وقفة بين عامين

الكاتب: المدير -
وقفة بين عامين
"وقفة بين عامين
? لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ?

 

الحمد لله مقدر الأيام والشهور، ومصرف الأعوام والدهور، أحمده سبحانه وأشكره على سوابغ نعمه التي تقرّ بالشكر فلا تبور، وأستمنحه جل في عليائه التوفيق في كل الأمور، فهو سبحانه المُؤمل لكشف كل كرب وجبر كل مكسور، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الغفور الشكور، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، بعثه الله بالهدى والنور، فأشرقت شمس الحق في كل الربوع والدور، وزكت النفوس العليلة فغدت في سعادة وسرور، ورضوان وحبور، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ليوث الوغى والقدور، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث والنشور، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد:

نقف اليوم على بوابة عام قد أدبر لنلج بوابة عام قد أقبل، مضى عام بما فيه من آيات وبما فيه من حكم وعظات..

مضى عام بما فيه من أفراح و أتراح و بما فيه من مآسي و ويلات كم من إنسان استقبل ذلك عام وما استتمه و كم من قوي ضعفة قوته و كم من غني افتقر و كم من صحيح قد سقم؟

 

لذا نقف هذه الوقفات تحت عنوان: (وقفة بين عامين ? لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ? [الفرقان: 62]):

 

الوقفة الأولى: العبرة من تقلب الليل والنهار

إخوة الإسلام إن في تقلب الليالي والأيام عبرة وعظة لأولي الألباب فكم فيها من عظات وكم اشتملت على براهين ساطعات ولكن لا يدركها إلا من أسلم وجهه لرب الأرض والسماوات لذا قال الله تعالى ? وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ? [القمر: 4، 5].

 

وبين الله تعالى انه لا يدرك كنه الأحداث والآيات إلا من بصره الله تعالى ? يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ? [النور: 44].

 

قال السعدي - رحمه الله - (من حر إلى برد، ومن برد إلى حر، من ليل إلى نهار، ومن نهار إلى ليل، ويديل الأيام بين عباده، ? إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ? [آل عمران: 13] أي: لذوي البصائر، والعقول النافذة للأمور المطلوبة منها، كما تنفذ الأبصار إلى الأمور المشاهدة الحسية. فالبصير ينظر إلى هذه المخلوقات نظر اعتبار وتفكر وتدبر لما أريد بها ومنها، والمعرض الجاهل نظره إليها نظر غفلة، بمنزلة نظر البهائم.)[1]

 

و قال سبحانه و تعالى ? وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ? [الفرقان: 62].

قال القاسمي - رحمه الله - (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً أي ذوي عقبة يعقب كل منهما الآخر لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي يتفكر فيستدل بذلك على عظم قدرته أَوْ أَرادَ شُكُوراً أي يشكر على النعمة فيهما، من السكون بالليل والتصرف بالنهار. ويكون فيهما بما يقتضيه ما خلقا له[2].

 

ولهذا يقول سعيد بن مسعود رحمه الله تعالى: إذا رأيتَ العبدَ تزداد دنياه وتنقُص آخرته وهو بذلك راضٍ فذلك المغبونُ الذي يُلعَب بوجهه وهو لا يشعر[3]

ويقول محمد بن واسع: إذا رأيتَ في الجنة رجلاً يبكي، ألستَ تعجَب من بكائه؟! قيل: بلى، قال: فالذي يضحَك في الدنيا ولا يدري إلى ماذا يصير هو أعجبُ منه[4]

 

الوقفة الثانية: كل يوم هو في شأن

يقول الله سبحانه متحدثا عنه ذاته - جل جلاله - ? يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ? [الرحمن: 29].

 

قال الزمخشري - رحمه الله - عن ابن عيينة: الدهر عند الله تعالى يومان، أحدهما: اليوم الذي هو مدّة عمر الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهى والإماتة والإحياء والإعطاء والمنع[5].

 

والآخر: يوم القيامة، فشأنه فيه الجزاء والحساب.

كم من فقير مسلم -في عامنا الماضي-هام على وجهه؟!

كم من مشرد كان له بيت فصار بلا مسكن ولا مأوى؟!

كم من بريء مسكين قتلته رصاصات الغدر والكفر؟!

كم من حرة عفيفة هتك سترها كافر عتل غليظ؟!

كم من بلد استبيحت حرمته وسلبت أراضيه؟!

كم من أرض أحرقت ظلماً لا لشيء إلا لأن أهلها يقولون: ربنا الله؟!

كم وكم من الصور المؤلمة حملها عامنا الذي سيرتحل في حقيبته؟!

هي الأيام كما شاهدتها دولٌ
من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وهذه الدار لا تبقي على أحد
ولا يدوم على حال لها شانُ
وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ
أتى على الكل أمر لا مرد له
حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

 

الوقفة الثالثة: من علامات الساعة سرعة انقضاء الزمان




عباد الله إن من الملاحظ في الحقبة الأخيرة سرعة انقضاء الأعمار ومرور الليالي والأيام.

فكم نرى ونسمع من يشتكي قلة البركة في الأعمار وكم من تمر عليه الأعوام كأنها أيام وهذا ما أخبرنا به سيد الأنام – صلى الله عليه وسلم -.

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ، وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ) والسعفة هي الْخُوصَةُ)[6]

 

وقد اختلف العلماء في معنى تقارب الزمان على أقوال كثيرة، وأقوى هذه الأقوال:

قال النووي: الْمُرَاد بِقِصَرِهِ عَدَم الْبَرَكَة فِيهِ، وَأَنَّ الْيَوْم مَثَلا يَصِير الانْتِفَاع بِهِ بِقَدْرِ الانْتِفَاع بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَة اهـ.

وقال الحافظ: وَالْحَقّ أَنَّ الْمُرَاد نَزْع الْبَرَكَة مِنْ كُلّ شَيْء حَتَّى مِنْ الزَّمَان، وَذَلِكَ مِنْ عَلامَات قُرْب السَّاعَة اهـ.

 

ومن التقارب المعنوي أيضاً: سهولة الاتصال بين الأماكن البعيدة وسرعته مما يعتبر قد قارب الزمان، فالمسافات التي كانت تقطع قديماً في عدة شهور صارت لا تستغرق الآن أكثر من عدة ساعات.

 

قال الشيخ ابن باز:: التقارب المذكور في الحديث يُفسّر بما وقع في هذا العصر من تقارب ما بين المدن والأقاليم وقِصر المسافة بينها بسبب اختراع الطائرات والسيارات والإذاعة وما إلى ذلك، والله أعلم اهـ[7].

 

وأما التقارب الحسي؛ فمعناه: أن يقصر اليوم قصراً حسياً، فتمر ساعات الليل والنهار مروراً سريعاً، وهذا لم يقع بعد، ووقوعُهُ ليس بالأمر المستحيل، ويؤيده أن أيام الدجال ستطول حتى يكون اليوم كالسنة وكالشهر وكالجمعة في الطول، فكما أن الأيام تطول فكذلك تقصر. وذلك لاختلال نظام العالم وقرب زوال الدنيا.

 

إن ما نلمسه من تعاقب السنين والأعوام، وسرعة تصرم الأزمان والأيام؛ إشارة إلى معجزة نبوية، وعلامة من علامات الساعة قد أخبر عنها المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج، قالوا: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما الهرج؟ قال: ((القتل، القتل))[8]

 

خذ العبرة:

فلنا في الراحلين آية وأي آية، كانوا بالأمس معنا، نؤاكلهم، نشاربهم، نضاحكهم، نمازحهم، وسبحان الله ها نحن اليوم نودعهم، وفي باطن الأرض نواريهم، فارقوا الأهل والأحباب، واستبدلوا بالقصر المنيف، والمسكن الهانئ؛ بيت الدود والتراب، وأنت يا عبد الله اليوم على ظهر هذه الدنيا، وغداً أنت في جوفها، فماذا أعددت للرحيل، نسأل من الله لنا ولك النجاة يوم الدين، وأن يجعلنا ممن طالت أعمارهم، وحسنت أعمالهم، وأن لا يقبضنا إليه إلا وقد رضي عنا، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وبارك على النبي والنذير البشير.

 

الوقفة الرابعة: نصائح لمن استدبر عاماً واستقبل أخر

إن حكمة الإنسان في هذه الحياة أن يؤدي كل ما فرض الله عليه من واجبات ونواهي، ومع مرور الأيام وانقضاء السنين قد يتسلل إلى قلبه الملل، ويدخل في نفسه الضجر، وخاصة في النهايات من كل عمل، ونحن في نهاية العام يحسن بنا أن نذكر بالأتي:

أولا: محاسبة ومعاتبة:

أول هذه النصائح أن تحاسب نفسك على ما بدر منك في ذلك العام المنصرم: ولكن لماذا تحاسب نفسك؟

 

أخي المسلم، حاسِب نفسَك في نهاية العام لتعرفَ رصيدَك من الخير والشرّ ومدّخراتِك من الأعمال الصالحة، هذه وصيةُ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: حاسِبوا أنفسَكم قبلَ أن تحاسبوا، وزنوها قبل توزنوا[9]

 

فالمحاسبةُ تكشِف عن خبايا نفسِك، وتظهِر عيوبها، فيسهل عليك علاجُها قبل أن تندمَ لفوات الأوان، قال مالك بن دينار رحمه الله: رحِم الله عبدًا قال لنفسه: ألستِ صاحبةَ كذا؟! ألستِ صاحبةَ كذا؟! ثم ذمَّها، ثم خطمها، ثم ألجمها كتابَ الله -عز وجل-، وكان لها قائدًا[10]

 

قال تعالى: ? يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا ? [آل عمران: 30] إلى قوله: ? وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ? [آل عمران: 30]، وقال: ? وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ ? [الأنبياء: 47] إلى قوله: ? وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ? [الأنبياء: 47]، وقال: ? وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ ? [الكهف: 49] إلى قوله: ? وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ? [الكهف: 49]، وقال ? يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ? [الزلزلة: 6] إلى آخرها [الزلزلة: 6]. فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة.

 

وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة، فمن حاسب نفسه في الدنيا، خف في القيامة حسابه، وحسن منقلبة. ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته، فلما علموا أنهم لا ينجيهم إلا الطاعة وقد أمرهم الله تعالى بالصبر والمرابطة فقال: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ? [آل عمران: 200]، فرابطوا أنفسهم أولاً بالمشارطة، ثم بالمراقبة، ثم بالمحاسبة، ثم بالمعاقبة، ثم بالمجاهدة، ثم بالمعاينة. فكانت لهم في المرابطة ست مقامات، وأصلها المحاسبة، ولكن كل حساب يكون بعد مشارطة ومراقبة، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة، ولا بد من شرح ذلك المقام.

دع عنك ما قد فات في زمن الصبا
واذكر ذنوبك وابكها يا مذنبُ
لم ينسه الملكان حين نسيته
بل أثبتاه وأنت لاهٍ تلعبُ
والروح منك وديعة أودعتها
ستردها بالرغم منك وتسلبُ
وغرور دنياك التي تسعى لها
دار حقيقتها متاع يذهبُ
الليل فاعلم والنهار كلاهما
أنفاسنا فيها تعد وتحسبُ

 

قال إبراهيم التيمي: « مثلت نفسي في الجنة، آكل ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار، آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها؛ فقلت لنفسي: أي نفسي، أي شيء تريدين؟، قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا؛ فأعمل صالحا قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي»[11]

 

عن ميمون بن مهران قال: «التقي أشد محاسبة لنفسه من سلطان عاص، ومن شريك شحيح»[12]

قال مالك بن دينار: «رحم الله عبدا قال لنفسه النفيسة: ألست صاحبة كذا؟ ألست صاحبة كذا؟ ثم ذمها ثم خطمها، ثم ألزمها كتاب الله؛ فكان لها قائدا»[13]

 

ثانيا: الإكثار من العمل الصالح والتقرب:

مطلوب من الإنسان في نهاية العام الإكثار من الحمد والشكر على ما أنعم به من مهلة العمر والاستزادة من العمل الصالح قال تعالى: ? وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ? [التوبة: 105]، وقال تعالى: ? وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ? [الأعراف: 43]، فإن خير الناس من طال عمره وحسن عمله وشرهم من طال عمره وساء عمله، عن الحسن عن أبى بكرة أن رجلا قال: يا رسول الله أى الناس خير؟ قال:« من طال عمره وحسن عمله ». قيل فأي الناس شر؟ قال:« من طال عمره وساء عمله ».[14]

 

عن طلحة بن عبيد الله أن رجلين من بلي قدما على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان إسلامهما جميعا فكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر فغزا المجتهد منهما فاستشهد ثم مكث الآخر بعده سنة ثم توفي قال طلحة فرأيت في المنام بينا أنا عند باب الجنة إذا أنا بهما فخرج خارج من الجنة فأذن للذي توفي الآخر منهما ثم خرج فأذن للذي استشهد ثم رجع إلي فقال: ارجع فإنك لم يأن لك بعد فأصبح طلحة يحدث به الناس فعجبوا لذلك فبلغ ذلك رسول الله -صلى اللهم عليه وسلم-وحدثوه الحديث فقال: «من أي ذلك تعجبون» فقالوا يا رسول الله هذا كان أشد الرجلين اجتهادا ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أليس قد مكث هذا بعده سنة قالوا بلى قال وأدرك رمضان فصام وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة قالوا بلى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض[15]

 

ثالثا: الاعتبار والاتعاظ بالنوازل:

ومما ينبغي أن يتعظ به العبد وتتعظ به الأمة الإسلامية ما دار من أحداث عظام في ذلك العام ومن تكالب الأعداء على الأمة الإسلامية ففي كل صقع من أرجاء المعمورة دماء تراق وأعراض تستباح وأموال تنتهب وهاهم يحرقون في بورما وهاهم يبادون في سوريا و انظر إلى العراق لترى الفرقة و الشقاق و تأمل اليهم في ليبيا و أصبحت الأرضي الإسلامية مختبرا للأسلحة الفتاكة التي تصنعها الشعوب الظالمة.

أبكي على أمة قامت حضارتها
بالدين والعلم والأخلاق القيم
قد أمست اليومَ والأمواجُ تقذُفُها
والخُلفُ حل بها والحربُ في ضرَمِ
إني لأصرخ من قلبٍ يفيضُ أسى
وتستبد به حالٌ من السأمِ
في كل يومٍ ذئابُ الغاب تنهشُنا
وتستبيحُ حمى الإسلام والحُرمِ
فالقدسُ تصرخُ والبلدانُ في ترحٍ
والعينُ في سنةٍ والأذن في صممِ
لا تأمنن حقوداً بات يخدَعُكُم
يبدي وِدَادَا ويخفي السم بالدسمِ
رغم الخطوب على الأهوال مسرعةً
يا دعوة النورِ جدي السيرَ واقتحمي
ولتَشهَرِي السيفَ حان اليومَ موعدُه
قبل الضياعِ وفقدِ الروحِ والشممِ
هيا انهضي بعرى الإسلام واعتصمي
من الإله بحبلٍ غيرَ منفصمِ
بئسَ التفرق كم ذقنا مرارته
يا أمةَ الحق والقرآنِ فالتئميِ
إن ننصر اللهَ ينصرنا وتحرسنا
عنايةُ الله من ظُلمٍ ومن ظُلَمِ
بشائر الخير أنتم رغمَ محنتنَا
ومشعلُ الخيرِ في النهار والعتمِ
اللهُ أكبر وليعلُ الهتافُ بها
فالله أكبرُ رُغم الناسِ كلُهمِ

 

