يا ألله

الكاتب: المدير -
يا ألله
"يا ألله




يا ألله، لك الحمد في الأولى والآخرة، في الصباح والمساء، في الغروب والشروق، بعدَد مجرَّات الكون، ورملِ عالِج، وقطرات المحيط، ونسيم الرياح، بعَدَد مَن صلى وسجَد، وقام وقعد، لك الحمدُ مولاي، وخالقي وسيدي.




يا ألله، قلَّ شُكرُنا على نعمك، وقَلَّ حمدُنا على آلائك، وما قُمنا بحقك ولا حق أصغر نعمةٍ أسديتَها إلينا.

يا ألله، هأنا واقفٌ ببابك هباءة في هذا الكون أطلُب رضاك، فقيرًا مسكينًا خائفًا ذليلًا، وَجِلًا مُشفقًا.




يا ألله، كلمة استغاثة تخضع أمامها كلُّ قوة، وينصدع منها كلُّ جبار، ويَفرَقُ منها كل سلطان، تَذَرُ الديار بلاقعَ، والحصون خرابًا، والحرث يَبابًا.




يا ألله، فيها استنجادٌ بأعظم قوةٍ في الكون، وفيها استغاثة بأعظم جبَّار في الوُجود، وفيها نداءٌ لملك الملوك خالق كلِّ موجود.




يا ألله، نداءٌ لصاحب القهر والعظمة والقدرة، صاحب الخَلْق والأمر، مَن أمرُه بين الكاف والنون، يقول للشيء: كن فيكون.




يا ألله، نداءٌ مُقدَّس لواهب الحياة الذي خلَق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وأخرَج المرعى، فجعله غثاءً أحوى.




يا ألله، نداءٌ للرحمن الرحيم، اللطيف العليم، الذي يسمع ويرى، على العرش استوى، رازق الطير في الهواء، والوحش في الصحراء، والسمك في الماء، والنمل في الصخور الصمَّاء.

أتخنُقُني الحياةُ وأنت ربِّي
وأنت الله في ضعفي وكَرْبي
وأنت مُقدِّرُ الأقدار عدلٌ
رحيمٌ تحتوي باللُّطفِ قلبي

 

يا ألله، قُلْها بلسان المضطر؛ ليبدل رسوبَك نجاحًا، وخسارتك فلاحًا، وكَبْتك انشراحًا، وضِيقك انفساحًا.

يا ألله:

لستُ موسى ولا عصايَ عصاهُ
‏لستُ هارونَ إذ يواسي أخاهُ‏
لستُ أيوبَ مَن ينادي بضرٍّ
‏ ويعيدُ النداءَ: يا ربَّاهُ
لستُ يَعْقُوبَ مَن رددتَ عليهِ
ابنَه حينما بكَتْ عيناهُ‏
لستُ مِن ثُلَّةِ النبيِّينَ حتَّى
‏يبلُغَ الصدقُ في الفؤادِ مَداهُ
بَيْدَ أنِّي قصدتُ مَن قد دَعَوْهُ
‏نحنُ شتَّى، وأنتَ أنتَ اللهُ!

 

يعتريك الخوفُ، وتضطرب أوصالُك، ويرتجِفُ جسدُك، وما هو إلا أن تؤوبَ إليه فيَهدَأ رُوعُك، ويذهب خوفُك، ويُكشَف ما بك.




تحصل عليك الواقعة فتتخبط يمينًا وشمالًا، تذهب وتجيء، تقوم وتقعد، تتصل بفلان وعِلان، تريد الإسعاف، تبحث عن أفضل مستشفى، وأحيانًا أقرب مستشفى، وتنسى صلاةَ ركعتين وإسبالَ دمعتين، وإطلاق دعوتين.




إذا قلتَ: يا ألله، بقلبٍ منكسر؛ أخضع لك ما حولك، فيتزلَّف إليك أعداؤك، وخدَمَك حُسَّادك، ويسر لك الخيرَ مِن حيث كان يأتي الشر.

وإن أعرضت وتكبرت، سلَّط عليك أقرب الناس إليك.

أنت محتاج له في كل حال:

تضحك وتبكي، وليس لك سوى الله.

تسعد وتشقى، وليس لك سوى الله.

تبتهج وتحزن، وليس لك سوى الله.

يضيق صدرك، وليس لك سوى الله.

تمرض زوجتك، وليس لك سوى الله.

تتعب في الغربة، وليس لك سوى الله.

تجوع وتعطش وترهق وتتعب، وليس لك سوى الله.

ترتاح وتتنزه وتنشد وتلعب، وليس لك سوى الله.

فكيف لا ترددها في ضيقك وهمك وألمك وغمك؟!




لا تبكِ على وسادتك فستجد العناء، ولكن ابكِ على سجَّادتك فستجد الرضا.

إذا الصدرُ ضَاقَ بآهاتِهِ
وطَالَ أسَى قلبِكَ المُكتئِبْ
فنَاجِ الذي في منَاجاتِهِ
خَلاصُكَ، واسْجُدْ لَه واقْترِب

 

تحدَّثْ إلى نفسِك، بشِّرها أن معك الله طمئنها بنصره، بمساندته، بتوفيقه برعايته، بكرمه، بوُدِّه.

يا نفْسُ لَا تجزَعي مِن شدَّةٍ عَظُمَتْ
وَأَيْقنِي مِنْ إلَهِ الخَلْقِ بِالفَرَجِ
كَمْ شدَّةٍ عَرَضَتْ ثُمَّ انجلَتْ ومَضَتْ
مِنْ بعدِ تَأثِيرها في المالِ وَالمُهَجِ!

 

الفرَج أقرب مما تتخيل، وأنت اليوم أقرب إليه مِن الأمس، سوف تنجح، وغائبك سيعود، ومستقبلك سيُزهِر، ومريضك سيُشفَى، وألمك سيبرَأ، وعُودُك سيُورِق، وغصنُك سيخضرُّ، كل البشائر والآمال تتجه إليك، تنحدر نحوك، تساق إليك سوقًا؛ لأنك تقول: يا ألله!




هذا زكريا رقَّ عظمُه وابيضَّ شعر رأسه، وامرأته عجوز عقيم، ووقف واثقًا يسأل الله الولد، فأُعطي؛ لأنه كرَّر: يا ألله، فمَن قالها لن يشقَى في الحياة، ? وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا ? [مريم: 4]، سَلِ الله ما شئتَ، ? هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ? [مريم: 9].




‏مُصابُك الذي يُوجعك، حُزنُك الذي تغلغل في صدرك، همُّك الذي منعك المنام، حزنك الذي عكَّر عليك الطعام، كَدَرُك الذي يتغشَّاك، وغمام الأسف الذي غطاك، مواجع قلبك، عوائق دربك، كل ما آلَمَك هيِّنٌ على الله، ‏فقل: يا ألله.




الناس تجدُ منهم العجز والقطيعة والهجران والخذلان؛ لأن لهم حدودًا لا يتجاوزونها، واللهُ تعالى تجد منه العِوَض والتوفيق والمَدَد، وكل ما تطلبه وفوق الحسبان.

الناس يملُّون منك إن كرَّرت مَطلبك عليهم، والله تعالى يفرح بدعوتك.




الناس تجد منهم المناصر والمعادي، والمحب والمبغض، وحتى المحب أحيانًا يتركك في منتصف الطريق، فإن لم يترُكْك مات والله تعالى يقول لك: ? وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ? [الفرقان: 58]؛ فهو صاحب الفضل والعطاء والكرم، ومِن سحائب جوده تهطل النعم، واسمعْ ما يقوله الشاعر العامي:

الأرض لا ضاقت وضاقت سماها
اطلب إله الكون، لا تطلب الناس
الناس لو تعطي تعدد عطاها
والله يعطيك العطا دون مقياس

 

يا ألله، كلمة عظيمة جليلة، لها وقعها على القلب، وتأثيرها على الجوارح، تشعر معها بالأمن والإيمان، والسعادة والرضوان.




يا ألله، تقولها في الخوف والأمن، في التعب والراحة، في النشاط والاسترخاء، في الاضطراب والسكينة، في المرض والصحة، في السقم والعافية، في الصغر والكِبَر، في الحياة وفي الموت.




يا ألله، تقولها إذا جُعت، وتقولها إذا شبعت.

تقولها إذا انكسرت، وتقولها إذا انتصرت.

تقولها إن أسرعت، وتقولها إن أبطأت.

تقولها إن أَصَبْت، وتقولها إن أخطأت.

يا ألله، قيلتِ استبشارًا بك يوم جئت إلى الحياة، وتقال حزنًا يوم تفارق الحياة.

قيلت يوم خرجتَ مِن رَحِم أمِّك، وتقال عندما توضع في رَحِم الأرض.




شاعر حجازي شهير ختم عمرَه بقصيدة ذائعة رائعة ماتعة؛ قال في آخرها ثلاثة أبيات تعدل شعرَه كلَّه:

يا عالِمَ الغيبِ ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني وإسراري!
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ بهِ
عليَّ ما خدَّشته كلُّ أوزاري!
أحببتُ لقياكَ حسنُ الظنِّ يشفع لي
لا يُرتجَى العفو إلا عند غفَّارِ

يا ألله، تقولها عند الحاجة والفاقة والمسغبة، فإذا العيش الرغيد والحياة الهنية.




يا ألله، قلها ولا شيء في قلبك سواها، أخرِجْها مِن العمق، وتأمَّل روعتها وجمالها ونداها، تفاعل معها بروحك لتتعطر شذاها، قُلْها بمشاعرك بكيانك؛ فإنه لا حدَّ لمداها.




أعطها تفكيرك، وقتك، جهدك، دمك، مالك، حياتك، حتى لو صرت فداها، ألصق اسمٍ من أسمائه بحياتك هو القريب؛ لأنك إذا قلت: يا ألله، أجابك.




يا ألله، قُلْها إذا قل مالك، وجاع عيالك، وساء حالُك، وتشتت بالك.

قلها وكلك ثقةٌ بعطائه، غير مُلتفتٍ لسواه، راجٍ فضلَه، منتظر كرمه.

إذا قلتها ملأ صدرَك غنًى، وأرضاك بما أعطاك، فأنتَ حينها أغنى من ملوك الأرض، ولو ملكوها بالطول والعرض.




ورد في السير للذهبي: أن هشامًا دخل الكعبة، فإذا بسالم بن عبدالله، فقال: سَلْنِي حاجةً، قال: إني أستحي مِن الله أن أسأل في بيته غيرَه، فلما خرجَا، قال: الآن فسَلْني حاجةً، فقال له سالم: مِن حوائج الدنيا، أم مِن حوائج الآخرة؟ فقال: مِن حوائج الدنيا، قال: واللهِ ما سألتُ الدنيا مَن يملكها، فكيف أسأل مَن لا يملكها؟!




يا ألله، قُلْها بقلبك قبل لسانك، وبأركانِك قبل بيانك، وبأنفاسك قبل شفتَيْك، لا يوجد في العالم مَن هو مُطَّلِع على أسرارك سواه، يعلم مداخلك ومخارجك، سرك وجهرك، تخطيطك وفكرك، لا تخفى عليه خافية.




اعرِضْ عليه مشروعك الذي فشِلتَ فيه، وحلمَك الذي عجزت عن تحقيقه.




ثِقْ بأن الله يعلَمُ كم تكبدت الصعاب، ترفع الكفينِ سرًّا، راجيًا نَيْل الجواب، يُبدل الأحزان أُنسًا، يعقب الصبرَ الثواب، ‏فِي هزيعِ الليل الآخر ابعث المطاليب، وانتظِر غيث القريب المجيب.




اكتُبْ رسائل للمَلِك بمداد الندم والرجوع، وغلِّفها بغِلاف الخضوع، واصدُقْ في طلبك؛ فرُبَّ دعاء مسموع!




‏قد تضعُفُ همَّتُك عن ركعاتٍ في جوفِ الليل مع كونك مستيقظًا، ‏لكن ما عذرك حين يعجز لسانك عن أن يقول: يا ألله، وينادي: يا ألله.




يقول أحد العلماء: صدقُ النيَّةِ سببٌ لطمأنينة القلب وتفريج الكروب وتحقيق الغايات؛ ? فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ? [الفتح: 18].




إذا قلت: يا ألله، لن تكسرك الأوجاع، ولن تهزِمَك الأمراض، ولن تتغلَّب عليك الأسقام؛ فالنعيم هو نعيم القلب، والعافية هي عافية الرُّوح.




رأيت مبتلى مصابًا في كل جسده وهو يُسلِّم على الناس ويبتسم لهم، وفي نفس اللحظة رأيت بعض أرباب النَّعيم لا يبتسمون، وكأنهم ليسوا من النعيم في شيء!




لماذا القلق على الرزق؟

لماذا التسخُّط من المعيشة؟

لماذا البكاء على الأطلال؟

ليلٌ ويعقبه فلق
فلِمَ التشاؤم والقلق؟!
انظر لِرحمة وَالِديك
فَكيفَ رَحمة مَن خَلَق؟!

 

يا تائهًا في بَيْداء الحياة، يا مُنهكًا بأوجاع الدهر، يا منزويًا في مغارة القلق، يا معذبًا في صحاري الدهر، يا مصابًا بحوادث الزمن، الدواء بين يديك، والأمل يبرُقُ أمام ناظريك، والشهدُ يقترِبُ مِن شفتيك.

قاسيتُ أوجاع الحياةِ وطالما
ساءلتُ عن دائي وعن ترياقي
فعلِمتُ أن علاج أوجاعِ الأسى
كفَّانِ تبتهلانِ للخلَّاقِ

 

يا ألله، ترفرفُ معها الرُّوح، وتسمو بها النفس، ويشعر العبدُ معها بحلاوة الذِّكر وطيب المناجاة، فلا شطط ولا نَزَق، ولا همّ ولا قلق، ولا سهر ولا أرق.

كيف تلهث عن حياة الروح وعندك هذه الكلمة؟!

كيف تنال منك السهام وأنت قادر على التحصُّن بها؟

وكيف تغلبك الأوهام وأنت قادرٌ على التحرز بها؟

وكيف تضامُ وأنت تجيد ترديدَها والعيش معها؟

تذبل الأرواح منَّا
بعد أيامٍ عجافْ
يَهلِكُ التفكير فينا
إننا قومٌ ضعافْ
فقرُنا لله دومًا
نسأل الله الكفافْ
إن ربَّ البيت كافٍ
هَمَّنا ماذا نخافْ؟
سوف يمضي الهمُّ صبرًا
إنَّ للكربِ انصرافْ
سوف نجنِي ما حصدنا
أجره يوم القطافْ

 

إذا قلت: يا ألله، رأيت كل شيء سوى الله صغيرًا، وكل ملك سوى الله حقيرًا، قلها لترى الفرَج يلوح، والنصر يقترب، والبِشر يرتسم.




إذا قلتها بعُمق وعرَفتَ معناها بصدقٍ، فلن يخيفَك جبار، ولن يكسرك أشرار.

إذا ظُلِمت قلها وكررها؛ فهي الاسم الأعظم، والجاه المعظَّم.




جاءت امرأةٌ عجوز إلى بَقِي بن مَخْلَد - وكان مُستجاب الدعوة - فقالت له: إن ابني أسرَه الأعداء، وليس لي بعد الله أحدٌ غيره، فادعُ الله أن يفكَّ أسره، فرفع بقِيٌّ يديه إلى السماء يتمتم، فعاد ولدها، فقالت له: كيف خرجت؟




قال: ذات يوم فجأة سقط القيد من رجلي، فأعادوه فسقط، تكرر ذلك مرارًا، فاستدعوا الحدادين فقيدوني فسقط، فارتاعوا وأطلقوني، فتأملت الأم وابنها وحسبوا فإذا سقوط القيد في نفس تمتمة الشيخ!




أعرف داعيةً في صنعاء - وكان زميلًا لي في الجامعة - مستجاب الدعوة، استضافني في بيته عدة أيام، جاء إليه رجلٌ بابنته البالغة من العمر خمس عشرة سنة تقريبًا، وقد أصابها العمى، وطاف بها أرقى المستشفيات، فأكدوا له استحالة علاجها، فجاء بها إليه، فرفع صاحبي يديه إلى السماء يقول: يا ألله، يا ألله، وبعد لحظات قالت البنت: كأني أرى غمامًا أبيض، واستمر هو يدعو، وهي تقول: كأني أرى خيالكم، واستمر يدعو، وفجأة فتحت عينَيْها على أبيها فوثبت إليه تعانقه، وجعلا يبكيان في منظر تقشعر منه الأبدان!




يا ألله، اسكبْ علينا مِن شآبيب رحمتك ما يُطهِّر قلوبنا، واسقِنا مِن غيثِ حبك ما يبرد لواعجَنا، وكن معنا في السراء والضراء؛ فأنت نِعْم المولى ونِعْم النصير.


"
شارك المقالة:
29 مشاهدة
هل أعجبك المقال
0
0

مواضيع ذات محتوي مطابق

التصنيفات تصفح المواضيع دليل شركات العالم
youtubbe twitter linkden facebook