وقعة الأربعاء في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

الكاتب: ولاء الحمود -
 وقعة الأربعاء في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية

 وقعة الأربعاء في منطقة جازان في المملكة العربية السعودية.

 
بمجرد أن وصلت أنباء هزيمة القوات العثمانية ومقتل قائدها في المخلاف السليماني الوالي فرحات السكران إلى الوالي العثماني فرهاد باشا سارع بتجهيز حملة عسكرية جديدة، وأسند قيادتها إلى الأغا أمير ربه والأغا فرحات الجمليات، وزحفت هذه الحملة إلى المخلاف السليماني  
 
ونتيجة لقوة هذه الحملة وتفوق عدتها وعتادها تمكنت من هزيمة الأشراف هزيمة كبيرة، حيث بلغ عدد القتلى نحو 1800 شخص، وكان على رأس القتلى الأمير عبدالوهاب القطبي  
 
ولعل قسوة القوات العثمانية في التعامل مع الأشراف تعود إلى رغبة القيادة العثمانية في القضاء نهائيًا على مشكلات المخلاف والتفرغ للإمام شرف الدين وأبنائه في المناطق الجبلية؛ إذ إنه بعد هذه الموقعة خمدت تمردات أشراف المخلاف بعد أن تبين لهم قوة العثمانيين وقسوتهم في التعامل مع خصومهم فآثروا الاستكانة، وتجنبوا المواجهات المباشرة مع القوات العثمانية، واقتصروا على القيام ببعض الغارات الخاطفة التي تجنبوا فيها الدخول في مواجهة مع القوات العثمانية  ،  كما انشغلت القوات العثمانية بالقضاء على المقاومة في الداخل  
 
ويلاحظ أن هذه المواجهات الثلاث - وهي أكبر المواجهات التي دارت بين الطرفين- قد حدثت في عام واحد وهو عام 955هـ / 1548م.
 
بعد هزيمة الأشراف في وقعة الأربعاء ومقتل الأمير عبدالوهاب القطبي تزعّم أخوه الأمير عيسى لواء مقاومة العثمانيين، وأكثر من الغارات على القوات العثمانية في المخلاف متجنبًا الدخول معها في مواجهة مباشرة، وأحرق مدينة أبي عريش فأدى ذلك إلى نـزوح كثير من سكانها إلى المدن والقرى المجاورة طلبًا للنجاة  .  ولم يذكر المؤرخ النعمان موقف الوالي العثماني في المخلاف السليماني من غارات الأمير عيسى هذه.
 
ولم يكفَّ الأمير عيسى عن غاراته على القوات العثمانية في المخلاف حتى استرضاه أزدمر باشا القائد العام للقوات العثمانية في اليمن، ومنحه مبلغًا سنويًا مقابل الدخول في طاعة العثمانيين، فنـزل من الجبال واستقر في مدينة أبي عريش  
 
وبهذا هدأت المواجهات بين الأشراف والولاة العثمانيين في المخلاف لما يقرب من عشرين عامًا، ولم يتجدد الصراع بين الطرفين إلا في سنة 974هـ / 1566م عندما قام رجل من رجال والي المخلاف طاشفين بقتل أحد رجال الأمير عيسى القطب؛ مما أثار حفيظة الأمير عيسى فطالب بالقصاص، فرفض الوالي طاشفين بحجة عدم قتل عسكري بديواني  ،  فما كان من الأمير عيسى إلا أن أعلن تمرده من جديد، وأيدته الأسر والقبائل المتذمرة من سياسة هذا الوالي، وتمكن الأمير عيسى من إجلاء القوات العثمانية من المخلاف، وبسط سيطرته عليه  . 
 
ولم تستمر هذه السيطرة طويلاً، إذ سرعان ما سارع مراد باشا   بإرسال حملة عسكرية للقضاء على تمرد الأمير عيسى وإعادة المخلاف السليماني إلى النفوذ العثماني، وقد تمكنت هذه الحملة من محاصرة الأمير عيسى في قلعة جازان وهزيمته،  فانسحب إلى الجبال الشرقية بعد أن خسر أبرز رجاله   انتظارًا لفرصة أخرى.
 
وقد تحققت هذه الفرصة في سنة 990هـ / 1583م عندما نجح ابنه الأمير أحمد بن عيسى - بالتعاون مع أمير صعدة أحمد بن الحسين - في قيادة حملة عسكرية على المخلاف، تمكن من خلالها من القبض على والي المخلاف العثماني أصلان وأرسله تحت الحفظ إلى صعدة، كما قام بتخريب قلعة أبي عريش،  لكنه ما لبث أن انسحب إلى الجبال الشرقية عندما علم بقدوم حملة عثمانية إلى المخلاف  
 
هذه هي أبرز المواجهات بين القوات العثمانية وأسر المخلاف وقبائله، ويلاحظ عليها أنها لم تحصل فيها مواجهات حاسمة يترتب عليها خضوع المخلاف بصورة مطلقة للقوات العثمانية، أو تمكن أسر المخلاف وقبائله من استعادة السيطرة والانفراد بحكمه، ويمكن القول: إنها كانت موجات من الكر والفر ارتبطت بمدى قوة موقف القوات العثمانية في بلاد اليمن وعنف المقاومة التي تواجهها. كما أنه - في هذه الفترة - قامت كثير من الحروب بين أسر المخلاف وقبائله   ترتب عليها إضعاف هذه القوى المحلية، وإلحاق كثير من الأذى بالمنطقة. ولم تذكر المصادر المتاحة موقف الولاة العثمانيين في المخلاف من هذه الحروب، والغالب أنهم عملوا على تغذيتها لإشغال هذه القوى بنفسها ما يؤدي إلى عدم التعاون فيما بينها ضد القوات العثمانية في حالة حصول مقاومة أو تمرد.
 
كما حدث في هذه الفترة أيضًا أن أرسل أئمة اليمن بعض الحملات العسكرية إلى المخلاف السليماني بهدف الاستيلاء عليه وضرب مؤخرة القوات العثمانية في تهامة للتخفيف من ضغطها على بلاد اليمن الداخلية  
 
ولكن لم تتمكن هذه الحملات من الاستيلاء على المخلاف أو الدخول في مواجهة عسكرية مع القوات العثمانية لتحصن هذه القوات في الحصون والقلاع، وقد ترتب على هذه الحملات تدمير بعض معالم المخلاف الحضارية  .  وقد استمر العثمانيون في المخلاف السليماني حتى سنة 1036هـ / 1626م، وفي هذه السنة حدث تعاون بين أشراف المخلاف وإمام اليمن محمد بن القاسم، وتمكنوا بموجب هذا التعاون من إجلاء العثمانيين من المخلاف نهائيًا  
 
شارك المقالة:
47 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook