وحربي، ونقصد بالسلمي النقوش التي تشير إلى تعاون بين قبائل المنطقة والسبئيين (الحميريين). أما الحربي فنعني به النقوش التي تُظهر تدخل الملك الحميري تدخلاً عسكريًا مباشرًا سواء أجاء هذا التدخل بمساعدة قبيلة أم قبائل من المنطقة أم لحملات عسكرية تأديبية. أما النصوص التي صنفت بالحربية فهي ستة نصوص، ثلاثة منها تدل دلالة واضحة على المواجهة العسكرية المباشرة بين مملكة سبأ وذي ريدان وإحدى القوى السياسية في المنطقة، أحدها رسمي منسوب إلى الملك إل شرح يحضب، ويعود إلى منتصف القرن الثالث الميلادي، ويتكون من ستة عشر سطرًا  ،  ما يهم منها السطر الثاني، فقد أشار فيه البلاط الملكي إلى نجاح قوات الملك في أسر ملك كندة المدعو مَالِك (ملكوم)، نظرًا إلى تمرده وشعبه ضد الإله ألمقه وملكي سبأ وذي ريدان، والسطر يُقرأ على النحو الآتي:  
 
واليابسة (الشرق)، ولأن ألمقه قد ساعدهم في أسر ملكوم (مَالِك)، ملك كندة، وكبار كندة كانت بمساعدة ملكوم، فقد تمردت ضد ألمقه، وضد الملكين، ووصلوا إلى امرئ القيس بن عوف ملك خصصتن (الخصاصة)، وأخذوه وملكوم (مَالِك) هذا وأكابر كندة إلى مدينة مأرب حتى تخلوا عن هذا الغلام امرئ القيس، حتى قدموا مواثيق ورهائن من شعب كندة، ابن ملكوم، وأبناء رؤساء وأكابر كندة.
 
أما النصان الآخران، فقد كتبهما نبيلان من نبلاء حمير ووجهائها، وأشارا في نصيهما إلى حملة قام بها ملك سبأ وذو ريدان على قرية ذات كهل، أسفرت عن انتصار الجيش الحميري، وحصوله على عدد من الغنائم. وتكمن أهميتهما في أنهما يشيران إلى أول احتكاك عسكري مباشر بين سبأ وقرية ذات كهل (كندة). وعلى الرغم من أن النصين لم يشيرا إلى سبب حملة الملك (شعرم أوتر) على قرية ذات كهل، إلا أن بعضهم قد رَبَط بين عدم تمكن سبأ من صد التدخل الحبشي في تهامة وهذا التمرد؛ فقد أغرى التدخل الحبشي بعض القبائل والممالك وسط شبه الجزيرة بإعلان التمرد ومحاولة الخروج من الهيمنة السبئية  ،  لكن النصين يظهران فشل هذا التمرد، وأن السطور من الأول إلى السابع لنص الوجيه قشن أشوع هي:  
 
1- قشن أشوع وابنه.
 
2- أب كرب، أبناء صعقن، قدموا إلى.
 
3- المقه ثهوان، بعل أوام، هذا التمثال.
 
4- من غنائمهم التي كسبوها من.
 
5- قريتهم، عندما حاربوا لكي يشيعوا.
 
6- ملكهم شعرم أوتر.
 
7- ملك سبأ وذي ريدان.
 
وكذلك النص للأسطر من الأول إلى السادس في نص الوجيه شرحم بن خذوت ورجلم الذي يقرأ على النحو الآتي:  
 
1- شرحم (من) بني خذوة ورجلم.
 
2- أهدى إلى المقه ثهوان.
 
3- بعل أوام هذا التمثال من.
 
4- غنائمهم من مدينة قرية.
 
5- ذات كهل من أجل أن المقه.
 
6- يسدهم بالحظوة والرضى من سيدهم...
 
وبالنسبة إلى بقية هذه النصوص، فتقسم إلى قسمين، اثنان منهما يدلان على نجاح سبئي في استخدام مبدأ فرق تسد، فتدخل سبئي لتأديب قبائل مَعْد، كان يتم بدعم ومساعدة من بعض القبائل والممالك المحلية. وهما نصان رسميان، أولهما يعود إلى منتصف القرن الخامس الميلادي، إبان عهد أبي كرب أسعد وابنه حسان يهأمن ملكي سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعراب طوء وتهامة  ،  وثانيهما يعود إلى منتصف القرن السادس الميلادي إبان فترة حكم أبرهة زبيمان ملك سبأ وذي ريدان ويمنت  .  وهذان النصان يؤكدان أن مَعْد القوية في المنطقة عارضت التدخل الحميري بشؤون المنطقة الداخلية مدة تزيد على القرن، لكن هذا الموقف من مَعْد لم يلقَ القبول من كندة التي كانت دائمًا تدعم الوجود الحميري، عدا ما حصل في النصف الأول من القرن الثالث الميلادي، إذ غزا شعرم أوتر قرية ذات كهل، وبعدها بعدة عقود أُسر ملك كندة ملكوم (مالك) من قبل ملك سبأ وذي ريدان إل شرح يحضب، في إشارة واضحة إلى أن العلاقات ازدادت ترابطًا وقوة منذ منتصف القرن الثالث الميلادي، مدة تزيد على القرنين والنصف.
 
ويظهر نصان رسميان التعاون الوثيق بين السبئيين وممالك المنطقة، ففي الأول العائد إلى الملك معدي كرب يعفر، تدخل السبئيون مباشرة لدعم ثوار المنطقة ضد تدخل المنذر  ،  أما الثاني الذي يعود إلى بداية القرن السادس الميلادي، فيظهر دعم ومساندة كندة ومذحج لسبأ في حربها ضد الأحباش في ظفار   من خلال مشاركتها في هذه الحملة العسكرية. ومع قوة التحالف الكندي الحميري خلال الفترة من القرن الرابع إلى السادس الميلاديين، إلا أن هذه العلاقة لم تكن جيدة، فقد شابها توتر قرب منتصف القرن السادس الميلادي، وتحديدًا في عام 542م، وذلك بعد أن قام والي كندة المعين من قبل أبرهة، يزيد بن كبشة، بإعلان التمرد على أبرهة، فأرسل أبرهة حملة تأديبية لقمع هذا التمرد
 
 
شارك المقالة:
42 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook