وقفة مع قوله تعالى: (يجعل لكم فرقانا)

الكاتب: المدير -
وقفة مع قوله تعالى: (يجعل لكم فرقانا)
"وقفة مع قوله تعالى: ? يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ?

 

معنى الفرقان، وهو ثمرة التقوى ومن نتائجها ومكاسبها:

يقول الإمام الألوسي في معنى قوله تعالى ? يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ? [الأنفال: 29]: (أي هداية ونورًا في قلوبكم تفرقون به بين الحق والباطل.. أو نصرًا يفرق بين المحق والمبطل بإعزاز المؤمنين وإذلال الكافرين، أو مخرجًا من الشبهات، أو ظهورًا يشهر أمركم وينشر صيتكم.. وكل المعاني ترجع إلى الفرق بين أمرين) [1]؛ فالفرقان هو فرق وفصل وتمييز بين أمرين؛ ولهذا سمي كلام الله تعالى فرقانا؛ قال تعالى ? تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ? [2]، كما قال تعالى عن التوراة المنزلة على موسى عليه السلام ? وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ ? [3]، وكما أن التوراة كانت هداية لبني إسرائيل فإن القرآن أنزله الله تعالى هداية لهذه الامة وللعالمين إلى يوم الدين.

 

ومن هنا كان كلام الله تعالى فرقانًا أي هداية للخلق، وبيانًا وفصلًا بين الحق والباطل والخير والشر والايمان والكفر.

كذلك كان يوم بدر فرقانًا، أي فصلًا بين عهدين؛ قال تعالى: ? وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَىً وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? [4]، فسماه الله تعالى (يوم الفرقان)، لأنه فرق بين مرحلتين، امتدت المرحلة الأولى إلى خمسة عشر عامًا (تقريبًا) من الصبر، وتحمل الأذى، والطرد، والحصار، والتكذيب والتعقب، ومع ذلك كانت الدعوة ماضية في طريقها رغم العقبات والصعاب، وكان الهدف الأول هو شرح العقيدة وإثبات التوحيد، والحرص على هداية الناس والدعاء لهم والخوف عليهم من النار، ومن أن ينالوا ويواجهوا مصيرًا كمصير من سبقهم من المكذبين المعاندين، ثم كانت المرحلة الثانية حيث دار الهجرة ودولة الإسلام، وكان لا بد من تثبيت أركان الدولة وحماية أفرادها والذود عن البيضة (الحوزة)، ثم حماية الدعوة وإزالة العقبات من طريقها، ووضع حد لاعتداء المعتدين المتطاولين على الدعوة ورجالها، كان لا بد من سلوك مسلك آخر جديد، واتخاذ وسيلة جديدة للحفاظ على كيان الدعوة، وكانت تلك الوسيلة هي وسيلة القتال، وكانت غزوة بدر هي أول مواجهة حقيقية بين قوة الإسلام الصاعدة وقوة الكفر المتهاوية، فكان اليوم يوم فرقان بين الحق والباطل.. بين الاستضعاف وبين التمكين؛ بين الصبر والتحمل وبين رد العدوان ومعاقبة المعتدين.

 

كذلك كانت سورة الأنفال الكريمة؛ تمثل فرقًا وفصلًا بين منهجين، وفي الحقيقة هو منهج واحد لكن تتغير الأساليب والوسائل؛ فقد شرع الله تعالى للمسلمين، وسيلة أخرى اقتضها ظروف المرحلة وطبيعة الصراع وكانت تلك هي وسيلة الدفاع، وردع المعتدين بالقوة بعد أسلوب اللين ووسيلة الصبر.

 

وكانت نتائج غزوة بدر، وما وصل إليه المسلمون في هذه المرحلة من عز ونصر، وما نالوه من غنائم، إنما هو ثمرة من ثمرات التقوى، وجزاء من تعالى وفضل، ومحصلة جهاد وصبر.

 

وعلى هذا كان على الدعاة أن يلتزموا منهج الله عز وجل في الدعوة إلى الله تعالى، وأن يكون هدف دعوتهم هو هداية الناس، وبيان طريق الهداية، وهو الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة وبالرفق واللين ثم يتدرج الداعي حسب ظروف المرحلة ومدي استجابة المدعوين أو رفضهم وحسب موقفهم من الدعوة..

 

كذلك على الداعي إلى الله تعالى أن يعلم أنه إن تحققت فيه وفي أمثاله التقوى فإن الله تعالى يجعل له ولأمثاله فرقانًا، فتصل دعوته إلى القلوب، وينصره الله وينجيه، ويجعل له نورًا في قلبه وبصيرة، يرى بها الحق حقًا فيتبعه ويرى الباطل باطلًا فيجتنبه، كما أنه على الداعي أن يكون حصيفًا وعلى جماعة الدعاة أن يكونوا على مستوى العصر والأحداث، فيختارون لغة الخطاب المناسبة، وأن يقدموا الترغيب على الترهيب، ويبدؤوا بالتودد واللين، ويتجنبوا الشدة والعنف مع المدعوين، لأنه ما على الداعي إلا أن يكون ناصحًا أمينًا، مبينًا ومعرفًا للناس طريق الخير من الشر، ويفرق بين الحق والباطل، ويوضح لهم المصالح والمفاسد، لكنه من الواجب على الدعاة إذا طعن أعداء الإسلام في الجهاد، ورموه بأنه نشر بحد السيف أن يوضحوا الحقائق، وان يحرضوا جماهير المسلمين للدفاع عن دينهم وأنفسهم، وإن الدعوة إلى أحياء روح الجهاد في نفوس المسلمين هي واجب الوقت الآن بعد ان تجرأ على الإسلام أعداؤه، وظنوا أن روح الجهاد قد ماتت عند المسلمين.




[1] روح المعاني جزء 5 ص 507.

[2] سورة الفرقان (1).

[3] سورة الأنبياء (48).

[4] سورة الانفال (41).


"
شارك المقالة:
24 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook