وعدت إلى الطريق

الكاتب: المدير -
وعدت إلى الطريق
"وعدت إلى الطريق

 

بسم الله، والحمد لله، وصلاة وسلامًا على حبيبنا ونبينا وشفيعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نسير في حياتنا نأمُل ونرجو رضا الله، ونسعى بجد وجهد لننال رضاه سبحانه، فإذا بنا نتذلل خاضعين خاشعين في صلواتنا، يوقظنا صوتُ الأذان في وقت الفجر، نصلى صلاتنا ونتبعها بالذكر والآي الحكيم.

 

وإذ بنا ونحن في هذه الطريق الملأى بالورود، تتسلل إلينا حبائلُ الشيطان، فتجذبنا جذبة تخرجنا عن الطريق، نصرخ صرخة مكتومة، التفت حولها همزات الشياطين، فإذا بالنفس تهوي إلى الأرض وتتخلى عن التحليق، مستمتعة بما قد زيَّنه لها إبليس، وتغرق في بحر الهوى، قد كتمت أنفاسها المعاصي والذنوبُ.

 

وينظر الشيطان إلى فريسته - التي قد خدرتها الملذات - بعين ضاحكة ملؤها الحقد الدفين، وكأنه يشهر سيفه ليقطع حبل اليقين، فإذا بالقلب يصرخ صرخة عالية ملأت جنبات الكون بالرجاء واليقين..


أدركني يا ربي، فأنا العبد الأسيف، قد كبلتني مكائد الشيطان، وأنت الغفور الرحيم.

 

أنا الضعيف يا ربي وأنت القوي، أنا المسيء يا ربي وأنت العفو.
أنا الفقير يا ربي وأنت الغني، فإذا بالشيطان ينزوي، وإذا بالنفس تفيق، فتلقف أنفاسها وتخرج من الحضيض، وأسرعت منطلقة نحو الطريق، التفتت خلفها ورأتْ بوضوح ما كانت فيه من عفنٍ، وما نجاها منه إلا الله، بما بقي في القلب من حسن التوكل واليقين.

 

وعدت إلى الطريق وواصلت المسير، وفرحتُ بعودتي، وظننت أني سأُكمل دون عناء، وسأعود كما كنتُ منطلقة نحو السماء، ونسيت وعد الشيطان العتيق: ? لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ? [الأعراف: 16]، فكان الصراع المرير، بيني وبينه، ونفسي تُمنيني متاع الغرور، وتريد أن تعود لتذوق ما ظنَّت أنها ستسعد به دون غيره، فنهرتها وذكَّرتها بلذة القلب في الخلوات التي تفوق كل الملذات، فسكنت، وعلِمت أنه لا بد للنجاة من جهاد وعملٍ وصبر بقلب خاشع، خاضع، متوكل، متجرد، مستسلمًا لله، فذهبتُ مسرعة إلى وسط الطريق، ألوذ بالخالق الذي ليس لنا سواه، ليرد إلى روحي نقاء الذكر والتسبيح.

 

فإذا بصوت جميل، يملأه الدفء والأنس الكبير، صوت صحبة قد التفت حولي، لتصحبني وتشد من أزري، حتى نصل سويًّا إلى نهاية الطريق.


فنظرت إليهم، فرأيت وجوهًا قد زيَّنتها البسمة والوقار، وقلوب ملؤها النور والحب والصفاء.


فوالله ما تركوني، ولا نهروني، بل بكل حب وود قد اجتذبوني، وإذ بيدي تتشابك بأيديهم، والقلب يبكي فرحًا على نعم الله التي قد ملأت حياتي ويسرت طريقي.

 

حينها شعرت أنني قد صرت ممن قال الله فيهم: ? إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ? [الحجر: 42]، وأدركتُ أنه لا بد لي من شكر النعم لأرتقي، فقد قال الله تعالى: ? لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ? [إبراهيم: 7].

 

فاللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.

اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وإليك يرجَع الأمرُ كله.


"
شارك المقالة:
28 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook