لقد سكن اليهود مناطق مختلفةٍ من الجزيرة العربية، ومنها المدينة المنورة أو يثرب قديماً، فعندما هاجر النبي محمد صلى الله عليه وسلّم إليها وجد فيها من القبائل اليهودية: بني قريظة، وقبيلة بني القينقاع، وبني النضير، وقد ارتبطت هذه القبائل بعلاقات مع أهل المدينة، وقد نظّم الرسول الكريم العلاقة مع اليهود في معاهدة مشهورة.
عندما وصل النبي صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة المنورة مهاجراً من مكة المكرمة أقام قواعد الدولة الإسلامية فيها، ومن أبرز هذه القواعد تنظيم العلاقة مع اليهود المقيمين في المدينة، وعقد المعاهدات معهم، وقد أوفى صلى الله عليه وسلّم بهذه المعاهدات وأمر المسلمين بالوفاء بها، وعدم نكثها امتثالاً لقول الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) [النحل:91].
لقد حاول يهود بني النضير اغتيال النبي صلى الله عليه وسلّم عندما ذهب إليهم يطلب مساعدتهم في دية قتيلين فوعدوه بالمساعدة، فجلس ينتظر عليه الصلاة والسلام، إلّا أنّ اليهود كانوا يتفقون فيما بينهم في تلك الأثناء على قتله صلى الله عليه وسلّم بإسقاط حجرٍ على رأسه، فأوحى الله تعالى له بخطة اليهود، فعاد إلى دياره وأرسل إليهم بالخروج من المدينة، ولكنهم رفضوا وتحصّنوا في ديارهم فحاصرهم صلى الله عليه وسلّم والصحابة عدة ليالٍ، وطلبوا الجلاء من المدينة فسمح لهم النبي بالخروج شرط أن يأخذوا ما تحمله الإبل من دون سلاحٍ.
على الرغم من تأمين رسول الله صلى الله عليه وسلّم يهود بني القينقاع على دينهم وأنفسهم إلّا أنه أبوا إلّا المشاكل، فقد قدِمت امرأة عربية إلى أحد الصاغة اليهود فحاول التجار مراودتها إلّا أنها رفضت، فربط البائع ثوبها بالكرسي من دون علمها، وعندما قامت سقط الثوب وانكشفت عورتها فصرخت وطلبت النجدة، فهب لنجدتها مسلمٌ عربي قتل البائع، فاجتمع اليهود على المسلم وقتلوه، فاستنجدت عائلة الرجل بالعرب المسلمين، فحاصر النبي والصحابة ديار بني القينقاع عدة ليالٍ إلى أنْ تدخّل عبد الله بن أبي بن سلول وطلب من النبي صلى الله عليه وسلّم تركهم فتركهم النبي، إلّا أنّ الرعب دب في قلب الكثيرين منهم، فهربوا من المدينة إلى بلاد الشام وخيبر.