فأذل الله الأمة لأحقر وأذل أمم الأرض، ممن كتب الله عليهم الذل والذلة من إخوان القردة والخنازير، من أبناء يهود، حتى من عُبَّاد البشر ساموا الأمة سوء العذاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لقد أصبحت الأمة الآن قصعة مستباحة لأحقر أمم الأرض، ولأذل أمم الأرض، وحق على الأمة قول الصادق ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم كما تَدَاعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعَتِها، فقال قائل: من قِلَّة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنَّكم غُثاء كَغُثَاءِ السَّيْلِ، ولَيَنْزِعَنَّ الله مِنْ صدور عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ في قُلُوبكم الوَهْنَ، قيل: وما الوْهنُ يا رسول الله؟ قال: حُبُّ الدُّنيا، وكراهيَةُ الموتِ»..[16]

 

فانظروا -عباد الله-إلى الوهن الذي هو سر الضعف الأصيل، حيث يعيش الناس عبيداً لدنياهم، عشاقاً لأوضاعهم الرتيبة، تحركهم شهواتهم وشبهاتهم، وتموج بهم كالخاتم في الإصبع، وتسيرهم الرغائب المادية كما يسير الثور في الساقية؛ يتحرك في مدار محدود فاقد الهدف معصوب العينين، وهذا هو الوهن -عباد الله- حينما يكره المسلمون الموت، ويترقبونه كامناً في كل أفق، فيفزعون من الهمس، ويألمون من اللمس، يؤثرون حياة يموتون فيها كل يوم موتات على موت يحيون بعده حياة سرمدية.

 

الوقفة الخامسة: ما الواجب على الأمة؟

في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة من تنازع ومن تخاذل ومن تناحر ففاق حد الخيال حتى كثر الهرج فيما بيننا فانظر إلى الدماء التي تراق واسمع إلى صراخ و أنين الأطفال و الثكالى و المنكوبين و اللاجئين يرتد إليك البصر و هو حسير كسير.

لذا: لابد من وضع نقاط محورية للخروج من تيه التنازع ومن تيه الوطنية والقومية.

 

العودة إلى الكتاب والسنة:

يقول الشيخ المجاهد محمد محمود الصواف رحمه الله ((فبينما نحن معشر المسلمين أمة قاهرة ظاهرة في الأرض لنا الملك والسلطان والسيف والصولجان؛ ولنا الكلمة العليا؛ إن قلنا أصغت الدنيا لقولنا؛ وإن أمرنا خضعت الأمم لأمرنا وسلطاننا.

 

فلما تركنا أمر ربنا وخالفنا قواعد ديننا وتنكبنا الطريق المستقيم الذي رسمه الله لنا وخط لنا خطوطه واضحة بينة قوية وأمرنا بالسير فيه وسلوكه، لما سلكنا هذا السبيل المعوج صرنا إلى ما صرنا إليه من الفرقة والشتات والذل والهوان. وهل في الدنيا والآخرة شر وداء وبلاء إلا وسببه الذنوب والمعاصي وترك الأوامر والنواهي)[17]

يقول الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.[18]

 

وهذه هي القاعدة الذهبية في هذا المجال، وهي ما ذكرت من قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أخبر عن الفرقة الناجية عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَأْتِي عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلًا بِمِثْلٍ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ، وَإِنَّهُمْ تَفَرَّقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ غَيْرَ وَاحِدَةً»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا تَلْكُ الْوَاحِدَةُ؟ قَالَ: «هُوَ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي»[19]

 

فإذا كنا على ما كان عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه فالعاقبة مضمونة والنصر مضمون بإذن الله.

 

يقول الشيخ الغزالي في كلمته الهامة هذه:

((إن الدين بالنسبة لنا نحن المسلمين ليس ضماناً للآخرة فحسب إنه أضحى سياج دنيانا وكهف بقائنا.

ومن ثم فإني أنظر إلى المستهينين بالدين في هذه الأيام على أنهم يرتكبون جريمة الخيانة العظمى، إنهم - دروا أو لم يدروا - يساعدون الصهيونية والاستعمار على ضياع (بلداننا) وشرفنا ويومنا و غدنا..!! فارق خطير بين عرب الأمس وعرب اليوم. الأولون لما أخطؤوا عرفوا طريق التوبة، فأصلحوا شأنهم، واستأنفوا كفاحهم، وطردوا عدوهم[20]

 

ويقول الشاعر الأستاذ محمد الوقداني في هذه الأبيات المعبرة عن كيف أننا بحق نساعـــد الأعداء بتقصيرنا:

نحنُ ساعدنا الأعادي
بالتواني والرقادِ
لو رأوا صفا قوياً
مستعداً للجهاد
لأنابُوا واستجابوا
ثمَّ ثابوا للرشادِ
غيرَ أن الضعف يُغري
كلَّ عادٍ بالتمادي

 

ثانيا: إحياء عقيدة الولاء والبراء.

إذا أرادت الأمة أن تقوم من كبوتها وأن تنتصر على أعدائها فعليها أن تحيي عقيدة الولاء والبراء التي هي من أوثق عرى الإيمان الذي أماتها كثير من المسلمين بسبب النعرات القومية والوطنية والعصبية الجاهلية.

 

قال تعالى: ? وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ? [التوبة: 71]، ومرة يذكرها محذرا من الانسياق وراء تحالفات تضع المسلم جنبا لجنب مع الكافر في معاداة إخوانه المسلمين، قال تعالى ? لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ? [آل عمران: 28]، ومرة يذكر عقيدة الولاء والبراء على أنها الصبغة التي تصبغ المؤمنين ولا يمكن أن يتصفوا بما يناقضها، قال تعالى: ? لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ? [المجادلة: 22].

 

إن عقيدة الولاء والبراء هي عقيدة صيانة الأمة وحمايتها من أعدائها، كما أنها سبب للألفة والإخاء بين أفرادها، وهي ليست عقيدة نظرية تدرس وتحفظ في الذهن مجردة عن العمل؛ بل هي عقيدة عمل ومفاصلة، ودعوة ومحبة في الله، وكره من أجله وجهاد في سبيله؛ فهي تقتضي كل هذه الأعمال، وبدونها تصبح عقيدةً نظرية سرعان ما تزول، وتضمحل عند أدنى موقف أو محك.

 

ثالثا: الأخذ بأسباب القوة:

فالواجب على الأمة السعي الحثيث لإعداد العدة و امتلاك احدث الأسلحة سواء النووية أو الذرية لأن هذه الأسلحة الآن أصبح من يمتلكها في مأمن من العدو فالكل يهابه و يخافه و يحسب له ألف ألف حساب، اما من تخلف عن ركبها و لا يمتلكها فهو عرضة للنهب و السطو و الاحتلال و التآمر كحال الأمة الإسلامية الآن ومما ينبغي على الأمة في حاضرها و مستقبلها أن تأخذ بأسباب القوة و أن تعد لذك العدة قال الله - تعالى- ? وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ? [الأنفال: 60].

 

قال محمد رشيد رضا-رحمه الله- أعدوا لهم ما استطعتم من القوة الحربية الشاملة لجميع عتاد القتال وما يحتاج إليه الجند، ومن الفرسان المرابطين في ثغوركم وأطراف بلادكم حالة كونكم ترهبون بهذا الإعداد - أو المستطاع من القوة والرباط - عدو الله الكافرين به، وبما أنزله على رسوله، وعدوكم الذين يتربصون بكم الدوائر ويناجزونكم الحرب عند الإمكان. والإرهاب: الإيقاع في الرهبة، ومثلها الرهب بالتحريك، وهو الخوف المقترن بالاضطراب[21]

 

وقال الشيخ الشعراوي- رحمه الله- فالقوة الآن لا تقتصر على السلاح فقط، ولكن تعتمد القوة على عناصر كثيرة منها الاقتصاد والإعلام وغيرهما. وصار الخوف من رد الفعل أحد الأسباب القوية المانعة للحرب. وكل دولة تخشى مما تخفيه أو تظهره الدولة الأخرى.

وهكذا صار الإعداد للحرب ينفي قيام الحرب[22].

 

قال القرطبي: وقوله - تعالى - ? وَأَعِدُّوا لَهُمْ ? [الأنفال: 60]. أمر الله المؤمنين بإعداد القوة للأعداء، بعد أن أكد تقدمه التقوى. فإن الله - تعالى - لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم، وبحفنة من تراب، كما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولكن أراد أن يبتلى بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ..

 

وقال بعض العلماء: دلت هذه الآية على وجوب إعداد القوة الحربية، أتقاء بأس العدو وهجومه، ولما عمل الأمراء بمقتضى هذه الآية أيام حضارة الإِسلام، كان الإِسلام عزيزاً، عظيماً، أبى الضيم، قوى القنا، جليل الجاه، وفير السنا، إذ نشر لواء سلطته على منبسط الأرض، فقبض على ناصية الأقطار والأمصار.

 

أما اليوم فقد ترك المسلمون العمل بهذه الآية الكريمة، ومالوا إلى النعيم والترف، فأهملوا فرضاً من فروض الكفاية، فأصحبت جميع الأمة آثمة بترك هذا الفرض، ولذا تعانى اليوم من غصته ما تعانى.

 

وكيف لا يطمع العدو في بلاد الإِسلام، وهو لا يرى فيها معامل للأسلحة، وذخائر الحرب، بل كلها مما يشترى من بلاط العدو؟

أما آن لها أن تتنبه من غفلتها، فتعد العدة التي أمر الله بها لأعدائه، وتتلافى ما فرطت قبل أن يداهم العدو ما بقى منها بخيله ورجله؟

 

إن القوة التي طلب الله من المؤمنين إعدادها لإرهاب الأعداء، تتناول كل ما من شأنه أن يجعل المؤمنين أقوياء. كإعداد الجيوش المدربة، والأسلحة المتنوعة التي تختلف بحسب الأزمنة والأمكنة[23].

فليكن لنا من مرور الأيام والتاريخ اعتبار، إن المبادئ مهما كانت كريمة لا تنتصر وحدها، بل لا بد لها لكي تنتصر من جهادٍ مرير وكفاح شاقّ وعمل منظّم وتدبير محكَم، وعلى قدر ما تكون التضحيات يكون النصر، وبقدر ما تبذل تأخذ.




[1] تفسير السعدي (ص: 571).

[2] محاسن التأويل (7/ 436).

[3] (أخرجه ابن المبارك في الزهد: 628).

[4] (إحياء علوم الدين: 3/ 128).

[5] تفسير الزمخشري (4/ 447).

[6] (أخرجه أحمد (2/ 537، رقم 10956).

[7] تعليق ابن باز على فتح الباري (2/ 522).

[8] أخرجه أحمد (2/ 507، رقم 10598)، ومسلم (4/ 1773، رقم 2263).

[9] (أحمد في الزهد (ص120)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 52).

[10] (إحياء علوم الدين (4/ 405)، وإغاثة اللهفان (1/ 79).

[11] محاسبة النفس لابن أبي الدنيا 34).

[12] محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (10).

[13] محاسبة النفس لابن أبي الدنيا (26).

[14] أخرجه أحمد (5/ 40، رقم 20431)، والترمذي (4/ 566، رقم 2330) وقال: حسن صحيح.

[15] أخرجه أحمد 1/ 163 من طريق بكر بن مضر، وابن ماجه 3925.

[16] أخرجه أحمد (5/ 278، رقم 22450)، وأبو داود (4/ 111، رقم 4297).

[17] أثر الذنوب في هـدم الأمم والشعوب: محمد محمود الصواف، ص 26-27.

[18] مسند الموطأ للجوهري (ص: 584).

[19] أخرجه الحاكم (1/ 218، رقم 444).

[20] (حصـاد الغــرور: محمد الغزالي، ص 8.).

[21] تفسير المنار (10/ 55).

[22] تفسير الشعراوي (ص: 3319).

[23] الوسيط لسيد طنطاوي (ص: 1857، بترقيم الشاملة آليا).


"
شارك المقالة:
25 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook